يعلم الناشط السوري الذي نزح منذ سنة إلى بيروت بعد سنتين من الاعتقال المتكرر في السجون السورية، أنه وآخرين مثله ممن كسروا حاجز الخوف عندهم ونزلوا إلى شوارع سورية قبل ثلاث سنوات يهتفون «حرية، ديموقراطية»، أنه لا يمكنه منع النازحين مثله في لبنان من ممارسة حريتهم بالتصويت في الانتخابات الرئاسية المقررة اليوم خارج سورية. فالمعارضة السورية التي تعتبر هذه الانتخابات «غير شرعية»، تعي أن النظام السوري لا يعول أساساً على ما ستفرزه صناديق الاقتراع النازحة مع النازحين، إنما يعول على الصورة التي ستخرج إلى العالم في اليوم التالي. فالسفارة السورية لدى لبنان حصرت عملية الاقتراع بصناديق وضعت في حرم السفارة في منطقة اليرزة (جبل لبنان)، واعتبرت أن «المواطنين السوريين الذين بادروا إلى تسجيل أسمائهم في السفارة يمكنهم ممارسة واجبهم وحقهم الدستوري في المشاركة بانتخابات رئاسة الجمهورية، من خلال التوجه إلى مبنى السفارة في منطقة اليرزة - بعبدا، اعتباراً من الساعة السابعة صباح اليوم وحتى السابعة مساء مصطحبين معهم جوازات سفرهم أو بطاقاتهم الشخصية السورية، وكذلك ما يثبت مغادرتهم أراضي الجمهورية العربية السورية في شكل شرعي». اما المواطنون السوريون «الذين لم يتمكنوا من تسجيل أسمائهم في السفارة، والراغبون في المشاركة في الانتخابات»، فدعتهم السفارة «إلى التوجه إلى المنافذ الحدودية بين سورية ولبنان في الثالث من حزيران (يونيو) المقبل لممارسة واجبهم الديموقراطي» أي في الموعد الذي ستجرى فيه الانتخابات على الأراضي السورية. لكن، هل تكفي الصناديق الموضوعة في حرم السفارة المحاطة بإجراءات أمنية مشددة، والساعات ال12 لاستقبال المقترعين الذين يقدر عددهم بالآلاف، خصوصاً أن سن الاقتراع هي 18 سنة والتجمعات التي يوجد فيها النازحون بعيدة كثيراً عن اليرزة؟ لا يوجد رقم تقريبي لعدد الذين يحق لهم الاقتراع في السفارة السورية، أو على المنافذ الحدودية من أصل مليون ونصف المليون سوري موجودين على أراضي لبنان من عمال ونازحين بسبب الحرب الدائرة في بلدهم. والسفارة السورية اكتفت «بشكر جميع المواطنين السوريين الذين توافدوا بحماسة كبيرة إلى مبنى السفارة خلال فترة تسجيل القوائم الاسمية للراغبين في المشاركة بالانتخابات، تعبيراً منهم عن تمسكهم بوحدة بلدهم وسيادته واستقلالية قراره الوطني». إذاً، هناك «حماسة كبيرة»، كما ذكرت السفارة في بيانها، ويؤيدها بذلك حزب «البعث العربي الاشتراكي» الذي استقبل في مقره في رأس النبع في بيروت عشرات المراجعين منذ شهرين للاستفسار عن إجراءات التسجيل. علماً، كما قال عضو القيادة القطرية رئيس المكتب الإعلامي في الحزب سهيل القصار ل «الحياة»، أن الحزب «اتخذ قراراً بعدم التدخل في هذا الشأن السوري ولا علاقة لنا بالانتخابات». وهو برر سبب نشر صور الرئيس السوري بشار الأسد بهذه الكثافة من جانب حزب لبناني في الشارع البيروتي المحاط بحرس مدني وكاميرات ترصد كل حركة فيه، بأنه «حق طبيعي، ذلك أن الرئيس بشار الأسد هو القائد الأعلى للحزب أي مرشحنا، بالتالي تعليق صوره هو من هذا المنظار، علماً أن هناك ثلاثة مرشحين يتنافسون على رئاسة سورية والرئيس الأسد واحد منهم». ويوضح القصار طبيعة المساعدة التي تقدم إلى المستفسرين بأنها تقتصر على «تأكيد شروط الاقتراع: أن يكون الدخول إلى لبنان شرعياً، وأن يكون الناخب مزوداً إما بجواز سفر أو بطاقة مغادرة من السلطات السورية، أو ما يسمى قسيمة عودة». ويوضح أن «من كان دخوله غير شرعي، فإن تسوية أوضاعه تتم من خلال الأمن العام اللبناني، ثم الأمن العام السوري على الحدود». وينفي توجيه «أية نصائح»، فكل ناخب، كما يقول «ورقته بيده ولا علاقة لنا بالأمر». لكن، هل حقيقة أن عملية الاقتراع ستجرى من دون ترهيب أو ترغيب؟ وهل كل النازحين في لبنان هم معارضون أم هم موالون؟ وما هي حقيقة الإشاعات التي تبث في مخيمات النزوح في البقاع والجنوب تحديداً وحتى في أماكن وجودهم في بيروت؟ عمال ونازحون ممن يصرون على تحفظهم عن الكشف عن أسمائهم، تحدثوا إلى «الحياة» عن أشخاص يطرقون أبوابهم من سوريين، إضافة إلى لبنانيين حزبيين ينصحونهم بالاقتراع خشية ألا يسمح لهم لاحقاً بالدخول إلى سورية أو منعهم من الحصول على هويات جديدة في حال قرر النظام إصدارها، أو حتى تعرضهم للاعتقال في سورية. وبعض الجهات المعنية بشؤون النازحين قالت إن هناك بعض الذين يمثلون أجهزة أمنية ساهموا بالضغط على النازحين للاقتراع للأسد. يقر نشطاء سوريون بأن «للنظام السوري ناسه في لبنان، وهؤلاء يعتمدون أسلوباً قديماً متجدداً في الترهيب من خلال بث الإشاعات، خصوصاً في المخيمات التي نزح أهلها من سورية هرباً من الموت، وليس من أي شيء آخر، وهؤلاء لا علاقة لهم بأي طرف سياسي، بالتالي يمكن الترهيب أن يفعل فعله في نفوسهم لأنهم في حيرة من أمرهم. هذا الترهيب كان متبعاً في سورية منذ 40 سنة واليوم يتبع في لبنان». وتحدث ناشط على علاقة يومية مع النازحين والعمال السوريين، عن «توجه عناصر من حزب لبناني إلى محال في ضواحي بيروت يعمل فيها سوريون ويطلبون من أصحاب المحال السماح لهم بالتحدث إلى العمال والطلب منهم التوقيع على لوائح انتخابية، وهذه اللوائح قد تتحول إلى لوائح ناخبة ومقترعة أيضاً». ويشير إلى «أن النظام السوري لم يكشف مرة عن عدد مقترعيه في الانتخابات الرئاسية، فهو يكتفي بإعلان نسبة الفوز، بالتالي فإن نسبة فوزه بالانتخابات محققة مسبقاً وليس هناك تعويل عما ستفرزه صناديق الاقتراع في أماكن النزوح. ولا يبقى مهماً إن أسقط الناس ورقة بيضاء أو امتنعوا عن التصويت لأن الأهم بالنسبة إلى النظام من سيفرز الأصوات في صناديق الاقتراع ومن سيشرف على الانتخابات وعملية إصدار النتائج». ويقر ناشطون ب «أن الناس في النهاية ضحايا، وهم يبحثون عن مصلحتهم وليسوا مع أحد وهم يسمعون عن إشاعات عن عودة معارضين إلى حضن النظام أو يتابعون كيف أن العالم تخلى عنهم». السفارة السورية لدى لبنان كانت «شكرت حكومة لبنان الشقيق لما تقدمه من تسهيلات في ما يتعلق بوصول المواطنين السوريين إلى مبنى السفارة اليوم وإلى المراكز الحدودية في 3 حزيران». وكانت وزارة الداخلية اللبنانية استبقت موعد الانتخابات بإصدار بيان طلبت فيه من النازحين عدم القيام بأية تجمعات سياسية أو لقاءات علنية لها أبعاد سياسية قد تؤثر بأي شكل من الأشكال في الأمن والاستقرار في لبنان، أو في علاقة النازحين بالمواطنين اللبنانيين»، مؤكدة «حرية الخيار السياسي للنازحين بما لا يتعارض مع قواعد الأمن الوطني اللبناني». يعتقد أحد الناشطين أنه «لا يمكن لوم المعارضة على تقصيرها في مواجهة أساليب الترهيب، فمهمتها الآن إسقاط النظام عسكرياً، وهي حالياً ليست كتلة سياسية متماسكة». وأكثر ما تحرص عليه المعارضة، وفق أحد الناشطين، تأكيد أنها أسقطت النظام «منذ نزل إلى الشوارع خمسة ملايين سوري ينادون بإسقاطه، وهو لن يأتي بهذا العدد لانتخابه»، كما تحرص على «عدم إعطاء النظام فرصة لشرعنة الانتخابات». كيف يكون ذلك؟ يؤكد ناشط «أن النازحين في لبنان يحترمون قوانين لبنان، ولن يشهد محيط السفارة السورية أية تجمعات احتجاجية، ولن نقوم بما يخالف قانون البلاد، النظام سيحرص على تظهير صورة الاقتراع في السفارة فيما ستحرص المعارضة على أن تكون الصورة من الداخل السوري!».