عندما تسأل عن سيارة المستقبل تأتيك الأجوبة من كل حدب وصوب، واللافت في الموضوع أن بعضاً منها يتناقض تماماً مع بعضها الآخر. ولا شك في أنه سؤال محيّر وليس من السهل الإجابة عنه لأنه يتضمّن مجموعة اجتهادات، أعتقد بصراحة بأنها تزيد الأمر غموضاً. لمَ لا؟ وشركات السيارات العالمية لم تقدّم إجابات حاسمة عن الأسئلة الدائرة في هذا القطاع، مثلاً: هل المستقبل للمحرّكات الكهربائية أو الهجينة أو لمحرّكات الاحتراق الداخلي؟ وهل سيقود المرء سيارته بنفسه أم أن السيارة ستتولى هذه المهمة؟ لكل صانع وجهة نظره وقد سعى إلى تطبيقها ميدانياً اقتناعاً منه بأن هذا هو المستقبل. منذ أعوام ونحن نسمع عن السيارة الذكية التي باتت تتطور بسرعة مذهلة على غرار الهاتف الذكي، وهي قادرة على التواصل مع السيارات الأخرى وإشارات المرور من طريق الإنترنت، وهنا يبرز التعاون الواضح بين شركات المصنّعة وتلك التي تُعنى بالتكنولوجيا، ليبقى السؤال ما هو الشكل المتوقع لسيارة المستقبل؟ ربما سيكون الجديد الاستغناء عن المقود والتحكّم بها من خلال أوامر صوتية ومن بُعد أيضاً. باختصار سيارة أونلاين قادرة على التواصل، على التعرّف إلى محيطها وتقود نفسها بنفسها. أما الهدف فهو تقليل الحوادث تماماً كما أعلنت شركات عدة، حيث على السيارة معالجة الصور التي ترسلها الكاميرات لها في الوقت الحقيقي. بالتأكيد، ستحتاج سيارة المستقبل لمعالجة بيانات سيصل حجم بعضها الى 100 ميغابايت، وهي كمية كبيرة نسبياً لكنها تتيح لتقنية الحاسوب المتقدّمة التعامل معها واستخلاص أوامر القيادة منها. ولا بدّ من الإشارة الى أن وسائل النقل ستمثل سوقاً متنامية لمطوري البرامج الذين سيعرضون كيف يمكن أن تعمل هذه الوسائل من خلال إرسال السيارات تقارير عن مسارها لتنبيه المركبات الأخرى. ولتنفيذ ذلك هناك حاجة الى شبكة تبقي السيارات على اتصال دائم ببعضها بعضاً، ما يدفع شركات تكنولوجيا المعلومات لدخول سوق السيارات، وسيؤدي بالتالي الى إثرائه خصوصاً أن الصانعين لا يبيعون هياكل متحرّكة فقط بل تقنيات ذكية أيضاً. ومن المنطقي القول أن بقاء السيارة موصولة بالشبكة مجرّد خيال مستقبلي، لكن عملية التطبيق بدأت بالفعل وشركات الاتصالات العالمية دخلت على هذا الخط واتخذت موقعاً لها. وميدانياً هناك ثورة حقيقية تلوح في الأفق في ما يتعلق بدمج عالم السيارات بالانترنت... وقد بدأت. في خطوة جديدة واستجابة لنداء البيئة، تعتزم حكومات بحلول عام 2040 حظر بيع السيارات والشاحنات التي تعمل بالبنزين والديزل وأنواع الوقود المختلفة، بناء على مخاوف متصاعدة من أن ارتفاع مستويات أوكسيد النيتروجين وملوّثات الجو الناتجة من السيارات سيشكل خطراً متزايداً على الصحة العامة. هذا التوجه كان لا بد منه بسبب التأثيرات غير الضرورية التي يمكن تجنبّها في البيئة والصحة العامة، والتي تكلّف الحكومات، الحكومة البريطانية مثلاً نحو 2.7 بليون جنيه استرليني سنوياً. كما ينطبق هذا الوضع على الهند التي تعاني من أكبر نسبة تلوث في العالم، وقد بحثت فكرة التخلّي عن سيارات الديزل ومنع بيعها بحلول عام 2030. وأعلنت الحكومة الفرنسية قبل أيام عزمها إنهاء مبيعات الديزل والبنزين بحلول 2030، كجزء من أهدافها الطموحة التي وضعتها في ظل مؤتمر باريس للمناخ. كذلك أعلنت «فولفو» السويدية نيتها البدء بتصنيع سيارات كهربائية في عام 2019، واعتبر القرار بداية النهاية لهيمنة محرّك الاحتراق الداخلي على السيارات بعد أكثر من قرن من إنتاجه. وستبدأ الشركة بين 2019 و2021 تقديم خمسة نماذج «بديلة» للسيارات الكهربائية. كذلك طرحت بلدان أخرى الفكرة ذاتها كبداية لخططها في التعامل مع التغيّر المناخيّ والتلوّث البيئي، وقد بحثت هولندا حظر الوقود والديزل بدءاً من عام 2025، فيما تسعى ولايات في ألمانيا للتخلّص التدريجي منهما حتى 2030. بدورها، تشترط الصين أن تكون نسبة 8 في المئة من واردات السيارات كهربائية أو «هايبرد»، وسترتفع هذه النسبة إلى 12 في المئة في عام 2020، ما يعني أن الصناعة تحتاج إلى مليون سيارة كهربائية إذا كانت تريد أن تحافظ على معدّلات التصدير الحالية إلى الصين. وفي الهند، ستنفّذ الحكومة التحوّل المقرر عبر اعتماد حوافز عدة ووضع قيود على السيارات البترولية وتعميم نظم المشاركة في السيارات. وتضرب النروج مثلاً في التحول نحو المركبات الكهربائية، إذ تمتلك أكبر نسبة منها مقارنة بالتعداد السكاني. كما أن 40 في المئة من السيارات الجديدة المسجلة في العام الماضي كانت كهربائية. وافتتحت أول محطة شحن سريع يمكنها شحن 28 سيارة في الوقت عينه خلال نصف ساعة. ووفق مؤتمر باريس، تتضمّن الشروط البيئية الجديدة في أوروبا خفض نسبة البث الكربوني من السيارات الجديدة بنحو 40 في المئة بحلول 2021 مقارنة بما هي الآن. وهو هدف طموح للغاية ولن يتحقق إلا بطرح عدد كبير من السيارات الكهربائية في الأسواق. وتوقعت تقارير سيطرة السيارات الكهربائية على السوق بسرعة أكبر مما كان يُتوقع. وستشكل 54 في المئة من إجمالي المبيعات بحلول عام 2040. كما يتوقع انخفاض الطلب على النفط عالميًا بمقدار 8 ملايين برميل يومياً وزيادة استهلاك الكهرباء 5 في المئة لشحن السيارات الجديدة. امتداد للمكتب والمنزل سيارة المستقبل لا تزال غير واضحة المعالم. سؤال يبقى الجواب عنه غير أكيد، اذ كشف مثلاً مدير مجموعة دايملر الألمانية ديتر زيتشه «أن أسئلة عدة تحرّك صناعة السيارات بأكملها، لم تجد إجابة واحدة». وزاد: «لا يتعيّن علينا الاهتمام في اتجاه معيّن وترك الاتجاه الآخر»، في محاولة منه لإنشاء جسر بين العالمين القديم والحديث، أي بين السيارات المزوّدة بمحرّكات الاحتراق الداخلي وتلك الكهربائية، وبين سيارات القيادة الآلية والموديلات سوبر الرياضية. بدوره كشف كارلوس غصن، رئيس تحالف رينو- نيسان- ميتسوبيشي، أن «اتجاهات التكنولوجيا التي نراها اليوم تتناقض مع بعضها بعضاً، ويشير ظهور السيارات ذاتية القيادة والكهربائية نحو المستقبل حيث السيارات المشتركة تحل محل ملكية السيارات الفردية بالنسبة إلى كثيرين». وأضاف: «لا تطوّر نيسان التكنولوجيا لمجرّد الابتكار، وإنما تسعى لئلا تكون حكراً على السيارات الفاخرة باهظة الثمن. وهي تعمل منذ البداية على استخدام تقنياتها العالية في طرزها بغية توفيرها لأكبر عدد ممكن من العملاء. ويتطلّب ذلك عملاً يرقى إلى مستوى الإبداع، وهو بالضبط ما تقدّمه الشركة في إطار رؤيتها للتنقّل الذكي». ويعتقد غصن أن «السيارة ستصبح مساحة شخصية مثقلة للغاية، لأن ما نحاول أن نفعله بالسيارات المُتصلة بالإنترنت يجعلها امتداداً لمكتبك أو منزلك». ويشير ذلك إلى رؤية جذابة بالنسبة إلى الشركات المصنّعة في عالم جديد حيث السيارات ذاتية القيادة المُتّصلة بالإنترنت هي الهواتف الذكية الجديدة. بدوره يتصوّر جيل برات، رئيس وحدة أبحاث الروبوتات والذكاء الاصطناعي في «تويوتا» التي تمكنت من الاستحواذ على خبير الروبوتات الشهير من عملاق التكنولوجيا غوغل لتعزيز وحدة الذكاء الاصطناعي فيها، أن نوعاً آخر من الآلة قد يحل محل السيارات باعتباره الرغبة الرئيسة. ويقول: «قد تصبح الروبوتات في المنازل ذات أهمية شخصية أكثر بكثير مما كانت عليه السيارات في الماضي». وأكد أن تويوتا تريد الاستفادة من المهارات المُكتسبة من أجل صنع السيارات من دون سائق، لتواكب تطوير الروبوتات المنزلية التي يُحتمل أن تُبشّر بتحوّل كبير في أعمالها يعادل في ضخامته ابتعادها منذ عقود من المعامل الميكانيكية في بداية عصر السيارات. وقال جون ليش، رئيس قسم السيارات في «كيه إم بي جي» الاستشارية إن «هذه الصناعة لا تزال تستكشف طريقها بحذر نحو المستقبل المجهول». وعن التجارب التي ميّزت النهج المُبكر نحو أشياء مثل السيارات من دون سائق، أوضح «إنه نهج نحو التكنولوجيا يتجنّب الأخطار إلى حد كبير». يذكر في هذا المجال، أن شركة «رولاند بيرجر» المتخصصة في استشارات السوق تقدّر بأن حجم سوق تكنولوجيا القيادة الذاتية سيتراوح بين 40 و60 بليون دولار بحلول عام 2030. طرز «عابرة» شكل جديد من سيارة المستقبل بدأنا نكتشف بوادره ويتمثّل في السيارة المشتركة. فخلال 2017، أتيحت لنا الفرصة للتنقّل بين منصات الشركات في مختلف المعارض العالمية لترتسم أمامنا صورة جديدة. مثلاً نشير إلى الطراز الاختباري سمارت Vision EQ، الذي يكشف عما ستكون عليه سيارة الأجرة بحلول 2030، والتي تستغني عن المقود والدواسات في شكل كامل. بدورها كشفت آودي عن توجهاتها المستقبلية من خلال الاختبارية Aicon التي تقدّم مفهوماً لA8 باعتبارها سيارة صالون فاخرة للرحلات الطويلة، حيث تتولّى الأنظمة الإلكترونية مهام القيادة. وبذلك تستغني عن لوحة العدادات، وبدلاً من الشاشات الكبيرة اعتمدت آودي في سيارتها الاختبارية على الزجاج الأمامي كشاشة عرض، ويتم الاتصال مع الإلكترونيات عبر أنظمة المساعدة الشخصية والشاشات اللمسية، والتي يمكن أن تتحرك مع الركاب داخل السيارة. كذلك تعرّفنا إلى Sedric التي تعتمد على دفع كهربائي ونظام قيادة آلي من فولكسفاغن، والاختبارية «Mini Electric Concept» التي تعتمد على محرّك كهربائي. واستعرضت نيسان رؤيتها «الكهربائية» من خلال اختباريتها المبتكرة IMx التي نالت مميزات وسمات عدة تعكس رؤية الصانع لمستقبل التنقّل الذكي، وقد زوّدت بمحركين كهربائيين مرتفعي القدرة، أحدهما في الأمام والآخر في الخلف، ما يمنحها القدرة على الدفع الرباعي بقوة 320 كيلووات، وعزم 700 نيوتن متر، مستمدَين طاقتهما من بطارية عالية السعة أعيد تصميمها بالكامل، لجعل السيارة قادرة على الصمود من دون شحن حتى 600 كلم. كذلك مزجت نيسان التكنولوجيا الكهربائية النظيفة والفعالة مع ديناميكية القيادة المثيرة عبر طرازها «ليف نيسمو»، الذي يعكس مزايا نيسان Intelligent Power. «ثورة» من الطبيعي أن يولّد ذلك نتائج إيجابية وأخرى سلبية، منها مثلاً تراجع حركة التوظيف في قطاع التصنيع مع ارتفاع حصة السيارات الكهربائية. ففي عصر انتشار المحركات الكهربائية والرقمنة، سيوظَّف أشخاص أقل في قطاع هذه الصناعة، وفق ما أكد رئيس دايملر ديتر زيتشه أخيراً، محذراً أمام محللين ماليين من إلغاء وظائف في تصنيع المحرّكات. ومن المتوقع أن تتوجه الغالبية الى التوقف عن القيادة في المستقبل والاعتماد على سيارات كهربائية ذاتية القيادة، علماً أنها ووفق تقارير، ستكون أرخص ب10 أضعاف من مثيلتها البترولية، ولن تكلف مستخدمها مصاريف الوقود، وتستمر في العمل لمسافات تصل إلى مليون ميل. كذلك بات متوقعاً أن يعتمد المستهلك على تأجير السيارات عند الحاجة لتختفي معظم المعارض بحلول عام 2024، علماً أن غالبية المدن الكبرى ستتجه الى منع الأشخاص العاديين من القيادة، لأن السيارات الذاتية ستكون أكثر أماناً، ما سيؤدي بالتالي الى انهيار قيمة السيارات البترولية المستعملة وسيضطر أصحابها إلى دفع مبالغ للتخلّص منها. ويعتقد أن نقطة الصفر في هذا التحول ستكون عندما تتخطى قدرة البطاريات المتاحة للمركبات الكهربائية مدى 350 كلم وينخفض سعر السيارة الكهربائية عن 30 ألف دولار. وهو «استحقاق» سيتحقق قريباً وأكثر مما كان متوقعاً، فمنذ عام 2010 انخفض سعر البطاريات، التي تمثل 40 في المئة من كلفة السيارات الكهربائية، من ألف دولار للكيلو واط إلى 350 دولاراً فقط، ويمكن أن يصل إلى 125 دولاراً خلال سنوات قليلة. كما ساهم التقدّم التقني في مجالات أخرى ويساهم في جعل السيارات الكهربائية بديلاً عملياً للبترولية، فمسافة ال320 كلم التي تكلمنا عنها باتت منطقية ومعقولة، خصوصاً بعدما برهنته سيارات تيسلا وغيرها من الطرز الكهربائية التي لا تقل كفاءة بطارياتها سنوياً إلا بنسبة ضئيلة لا تتخطى الآن 5 في المئة، ما يعني استخداماً طويل المدى بلا حاجة إلى تغيير البطاريات وإمكان شحن سريع في غضون نصف ساعة أو أقل، مع تجارب أولية للشحن أثناء تحرّك السيارة لاسلكياً.