كشفت مجموعة من وثائق «ويكيليكس» بعثت بها السفارة الأميركية في تل أبيب إلى الخارجية الأميركية، وتناولتها الصحف العبرية أمس بالعرض والتحليل، انتقادات إسرائيلية للرئيس الفلسطيني محمود عباس تتضمن اتهامه بالضعف و»تجهم الوجه»، بينما اقترح وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان أن يحل محمد رشيد، مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات، محل أبو مازن. وعززت الوثائق الاعتقاد السائد أن إسرائيل تري في الملف النووي الإيراني أكبر تهديد لها، كاشفة أيضاً عن أن الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي «موساد» مئير داغان حذر قبل 4 سنوات خلال لقاء مع مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق نيكولاس بيرنز من «عدم استقرار الأنظمة العربية» في مصر والأردن وسورية ولبنان. كما كشفت الوثائق أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية توقعت المواجهات التي حصلت بين «فتح» و «حماس» في غزة بعد انتخابات عام 2006، قائلة في حينه أن إسرائيل «ستسعد» في حال سيطرت «حماس» على الحكم في غزة، لأن ذلك سيمكنها من التعامل مع غزة «كدولة معادية». وتشير عشرات الوثائق التي كشفت أمس، من مجموع 6 آلاف وثيقة لدى موقع «ويكيليكس» تتعلق بإسرائيل، إلى أن الملف الأول الذي يؤرق قادة إسرائيل في السنوات الأخيرة هو الملف النووي الإيراني، يليه التهديد من سورية ثم «حزب الله»، وجاءت «حماس» في المرتبة الرابعة على لائحة التهديدات. وبحسب وثائق «ويكيليكس»، فانه في لقاء جمع الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي «موساد» مئير داغان بمساعد وزير الخارجية الأميركية السابق نيكولاس بيرنز قبل أربع سنوات، حذر الأول من «عدم استقرار الأنظمة العربية» في مصر والأردن وسورية ولبنان. وأتهم إيران وسورية بالعمل على إسقاط الحكومة اللبنانية، وأوصى الولاياتالمتحدة بتوخي الحذر في كل ما يتعلق بالمساعدات الأميركية لحكومة فؤاد السنيورة. كما أشار داغان إلى زيادة نفوذ القوى الإسلامية في تركيا، وأوضح أن السؤال الآن هو «كم من الوقت يمكن للجيش التركي، الذي يرى في نفسه حامي العلمانية في الدولة، أن يضبط نفسه أمام زيادة قوى الإسلاميين». ووفقاً للوثائق فقد اتهم ضباط إسرائيليون الحكومة التركية بخرق العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على إيران وطلبوا من نظرائهم الأميركيين التدخل للضغط على تركيا. -الملف الإيراني: أما في ما يتعلق بالملف الإيراني، فقد أبلغ داغان الأميركيين عام 2005 أن العقوبات الاقتصادية الأوروبية على إيران تحقق نتائجها وأنها أخّرت لبعض الوقت العمل في المشروع النووي الإيراني، وهذا دليل، برأيه على حساسية طهران للضغوط وضرورة مواصلتها. كما سلم داغان الأميركيين قائمة بأسماء المصارف الإيرانية التي تموّل مشتريات إيران من الخارج، طالباً من الأميركيين التحرك ضد هذه المصارف. من جهتها استجابت الولاياتالمتحدة ومارست ضغوطها على جهات في دول الخليج وألمانيا لمقاطعة هذه المصارف. - إسرائيل وسورية: وعن سورية، أوضحت وثائق «ويكيليكس» انه في عام 2007 تناول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في السنوات الخمس الأخيرة عاموس يادلين، مع السفير الأميركي السابق في تل أبيب جيمس جونز احتمالات نشوب حرب بين إسرائيل وسورية، قائلاً إن تقديرات الاستخبارات العسكرية تقول إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد «لن يصمد» في حرب مع إسرائيل. كما قال مسؤول كبير في «موساد» أنه في حال نشوب حرب جديدة بين إسرائيل و «حزب الله» فإنها «ستكون أشد إيلاماً» إذ سيحاول الحزب إغراق إسرائيل ب 400-600 صاروخ يومياً منها مئة على منطقة تل أبيب. - إسرائيل وحماس: بحسب يادلين فإن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية توقعت المواجهات التي حصلت بين «فتح» و «حماس» في غزة بعد انتخابات عام 2006، قائلاً في حينه أن إسرائيل «ستسعد في حال سيطرت حماس على الحكم في غزة، لأنه عندها يمكن للجيش الإسرائيلي أن يتعامل مع قطاع غزة كدولة معادية». بينما كشفت وثائق «ويكيليكس» عن أن قائد المنطقة الجنوبية السابق يوآف غالنت قال أنه سيكون في وسع إسرائيل «تقوية» حماس أو «إضعافها» بحسب ما تريد من دون الحاجة لإعادة احتلال غزة. - ليبرمان ومحمد رشيد: وتتطرقت الوثائق الأميركية إلى زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وتشير في غالبيتها إلى أن ليبرمان، على رغم تصريحاته العنترية على الملأ إلا أنه يتمسك بمواقف براغماتية، فهو لا يعارض دولة فلسطينية شرط أن يضمن الاتفاق أن تكون إسرائيل دولة يهودية في حدود آمنة. وتذكر إحدى الوثائق أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لا يفضل تعاطي ليبرمان مع القضايا الجوهرية مثل العلاقات مع الولاياتالمتحدة والمفاوضات مع الفلسطينيين، ويفضل رئيس الوزراء استشارة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ووزير الدفاع ايهود باراك. وفي وثيقة أخرى يصف ليبرمان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «أبو مازن» ب «الضعيف... وليس ذا صفة». واقترح ليبرمان في لقائه السفير الأميركي السابق جونز أواخر عام 2006 أن تتعاون إسرائيل والولاياتالمتحدة على إيجاد شريك ملائم أكثر لقيادة السلطة الفلسطينية بدلاً من عباس واقترح اسم محمد رشيد، مستشار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وأشارت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إلى أن رشيد يرتبط بعلاقات اقتصادية وثيقة مع المليونير اليهودي النمسوي مارتين شلاف صديق ليبرمان. من جهته اشتكى نتانياهو، في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2009، في لقاء جمعه بأعضاء من الكونغرس الأميركي، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قائلاً إن أبو مازن «يعرف فقط التجهم والعبوس ولا يعرف أن العبوس سياسة ليست جيدة». - قناة «الجزيرة» ستتسبب في حرب: ووفقاً للوثائق فإنه في عام 2007 التقى داغان مع مساعد رئيس الوكالة الأميركية للأمن الداخلي والحرب على الإرهاب ليعرب له عن تشاؤمه حيال عملية السلام مع الفلسطينيين قائلاً: «إننا لن نحصل منهم على شيء، وثمة حاجة لمقاربة جديدة. منذ عام 1994 استثمرت الولاياتالمتحدة في السلطة الفلسطينية ستة بلايين دولار، ولم تنجز هذه الدولارات شيئاً سوى إضافة أسماء جديدة لقائمة 500 أغنياء العالم». وحذر داغان من قناة «الجزيرة» القطرية بالقول إن «قطر تشكل مشكلة، والشيخ حمد يغضب الجميع»، مضيفاً بابتسامة أن «الجزيرة» ستكون السبب في الحرب المقبلة في الشرق الأوسط». - العرب في إسرائيل: وفي لقاء بين رئيس جهاز الاستخبارات العامة (شاباك) يوفال ديسكين والسفير الأميركي السابق جونز اتهم الأول قادة عرب إسرائيل بالتطرف و «استغلال الحقوق الممنوحة لهم أكثر من اللزوم... ومحاولة صبغ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بصبغة قومية، لكن لحسن الحظ فإن هذا الموقف لم يتغلغل في أوساط العرب المنهمكين في قضاياهم اليومية». وبحسب ديسكين فإنه نصح الحكومة مراراً ب «ربط» المواطنين العرب بالدولة «وهذه مهمة معقدة وتستوجب من العرب التغلب على أزمة الهوية والإخلاص. غالبيتهم تريد العيش في إسرائيل لكن المشكلة ناجمة أساساً في أنهم يرون أنفسهم عرباً وأحياناً مسلمين لكن ليس مواطني الدولة» الإسرائيلية. وبحسب ديسكين فإن زواج عرب 48 بفلسطينيين من الضفة الغربية ولم شمل عائلاتهم «تسبب في مزيد من التطرف لدى العرب». وتناول ديسكين النواب العرب في الكنيست ليقول إن إحدى المشكلات الرئيسة التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية تتمثل في الزيارات التي يقومون بها إلى «دول معادية... ويستغلون حصانتهم البرلمانية... ففي زياراتهم لسورية يجرون اتصالات مع منظمات مثل حزب الله. وبدلاً من أن يبثوا القيم الديموقراطية الإسرائيلية يلتقون أشخاصاً مثل الأسد». ووجه ديسكين انتقاداً إلى الشرطة الإسرائيلية على عجزها عن منع الدكتور عزمي بشارة من مغادرة إسرائيل ويقول متهكماً: «سنرحب بعودة بشارة إلى البلاد ... وأعتقد أنه سيقبع في السجن الإسرائيلي لسنوات كثيرة في حال عودته»، مضيفاً أن الشرطة الإسرائيلية فشلت في مراقبتها الاتصالات بين نواب عرب وما أسماه ب «جهات إرهابية». وبحسب إحدى الوثائق، فقد فوجئ ديسكين خلال اجتماعه مع جونز باقتراح تقديم منح تعليمية لطلاب من عرب 48 للدراسة في الخارج. واقترح جونز على ديسكين أن توزع السفارة منحاً كهذه ل «عرب إسرائيليين يوصي بهم الشاباك».