لم يكن يتوقع أن إصابته بالتهاب السحايا منذ 23 عاماً ستتحول إلى إعاقة، ولم يكن يخطر في باله أنه سيحرم من نعمة السمع، جراء ذلك المرض. كان جل ما يأمله في ذلك الحين هو العلاج، وعندما شفي ظن أنها نهاية الأحزان، ولم يدري أنها كانت البداية فقط. يقطن المسن عمر قدري 53 عاماً (يمني الجنسية) في محافظة صبيا جنوب المملكة، ويعيش وضعاً نفسياً سيئاً للغاية منذ أصيب بالصمم في عام 1409ه، وحرم من التواصل مع الآخرين لاسيما أطفاله، فهو أب لثمانية أطفال. ويقول قدري: «أنا على يقين بألا أحد يشعر بمأساة عدم القدرة على السمع، ربما لا توجد آلام ولكن المعاناة النفسية تقتلني، تخيلوا أنني لا أعلم بما يدور حولي، بمعنى آخر أنا خارج المجتمع». ويضيف: «منذ فقدت نعمة السمع، وأنا أحلم بأن أسمع أصوات أبنائي، نعم أراهم ولكن لا أعلم بما يحدث لهم حتى يخبرونني بلغة الإشارة، وهذه معاناة أخرى، إذ أشعر أنني متعب للآخرين إذا حاولت معرفة ما يقولون، ولذلك أفضل دائماً الصمت». ويعود قدري بالذاكرة إلى الوراء، ويتحدث عن معاناة أخرى: «رحلتي مع المراجعات المتكررة للمستشفيات كانت مريرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والأدهى أن كل تلك المراجعات لم يحالفها النجاح»، مؤكداً أنه فكر كثيراً بعدم الاستمرار في طلب العلاج، «أنهكت سنوات طويلة من المستشفيات والأطباء، إلى درجة أنني عزمت على الجلوس وعدم المواصلة في ذلك، إلا أن شيئاً واحداً كان يدفعني إلى العلاج وهو رغبتي الملحة في سماع أصوات أبنائي». بفضل من الله ثم بعض فاعلي الخير، توجه قدري في العام 1416ه بكل ما يحمله من مآس وأحزان إلى الرياض، وتحديداً إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي. عاينه الأطباء في المستشفى وبعد فحوصات دقيقة، أكد له الدكتور خالد طيبة استشاري الأذن والأنف والحنجرة أنه يعاني من «فقدان سمعي كامل» ولا يمكنه إجراء جراحة غرس «قوقعة كوكلير» نتيجة لارتفاع قيمة الجهاز الذي تصل كلفته في ذلك الوقت إلى 116 ألف ريال، وعاد المسن قدري محبطاً إلى جازان، فكيف له أن يوفر هذا المبلغ الكبير وهو الذي يعيش وأسرته وضعاً مالياً سيئاً. وعلى رغم كل تلك المعوقات، إلا أن قدري ما زال يأمل في استعادة نعمة السمع، ويأمل من المسؤولين في وزارة الصحة وفاعلي الخير العمل على مساعدته في زرع «قوقعة كوكلير» وتوفير قيمتها، «أصبحت مسناً وعلى رغم تلك السنوات الطويلة إلا أن حلمي الأكبر هو سماع صوت أبنائي وهم حولي، لا أريد غير ذلك، وأتمنى مساعدتي في أقرب وقت ممكن».