لا أحد يحرك الاعتصامات المتواصلة في محافظتي نينوى والابنار للمطالبة برحيل قوات الاحتلال الأميركية من العراق، سوى الحس الوطني لأبناء هاتين المحافظتين. رئيس الوزراء نوري المالكي وبعض من أعضاء حكومته وولا سيما الموالين منهم لإيران يدركون أن رحيل قوات الاحتلال الأميركية سيكشف ظهورهم ويعري حليفتهم إيران، لهذا حاولوا بكل الوسائل منع الاعتصامات في نينوى والابنار إلا ان الزحف العشائري نحو ساحتي الاعتصامات في المحافظتين أفشلت جميع المخططات الأمنية. بات واضحاً لدى غالبية العراقيين ان التغلغل الإيراني في العراق مرتبط بشكل أو بآخر بوجود القوات الأميركية وأن ليس من وسيلة لنزاع مخالب طهران من العراق سوى خروج الأميركيين الذين باتوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون يشكلون غطاء للوجود الإيراني في العراق من خلال أزلام إيران في الحكومة والبرلمان والجيش والشرطة. المالكي ومن معه يدركون هذه الحقيقة، لهذا أثاروا موضوع إمكان تأجيل انسحاب القوات الأميركية من العراق والمقرر نهاية عام 2011، بعدما تعالت أصوات في الولاياتالمتحدة تطالب بسحب القوات من العراق في الوقت المحدد، ومن هذا المنطلق أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن جيش المهدي لا يمكن أن يبقى «محلولاً» إلى الأبد، في إشارة واضحة إلى إمكان تجدد الصراع بين القوى العراقية في حال قرر الأميركيون الانسحاب في الوقت المحدد. كما يشير تصريح الصدر إلى أنه ربما مستعد للقتال من أجل تأمين مصالح طهران في العراق. نينوى والانبار ليستا استثناءً في هذا المجال. هناك محافظات في الفرات الأوسط والجنوب طالبت برحيل القوات الأميركية. وحدهم أزلام طهران في الحكومة والجيش والشرطة لا يريدون خروج المحتل. إيران ذاتها تدرك أن خروج الأميركيين من العراق يعني إنهاء تغلغها في مفاصل العراق، وبالتالي أصبحت تزيد من جرعة الدعم للجماعات الإرهابية المسلحة، ولا سيما ذات الميول الإسلامية منها، لتخويف القوات الأميركية من خطر سيطرة الإسلاميين المتطرفين على الحكم في العراق، وهي – إيران – تعلم قبل غيرها أن العراق لا يمكن ان يحكمه إسلاميون متطرفون، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يبدو أن لدى أميركا مشروعاً خاصاً بالعراق قبل رحيل قواتها منه، وهو ما يقلق إيران وحزب الدعوة وفيلق بدر وعمار الحكيم وجميع أزلام طهران في العراق. أما لماذا نينوى والانبار هما من قادتَا الاعتصامات ضد بقاء القوات الأميركية؟، كلتا المحافظتين ذات تركيبة سكانية عشائرية، وهو ما يعني أن سكان المحافظتين هم من العرب الذين اضطهدتهم الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد احتلاله من الولاياتالمتحدة سنة 2003 وهمّشت أبناء المحافظتين وأقصتهم عن المشاركة السياسية بشكل فاعل، حتى على مستوى مجالس المحافظات. نينوى وعاصمتها مدينة الموصل تعتبر حاضنة المد العروبي عبر التاريخ ومثلها محافظة الانبار وعاصمتها مدينة الرمادي، وأهالي هاتين المدينتين يدركون أن بقاء القوات الأميركية سيؤخر حصولهم على حقوقهم ويجعل من وطنهم – العراق - لقمة سائغة في فم إيران، لهذا يستعجلون رحيل القوات الأميركية، لأنهم يعلمون أنهم قادرون على التعامل مع الوجود الإيراني في العراق، ولا سيما أن جُل أبناء هاتين المحافظتين سبق لهم التعامل مع إيران من خلال مواقعهم المتقدمة في الجيش العراقي إبان الحرب العراقية – الإيرانية. على رغم كل الأزمات التي مر بها العراق في العقود الثلاثة الأخيرة وتراجع دوره اقتصادياً وسياسياً، إلا أن أهله من العرب غير المحسوبين على الاحتلال أو غيره من القوى الإقليمية يدركون أنهم وحدهم قادرون على التعامل مع الوجود الإيراني في العراق، لمعرفتهم العميقة بالعقلية الإيرانية، لهذا واصل أبناء نينوى الملقبة بالحدباء والانبار الاعتصام في الميادين والساحات، وهي اعتصامات بدأت بالمطالبة برحيل القوات الأميركية ومن صعدت مطالبها من خلال المطالبة بتحرير العراق وانتهت الأسبوع الماضي بالتنديد بالتدخل الإيراني في الشأن العراقي، وهو ما يؤكد أن أميركا وإيران وجهان لاحتلال واحد.