إذا وجدتِ طفلك كثير البكاء والصراخ، ولا يهدأ مهما قدمت له من مغريات، ولم ير الطبيب فيه مرضاً، لا شك في أنه مصاب ب«الاستشراب»، ما يعني ببساطة أن والدته حسدته لفرط حبها له، هذا في حال لم يتمكنوا من تحديد حاسد آخر. ويضاف «الاستشراب» إلى بقية المفردات «الحسد» و«العين» و«الفال». ويبقى مصطلح «المنظور» صاحب وقع «مخيف»، خصوصاً أنه متعلق بالجن، وليس كل الجن وإنما الصالحون منهم فقط، وفي ما يفترض فيهم عدم الضرر، إلا أنهم يرفضون الإزعاج، وحين يتم إزعاجهم فإنهم (الجن) يقومون بمعاقبة المزعج، وفي بعض الأحيان يتحرشون به من دون سبب، ولتفادي تحرشهم وعقابهم يجب تقديم «تحلية» لهم، والتحلية عبارة عن «ماء حلو مضاف إليه سكر زيادة». لن تسمع بهذه المصطلحات في مجالس الرجال، اذ تعتبر مفردات قاموس نسائي بحت، ويعزز القاموس كونهم أكثر من يلجأ إلى عالم «فك السحر والشعوذة». وفيما لا يرى الطبيب النفسي الإكلينيكي عبدالعظيم الصادق فرقاً بين إقبال النساء المتعلمات والأميات في التوجه إلى الدجالين، تعتقد فاطمة ضياء أن السبب «فراغ داخلي وحيلة العاجز في معالجة القضايا التي تواجهه». وتتهم ضياء النساء اللواتي يلجأن إلى الشعوذة ب«الفراغ وامتلاك أموال كثيرة وقلة العقل»، وتعزو لجوءهن إلى «المرض والبحث عن حل لمشكلات نفسية»، موضحة أن «بعض الأمراض التي يعجز الأطباء عن علاجها تجعل المرأة تذهب إلى مشعوذ أو راق، حتى يقدم لها العلاج أو يكشف حاسدها إذا كانت محسودة». ومن بين الأسباب «كثرة المرض» و«عدم التقدم إلى خطبتها» أو «البحث عن الحب، خصوصاً عند المرأة التي تشك في حب زوجها لها، وتعتقد أنه واقع في حب امرأة أخرى، فتبحث عمن يكشف لها سره، أو ربما هناك امرأة تحبه، فتنافس زوجته عليه»، و«إذا شكّت المرأة في أخرى ستذهب لتحمي نفسها من الحسد». وتعتقد أن «النساء بعد أخذهن العلاج أو كشف السحر، يوهمن أنفسهن بالتحسن، وأحياناً لا يجدن شيئاً غير خسران المال». وأضافت أن «أسعار الشعوذة تبدأ من 50 ريالاً، وتصل إلى عشرات الآلاف»، مبينة أن «المشعوذ يكتب قائمة بالأمور المطلوبة، وهذه لا تدخل ضمن كلفته الخاصة، ومن بينها أعشاب لعلاج المرض الجسدي، وإذا كان نفسياً فلهم أسلوب آخر». ويعلل الاختصاصي النفسي الإكلينيكي إقبال النساء على المشعوذين ب«طبيعتهن»، موضحاً أن «تكوين المرأة يدعها تلجأ إلى هذا الأسلوب، وهذا ليس انتقاصاً في جنسها، إنما لكل جنس خصائصه». واعتبر أن الثقافة والمستوى التعليمي لا يؤثران في الحد من توجه النساء إلى مشعوذين، مستنداً في ذلك إلى «التجربة في العيادة، إذ تأتينا متعلمات ومثقفات»، إلا أنه يوضح «أن الأميات اللواتي يذهبن إلى المشعوذين نسبتهن أكثر من المتعلمات كثيراً». وفي ما يتعلق بالعوامل التي تجعل المرأة تلجأ إلى المشعوذين، فمن أهمها «ضعف الجانب الإيماني لديهن، وابتعادهن عن الوسائل المشروعة دينياً»، إضافة إلى «ضعف الثقة بالنفس». «وما يغيب عن نظر السيدات أن أكثر مدعي تقديم العلاج دجالون وكاذبون، وهدفهم الاستيلاء على الأموال بالباطل»، بحسب الصادق الذي أشار إلى أن «بعض النساء يعانون من اضطرابات نفسية، وفي مقابل التوجه إلى الطبيب النفسي يذهبن إلى مشعوذ يستغلهن مالياً». وطالب في الوقت ذاته ب«التفريق بين المشعوذ الدجال ومن يعالج بالرقية الشرعية والقرآن الكريم»، موضحاً أن «المشعوذ أول ما يطالب به المال». وفي رده على ما تعاني منه نساء من أمراض لا يجدن علاجاً له في المستشفى، أوضح أن بعض الأمراض منشؤها نفسي، مثل قرحة المعدة وغيرها، وتسمى الأمراض «النفسجسدية»، وعادة ما يكون علاجها عن طريق طبيب نفسي.