تُكْمِل " الجنادرية " عشية يوم غدٍ الأربعاء مسيرة تجاوزت ربع قرن من الزمان ، ابرزت من خلال " مهرجانها " الموروث الثقافي للمملكة العربية السعودية . ستة وعشرون عاما عاشها الزوار والضيوف بين حدائق الفكر ، وظلال الثقافة ، وأنهار المعرفة ، المنسجمة مع الظواهر المباشرة للحياة اليومية للمواطن السعودي قبل نحو خمسين سنة ، في مسجده وبستانه وبيته وصناعته ومتجره وفي حلة وترحاله. إنها الصورة الحقيقة التي تنقلها " الجنادرية " عن حضارة السعودي - الذي قد يُختزل في خيمة وخطام بعير - تلك الصورة الإبداعية في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والتجارية ، تعكس الاكتفاء الذاتي الذي عاشه المواطن رغم قلة الموارد وشظف العيش. حوارات ثقافية وفكرية واسعة ، ومئات الحرف المهنية وآلاف الصور واللوحات الحية تُعرض في الجنادرية ؛ لتؤكد عمق حضارة المملكة العربية السعودية ، وعلو كعبها الثقافي ؛ وتحقق التفاعل والتواصل بين ماض عريق ، وحاضر أنيق يشهد بالإنجازات في مختلف المجالات. ولقد تحول المهرجان الوطني للتراث والثقافة " الجنادرية " في رأي الكثير من المفكرين العرب إلى منبر حضاري إنساني يحمل رؤية متفتحة تؤمن بالحوار كقيمة حضارية لا غنى عنها للتفاهم والتلاقي مع الآخر، والمحاور التي طرحت للنقاش في دورات المهرجان عكست ذلك وكانت شاملة وملبية لآمال الكثير من المثقفين والمفكرين العرب. لقد أدرك خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - أهمية الجنادرية كرسالة حقيقية عن المملكة انطلاقا من أهدافٍ رسمها منذ أن كانت الجنادرية فكرة قبل واقع ، هذه الأهداف التي تؤكد على القيم الدينية والاجتماعية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ لتصور البطولات الإسلامية لاسترجاع العادات والتقاليد الحميدة التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف ، وتوجد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه ، وبين الانجازات الحضارية التي تعيشها المملكة العربية السعودية ، إلى جانب العمل على إزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي ، وتشجيع اكتشاف التراث الشعبي وبلورته بالصياغة والتوظيف في أعمال أدبية وفنية ناجحة ، والحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال. ومن أهم أهداف الجنادرية ، العمل على صقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه إلى واجهة المخيلة الإبداعية ؛ ليكون في متناول المبدعين خيارات من موروثاتهم الفنية بألوان الفن والأدب ، بالإضافة إلى تشجيع دراسة التراث للاستفادة من كنوز الايجابيات ، والعمل على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانية الثقافية والفنية. وبنظرة سريعة إلى الخلفية التاريخية للمهرجان الذي انطلقت فعالياته الأولى غرة شهر رجب من عام 1405ه واستمر قرابة عشرة أيام ،وزاره ما يتجاوز نصف مليون زائر ؛ تتبين العزيمة والإصرار في التأكيد على الاهتمام بالتراث السعودي وتذكير الأجيال به وتوسيع دائرة الاهتمام بالفكر والثقافة ، بجانب الحفاظ على معالم البيئة المحلية بما تحمله من دروس وتجارب. وهي ذات التجربة في العام التالي بمزيد من الإعمار داخل القرية ، وزيادة بعض الفعاليات ، وتزايد الترحيب الشعبي بإحياء موروثه. وفي العام الثالث من عمر المهرجان كانت بداية الاهتمام بالجانب الثقافي والفكري في المهرجان حيث تقرر أن تنظم فيه وعلى مدى السنوات اللاحقة ندوة ثقافية كبرى يشارك فيها عدد من كبار المثقفين والمفكرين العرب ، وتهتم بالتراث الشعبي العربي وجميع تفرعاته وعلاقته بالفنون الأخرى. أما في ميلاد الجنادرية الرابع فأبرز ما يُشار إليه إقامة عروض للأزياء النسائية القديمة في أيام زيارة النساء ، ومشاركة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأول مرة المهرجان الوطني الرابع للتراث والثقافة الذي أقيم في 12/8/1408ه واستمر أسبوعين وعرضت فيه 60 مهنة وحرفة شعبية من أربع وعشرين منطقة من مناطق المملكة ، كما أقيم 23 معرضا للجهات والمؤسسات الحكومية ، قدمت فيها نماذج من تلك الجهات وبعض المقتنيات والتحف القديمة ، وأقيم في جانب من السوق الشعبي أول معرض للكتاب السعودي شاركت فيه ست عشرة هيئة حكومية وإقليمية وكذلك 22 دار نشر سعودية بالإضافة إلى مشاركة دولة قطر بعدد من المطبوعات. وحفل المهرجان الوطني الخامس الذي افتتح غرة شعبان 1409ه واختتم في 15 شعبان 1409ه بالبرامج والنشاطات المتنوعة الثقافية منها والفنية التراثية ، وأقيم في هذا المهرجان لأول مرة معرض للوثائق ضم عددا من الوثائق السياسية والاجتماعية والتاريخية تبرز بوضوح بعضا من تاريخ المملكة وكفاح جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - ، وتميّز بالحضور المسرحي حيث أثبت فيه المسرح السعودي قدرته على التفاعل مع قضايا التراث والمجتمع ، بالإضافة إلى معرض الكتاب الذي زاره حوالي مائة وخمسين ألف زائر وشاركت فيه 36 دار نشر و20 هيئة حكومية. وسارت خطى الجنادرية في السنوات التالية إلى تحقيق العديد من الإنجازات ، وصار المهرجان محط أنظار المثقفين والمفكرين من جميع الأقطار ، كما تزايدت أعداد المشاركين والزوار في كل عام ، حيث تسجل الجنادرية زيادة مطردة كل عام مما حدا بالمسئولين لزيادة المساحة لاستيعاب الجماهير الغفيرة التي تأتي من داخل الوطن وخارجه . وعلى مر السنوات الطويلة التي انقضت من عمر مهرجان الجنادرية .. مازال يكرس قيماً ثقافية رائدة تمثلت في هذا الكم الكبير من النشاط المعرفي إلى جانب تكريم الرواد في الأدب والعلم كقيمة اجتماعية مهمة ووفاء لهم ولدورهم الريادي في إثراء المعرفة والثقافة المحلية والعربية، كحمد الجاسر، وحسين عرب، ويحيى المعلمي، وعبدالكريم الجهيمان، وعبدالله بن عبدالجبار، وغيرهم كثير. واهتم المهرجان أيضا بإقامة نشاطات ثقافية متعددة تتناول قضايا معاصرة فكرية وسياسية كما في ندواته التي بحثت في: فلسطين والانتفاضة، والغورباتشوفية وانهيار الماركسية، والثقافة العربية والبث الإعلامي العالمي والحركات الإسلامية المعاصرة بين الإفراط والتفريط، والاتجاهات الفكرية في العالم العربي وأثرها على الإبداع، وأزمة الثقافة العربية ومنهج الإسلام في الدعوة، والإسلام والغرب وغيرها من العناوين والأفكار التي طرحت في أجواء من الانفتاح وبحضور مفكرين عرب وأجانب من تيارات مختلفة، وتم بحث كل ما يخص الموروث الشعبي عبر الندوات التي تطرقت لتأثيراته وأنواعه وعلاقته بمخيلة المبدع وأهميته وأثرها بالسلوك والأنماط وعلاقته بالفنون المتعددة وتأثيره بها. ولتعزيز الدور الثقافي الحيوي للجنادرية محليا وخليجيا ، جاء الاهتمام ، ولكن هذه المرة بشكل أوسع لاستقطاب الدول التي لها تجارب ناجحة في مسيرة التنمية العالمية ، بالإضافة إلى دورها الحضاري والثقافي ، لعرضها أمام جمهور الزوار ليرى بشكل واقعي تجارب تلك الدول وموروثاتها المختلفة في ركن خاص هيئته الجنادرية كل عام ، ويتغير وفقا لاختلاف الدول المستضافة ، حيث تبرز السمات الظاهرية والداخلية أهم إيحائيات الجناح الضيف ، وهي فرصة حقيقية للتعرف على ثقافة الآخر من خلال ما يعرضه . وسيكون ضيف هذا العام " اليابان " بحضارتها التي طالما سحرت ألباب كتاب التاريخ ، وأعجزت صناع الحضارة والتنمية ، وأبهرت متلقي التقنية بالنقلات النوعية الذي أحدثه هذه البلد الصغير جغرافيا والكبير إبداعا وعطاءاً ، ولعل اختيار اليابان كتجربة ملهمة وفرصة مؤاتية من خلال بروزها في المجالات التقنية والمياه والبيئة والطاقة والسيارات والأجهزة الالكترونية المنزلية ، ومن خلال الانيمي ، والألعاب ، والأزياء ، وغيرها من مظاهر الحضارة اليابانية. واليابان بلد يعد قليل الموارد الطبيعية رغم ذلك الثراء الذي حققه في أشكال متنوعة كثيرة نتيجة لانسجام مجتمعه ، وهي بالتأكيد صورة من صور "السحر" الذي يراه شعب المملكة العربية السعودية في اليابان. ونتيجة لذلك أُعِد معرض خاص بدعم وتعاون الشركات اليابانية وغيرها من المنظمات التي تشترك في نَهْج وحماس الحكومة اليابانية (سفارة اليابان في المملكة العربية السعودية) ، وسيكون تمثيلا للإنتاج الشامل ل"القوة اليابانية" تحت مظلة "اليابان الساحرة". وتحت شعار “اليابان الكول! للمملكة العربية السعودية” ، سيتم تقديم مجموعة من الموضوعات المختارة لجذب الزوار إلى جناح اليابان التي ستمكنهم أيضا من زيارة المعرض بحرية مهما اختلفت اهتماماتهم. وضمن الأفكار المقرر تقديمها لزوار جناح الدولة الضيف " اليابان " في الجنادرية ، تنوع وثراء اليابان الذي حققه الانسجام بين المنوعات التراكبية اليابانية ،والإبداع في الحياة اليومية للناس ، والمنتجات في اليابان الحديثة من خلال "معرض نمط الحياة في اليابان ، إلى جانب عرض التقنيات اليابانية والطبيعة والتاريخ والثقافة التقليدية في اليابان عبر تقديم عروض عن أصول الشعب الياباني. وتمضي السنون على الجنادرية ، وكان كل عام يمر تنضج التجربة أكثر ، وتزداد الفعاليات ، وتضيق المساحات وتتوسع دائرة الفعاليات والأنشطة داخل القرية وخارجها. وعند التطرق للقرية التراثية القلب النابض في الجنادرية التي استوحت نماذج من البيئة القديمة للمجتمع السعودي ، يبرز في الواجهة منظومة عريضة للمعارض التراثية والمقتنيات ، إلى جانب الملتقيات والحوارات الفكرية والثقافية التي تتناول جانبا معينا من هموم وشجون المثقف العربي وسط نخبة من المفكرين والعلماء والمثقفين والمبدعين. والشعر ميدان العرب له تمثيله الخاص في الجنادرية فأفردت له أماكن خاصة بنوعيه الفصيح والعامي ، وجعل لهما منابرهما ، يتسابق فيه الشعراء من كل مكان في أرض المهرجان ، فكان لهواة هذا الفن مبتغىَ ، ولمحبيه مكانا ملائمة. ولم يغب المسرح عن المهرجان ، بل كان عماد الفعاليات الأدبية وعنوان تألقها عبر الحضور المسرحي السعودي الذي أثبت قدرته على التعبير عن قضايا المجتمع وتراثه. أما العروض الشعبية فهي ركاز مشاركة المناطق ، وميدان التنافس لمن يجذب الزوار أكثر ، فكان الحماس منقطع النظير بين مناطق المملكة المترامية التي تتمايز بشكل واضح في الفلكلور وطريقة العزف واللباس وغيرها ، فكانت هذه المشاهد وجبة دسمة للزوار ، وتعريفا بطريقة فنية للمناطق وما تمتلكه من كنوز تراثية أظهرها المهرجان للعيان. وضمن البرامج التي تتطور كل عام هو إبراز التراث المكتوب من خلال الرسائل والوثائق القديمة التي تعكس جانبا تاريخيا عاشته المملكة ، منذ عهد المؤسس - رحمه الله - وما قبله ، ووجدت هذه العروض ترحيبا من قبل الزوار ، لاحتوائها على وثائق تعرض لأول مرة. وشهد دور المرأة في نشاط المهرجان الوطني للتراث والثقافة تطورا ملموسا حيث لم يقتصر الأمر على مشاركتها التراثية والفلكلورية ، فحسب بل تطور دورها حتى أصبح لها نشاط ثقافي تشرف عليه وتعده ، وأتاح لها المهرجان المشاركة والإسهام في نشاطاته الثقافية المتعددة والمتنوعة. وفي جنادرية 26 تنطلق النشاطات الثقافية النسائية برعاية من صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف بنت عبد العزيز يوم الأحد الموافق 13/5/1432ه في مركز الملك فهد الثقافي في تمام الساعة الثامنة مساء ، وتستمر المناشط الثقافية أسبوعا كاملا، تتمثل في أركان التراث المختلفة التي تجسدها مناطق المملكة، فضلا عن إقامة الرواق الأدبي الذي يستضيف عددا من شاعرات الوطن، يعبرن عن حب عميق لمملكتنا الحبيبة ، بالإضافة إلى الفنون التشكيلية بمشاركة عدد من الرسامات والرسامين المبدعين، وأيضا إدخال تجربة التصوير الفوتوغرافي الاحترافي التي تعد الأولى من نوعها في هذا المهرجان. ويمتاز البرنامج النسائي هذا العام بمشاركة أكثر من 20 شاعرة، بالإضافة إلى عروض فلكلورية من جميع مناطق المملكة تقدم من خلال لوحات استعراضية تمثل تراث الوطن وتنقله بصورة حية للأجيال، كما يشهد البرنامج النسائي عددا من العروض التراثية كالحرف التي ما زالت تمثل صورة مشرفة للمرأة المعطاء، كما يقدم المهرجان أنشطة للطفل من خلال ركن الطفل والألعاب الشعبية التي يقف من خلالها على تاريخ آبائه وأجداده ونماذج لبعض الألعاب قديما ، إلى جانب عددٍ من الأركان التي تحتفل بتراث المملكة وتقدم نبذة عن الحياة قديما من خلال الحرف وطرق المعيشة والأزياء والأكلات الشعبية الأصيلة، وتشارك عدد من المناطق في هذه العروض، منها: مكة، المدينة، القصيم، عسير، الشرقية، الجوف، والباحة. ولا يمكن الحديث عن الجنادرية دون التطرق للفعاليات الفنية " الأوبريت " الذي لازم المهرجان ، محققا تطورا ملحوظا ، ونكهة خاصة ، لاسيما وأنه من أول الأنشطة الثقافية التي تجري في يوم الافتتاح ، وكانت الجنادرية في عامها الرابع عشر مع حدث استثنائي ومناسبة عزيزة على كل مواطن وهى الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية على يد جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود (رحمه الله). وكان الأوبريت يحمل عنوان " فارس التوحيد " وهو ملحمة شعرية غنائية وحدث فني استثنائي تجسد ملحمة الجهاد والتوحيد والبناء في عرض درامي مثير تكامل فيه الإبداع الشعري والتقنية المتعددة في الإخراج والإبهار. وكان هذا العمل الفني الكبير عبارة عن مسرحية شعرية غنائية استعراضية صاغها كلماتها صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن و لحنها الفنان محمد عبده ، وأداها كل من طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وعبد المجيد عبدالله. ونفذ في الجنادرية عشرون أوبريتا فنيا وكانت بداية الفعاليات الفنية في جنادرية 6 بعنوان " مولد أمه " في عام 1410ه ، واستمر النشاط الفني مطردا ومطورا كل عام ، ومواكبا للأحداث التي تمر بها المملكة أو المناسبات التي تحتفل بها ومنذ ذلك على سبيل الحصر أوبريت وقفة حق ، وأرض الرسالات والبطولات ، والتوحيد ، ودولة ورجال ، وعرايس المملكة ، وكفاح أجيال ، وكتاب مجد بلادنا ، وملحمة فارس التوحيد ، وأمجاد الموحد ، وخليج الخير ، وأنشودة العروبة ، وخيول الفجر ، وعرين الأسد ، ووطن المجد ، ووفاء وبيعة ، وأرض المحبة والسلام ، وعهد الخير ، ووطن الشموس ، وأنت الوطن. يأتي ذلك إلى جانب الأوبريت الفني لجنادرية 26 في هذا العام 1432ه تحت عنوان " فرحة وطن" وهو من كلمات الشاعر عبد الله الشريف وألحان الفنان صالح الشهري والفنان رابح صقر ، وأداء الفنانين: محمد عبده , عبد المجيد عبد الله , رابح صقر , راشد الماجد , عباس ابراهيم ، وهو من إخراج فطيس بقنة. ويتكون الأوبريت من عشر لوحات غنائية استعراضية تقدم في مدة " 40 " دقيقة, وتشارك به فرق شعبية من كافة مناطق المملكة يصل عددها ل 650 شخص ، ويتحدث العمل عن فرحة أبناء الوطن بعودة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - لوطنه وشعبه سالماً معافى, مصوراً المحبة والتلاحم بين القيادة والشعب, كما يستعرض مكتسبات ومقدرات المملكة وماتعيشه من نهضة وماتنعم به من أسباب الأمن والاستقرار والرخاء. وعند ذكر الجنادرية أول ما يتبادر إلى الذهن سباق الهجن الذي يُعد من أبرز علامات نجاح المهرجان ، وللإشارة فقد كانت بداية المهرجان الوطني تقتصر على سباقات للهجن التي كانت تجري بشكل دوري وتوزع الجوائز على الفائزين فيها، تشجيعاً لهذه الرياضة العربية العريقة وحفاظاً على التراث. وزاد الاهتمام بهذا السباق الرياضي بمدلولاته التراثية ليتحول إلى فعالية أكبر ونشاط أوسع يخدم الثقافة والتراث فكان القرار التاريخي بإطلاق مهرجان الجنادرية، لتقدم فيه العروض الفنية والثقافية والتراثي والفكرية بهدف تعريف الجيل الجديد بماضي وأمجاد الآباء والأجداد وإحياء الموروث الشعبي والانطلاق لبناء المستقبل بثقة استناداً على تراث عريق. في سياق متصل وضمن الفعاليات الملازمة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة " العرضة السعودية " التي تمثل أحد أهم نشاطات المهرجان ، التي تعبر عن وحدة الوطن واتحاد الشعب والقيادة وتمثل تجسيداً لعزة الأمة وقوتها وتماسكها ، ويرعاها خادم الحرمين الشريفين. العرضة السعودية التي تستهل ب (نحمد الله جت على ما نتمنى.. من ولي العرش جزل الوهايب) ويردد السعوديون جماعياً مغنىً ومطعم بأصوات الطبول ولمعان السيوف ، تعد أشبه بالرقصة الرسمية للبلاد الحاضرة الدائمة في كل المناسبات، التي يشارك الملك والأمراء المواطنين فيها، على أصوات الطبول، ويجدون فيها تعبيراً عن الفرح والسلام، وأيضاً هي أشبه بتجديد الولاء للملك لأنها كانت رقصة الحرب في زمن الحروب. من جهة أخرى نالت " الجنادرية " بعد مسيرة دامت أكثر من خمسة عشر سنة ترحيبا جماهيريا كبيرا حيث سجلت الأرقام التي رصدها الحرس الوطني آن ذاك متوسط مليون زائر في كل عام ، يرتشوف خلال أسبوعين كل المعاني الخالدة التي حفظتها ذاكرة المملكة خلال مراحها التأسيسية ، ويرِدون إلى منابع التراث الذي خلدته ذاكرة الأجداد ورسومات الأطلال التي تجسد بصورها الحية في الجنادرية. ولم تصل الجنادرية الى عامها العشرين إلا وقد شاركت أغلب الدوائر الحكومية فيها المحلية والخليجية وقد بلغ عدد الجهات الحكومية المشاركة بالمهرجان أكثر من 50 جهة والعديد من المشاركات من دول مجلس التعاون الخليجي ، كما بلغ عدد الحرف اليدوية المعروضة في قرية الجنادرية 237 حرفه يدوية ، بالإضافة إلى عروض الورد والعود والمأكولات الشعبية. ولما كان القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أساسا التشريع الإسلامي وصلب الحكم في المملكة ، كان لابد من حضورهما ضمن الفعاليات المقامة ، فأقيم في عام 1426 ه مسابقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لحفظ القران الكريم والسنة النبوية للطلاب والطالبات في إطار الفعاليات الثقافية بمشاركة 2000 طالب وطالبة من المدارس بالمملكة بهدف ربط النشء بكتاب الله الكريم وإيجاد روح التنافس على حفظه وتلاوته وشهدت المسابقة تطورا نوعيا من حيث المسمى والمضمون إذ أضيف إليها فرع السنة النبوية. وهانحن اليوم ندلف إلى العام السادس والعشرين في مسيرة لم تخلوا من الإبداع والإنجاز من خلال برامج ثقافية وفكرية واجتماعية واقتصادية وغيرها ، ودوران عجلة التطور في الجنادرية حتى أصبح لكل منطقة نقطة تمثلها تاريخيا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا داخل قرية متكاملة للتراث. 3