أعطت دراسة حديثة طبّقت على عينة من الأفراد في السعودية، أملاً جديداً بعلاج الأرق المزمن، من طريق انخراط المرضى المصابين به في برنامج علاجي يعتمد على التمارين الرياضية الهوائية (تمارين «إيروبيك» Aerobic Exercise). ففي خضم المعاناة من الأرق المزمن، يلجأ كثير من المصابين إلى العلاج الدوائي، ويهملون العلاجات السلوكية التي أثبتت فعاليتها في تحسن المصاب بأعراض الأرق المزمن. فبمرور الوقت، يتعوّد المريض على تناول بعض الأدوية، خصوصاً تلك التي لا تحتاج لوصفة طبيب مثل مضادات الهستامين والحبوب المنومة أو المهدئة. وشيئاً فشيئاً، تفقد هذه الأدوية تأثيرها ويضطر المريض إلى زيادة الجرعة، أو تغيير الدواء. ويؤدي ذلك أيضاً إلى التأثير سلبياً على استفادته المحتملة من العلاج السلوكي المعرفي المناسب. والمعروف أن العلاج السلوكي المعرفي من الوسائل العلاجية الأساسية في الطب النفسي الحديث. تمارين الهواء تجلب النوم برزت أهمية هذه الدراسة السعودية في لفت الانتباه إلى وسائل علاج لا تعتمد على تناول الأدوية، بل ترتكز إلى تحسين السلوك المصاحب للنوم والاستيقاظ، والعلاج المعرفي، إضافة إلى التمارين الرياضية. وتتفاعل هذه المُكوّنات عبر برنامج علاج طبيعي لمدة أربعة أسابيع، في إحداث تأثير إيجابي في حال الأرق المزمن. وضمّت الدراسة عشرين مريضاً ممن شخّصت إصابتهم بالأرق المزمن، جرى تقسيمهم إلى مجموعتين متساويتين، وعلاجهم بالوسائل السلوكية المعرفية والصحية العامة، إضافة إلى استعمال الدواء بحسب الحاجة. واقتصر تطبيق العلاج بالتمارين الرياضية على مجموعة وحيدة. والتزم المرضى العشرة في المجموعة الأخيرة، الانخراط في برنامج علاج بتمارين رياضية هوائية، تحت إشراف متخصصين في العلاج الطبيعي، بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع (نصف ساعة لكل جلسة) ولمدة 4 أسابيع. وجرى احتساب عدد ساعات نوم المرضى من الأسبوع الأول من الدراسة وحتى الأسبوع الرابع، من طريق مدوّنة نوم Sleep Diary متخصّصة. إضافة إلى هذا، عمدت الدراسة إلى قياس درجة نعاس المشاركين فيها، وخمولهم أثناء النهار من طريق مقياس علمي موثوق به. ولخّص الدكتور أيمن بدر كريّم قائد الفريق الذي أجرى الدراسة، نتائجها قائلاً: «كانت النتيجة مذهلة. ففي مجموعة التمارين الهوائية، زادت ساعات النوم الأسبوعية ليلاً، ما يتراوح بين 20 و50 ساعة. وفي المقابل، لم تتغيّر ساعات النوم عند المجموعة التي لم تخضع للعلاج بالتمارين الرياضية. وقد بدا الفارق في عدد ساعات النوم الأسبوعية واضحاً بين المجموعتين بداية من الأسبوع الأول للتمارين، ما يشير إلى سرعة استجابة نظام النوم والاستيقاظ للأثر الإيجابي للبرنامج الرياضي. كما تحسن أداء المرضى المنخرطين في برنامج التمارين الرياضية أثناء النهار أيضاً، مقارنة بنظرائهم في المجموعة الأخرى. وفي السياق عينه، قال الدكتور سراج ولي، مدير مركز اضطرابات النوم في جامعة الملك عبد العزيز في جدة: «تحفز هذه الدراسة السعودية، إضافة إلى تلك التي أجريت في دول غربية، على الاهتمام بالعلاج السلوكي المعرفي، والتمارين الرياضية الهوائية، باعتبارها بديلاً أو مكملاً للعلاج الدوائي الموقت لمشكلة الأرق المزمن. واستطراداً، تحض هذه النتائج على الاهتمام بنشر ثقافة الأسلوب الصحي للنوم، وتجنب العادات التي تحفز على السهر والتوتر، مثل التدخين، والإفراط في تناول المواد المنبهة، والارتباطات الاجتماعية بعد منتصف الليل وغيرها». ونبّهت شذى قدح ورنا العروي الاختصاصيتان في العلاج الطبيعي إلى أهمية تجنّب التمارين القاسية والمجهدة، مع اقتراب موعد النوم. وأشارتا إلى أن الأثر الإيجابي لهذه الدراسة، جاء نتيجة ممارسة التمارين الرياضية بصورة خفيفة إلى متوسطة، قبل موعد النوم بساعات عدّة، موضحتين أن هذا التوقيت يؤدي إلى تجنب الأثر المُنشط للهرمونات التي يفرزها الجسم عند الإجهاد، مثل الكورتيزول والأدرينالين. الجدير بالذكر أن هذه الدراسة حلّت في المركز الثاني بين 62 بحثاً، في «مؤتمر الخليج الطبي للأمراض الصدرية» الذي استضافته دبي أخيراً، كما قُبِلَت للنشر في «المجلة العلمية الدورية للأمراض الصدرية» Annals of Thoracic Medicine، التي تصدر عن «الجمعية السعودية لطب وجراحة الصدر». * طبيب أمراض صدرية واضطرابات النوم