يتجاوز مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة اليوم مسيرة ربع قرن، ليدلف عامه ال26 وهو يتنقل بزواره بين حدائق الفكر وظلال المعرفة المنسجمة مع الظواهر المباشرة لحياة المواطن السعودي منذ 50 سنةلينقل صورة الاكتفاء الذاتي الذي عاشه في مسجده وبستانه وارتحاله وصناعته على رغم قلة الموارد وشظف العيش، لتتحول «الجنادرية» بحسب كثير من المفكرين العرب إلى منبر حضاري إنساني يؤمن بالحوار كقيمة حضارية للتفاهم والتلاقي مع الآخر، إلى جانب العمل على إزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي، والحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحمايته. كانت فعاليات المهرجان الأولى انطلقت غرة شهر رجب عام 1405ه واستمر قرابة عشرة أيام، وزاره ما يتجاوز نصف مليون زائر، لتأتي في ميلاد «الجنادرية» الرابع عام 1408ه نقلة نوعية بتقديم عروض للأزياء النسائية القديمة في أيام زيارة النساء، ومشاركة دول الخليج للمرة الأولى، ليستمر أسبوعين وعرضت فيه 60 مهنة وحرفة شعبية من 24 منطقة، كما أقيم 23 معرضاً للجهات والمؤسسات الحكومية، بمشاركة 22 دار نشر سعودية، أما المهرجان الخامس أقيم فيه معرض للوثائق السياسية والاجتماعية والتاريخية تبرز تاريخ المملكة، إلى جانب معرض الكتاب الذي زاره 150 ألف زائر، وشاركت فيه 36 دار نشر و20 هيئة حكومية. كما كرس «الجنادرية» قيماً ثقافية رائدة تمثلت في الكم الكبير من النشاط المعرفي، وتكريم الرواد في الأدب والعلم كقيمة اجتماعية مهمة، ووفاء لهم ولدورهم الريادي في إثراء المعرفة والثقافة المحلية والعربية، مثل حمد الجاسر وحسين عرب ويحيى المعلمي وعبدالكريم الجهيمان وعبدالله بن عبدالجبار وغيرهم، واهتم بإقامة نشاطات ثقافية تتناول قضايا معاصرة فكرية وسياسية، مثل فلسطين والانتفاضة، والغورباتشوفية وانهيار الماركسية، والثقافة العربية والبث الإعلامي العالمي والحركات الإسلامية المعاصرة بين الإفراط والتفريط، وغيرها. أما ضيف هذا العام فسيكون «اليابان» بحضارتها التي سحرت ألباب كتاب التاريخ، وأعجزت صناع الحضارة والتنمية، بالنقلات النوعية من خلال بروزها في مجالات التقنية والمياه والبيئة والطاقة والسيارات والأجهزة الالكترونية المنزلية، ليعد معرضاً خاصاً بدعم وتعاون الشركات اليابانية وبعض المنظمات مثل سفارة اليابان في المملكة، وسيكون تمثيلاً للإنتاج الشامل للقوة اليابانية تحت مظلة «اليابان الساحرة»، وتحت شعار «اليابان الكول/ للمملكة العربية السعودية»، سيتم تقديم مجموعة من المواضيع المختارة لجذب الزوار، مثل الانسجام بين المنوعات التراكبية اليابانية، والإبداع في الحياة اليومية، والمنتجات الحديثة من خلال «معرض نمط الحياة في اليابان، إلى جانب عرض التقنيات اليابانية والطبيعة والتاريخ والثقافة التقليدية في اليابان عبر تقديم عروض عن أصول الشعب الياباني. ولم يكن ديوان العرب وميدانه «الشعر» إلا ليحظى بتمثيل خاص في الجنادرية، لتفرد له أماكن خاصة بنوعيه الفصيح والعامي، ويجعل لهما منابرهما التي يتسابق فيها الشعراء من كل مكان في أرض المهرجان، ولم يغب كذلك فن المسرح، بل كان عماد الفعاليات الأدبية وعنوان تألقها عبر الحضور المسرحي السعودي الذي أثبت قدرته على التعبير عن قضايا المجتمع وتراثه، أما العروض الشعبية فهي ركاز مشاركة المناطق، وميدان التنافس لمن يجذب الزوار أكثر. وفيما يخص دور المرأة فقد شهد تطوراً ملموساً، لم يقتصر على مشاركتها التراثية والفلكلورية فحسب، بل تطور دورها حتى أصبح لها نشاط ثقافي تشرف عليه وتعده، وفي «جنادرية 26» تنطلق النشاطات الثقافية النسائية برعاية من الأميرة نوف بنت عبد العزيز الأحد المقبل في مركز الملك فهد الثقافي مدة أسبوع، إضافة إلى إقامة الرواق الأدبي الذي يستضيف عدداً من شاعرات الوطن، والفنون التشكيلية بمشاركة عدد من الرسامات، وأيضاً إدخال تجربة التصوير الفوتوغرافي الاحترافي التي تعد الأولى من نوعها في هذا المهرجان. كما يمتاز البرنامج النسائي هذا العام بمشاركة أكثر من 20 شاعرة، وعروض فلكلورية من جميع مناطق المملكة، وأخرى تراثية كالحرف، بينما يقدم المهرجان أنشطة للطفل من خلال ركن الطفل والألعاب الشعبية، إلى جانب الأركان التي تحتفل بتراث المملكة من خلال الحرف وطرق المعيشة والأزياء والأكلات الشعبية الأصيلة، بمشاركة مناطق منها مكة والمدينة والقصيم وعسير والشرقية والجوف والباحة. ونفذ في تاريخ «الجنادرية» 20 أوبريتاً فنياً، بدايتها في المهرجان السادس بعنوان «مولد أمة» عام 1410ه، واستمر النشاط الفني مواكباً للأحداث التي تمر بها المملكة أو المناسبات التي تحتفل بها، مثل أوبريت وقفة حق، ودولة ورجال، وعرايس المملكة، وكفاح أجيال، وكتاب مجد بلادنا، وغيرها، أما في هذه السنة فالأوبريت بعنوان «فرحة وطن» من كلمات الشاعر عبد الله الشريف وألحان الفنان صالح الشهري والفنان رابح صقر، وأداء محمد عبده وعبد المجيد عبد الله ورابح صقر وراشد الماجد وعباس إبراهيم، ومن إخراج فطيس بقنة.