كلما تحدثتُ مع أحد من الأصدقاء السوريين، وجدته محبطاً يصب جام غضبه على الخطاب الأخير للرئيس بشار الأسد. كانت الملاحظات والانتقادات كثيرة على الخطاب، لكن غالبيتها ترتكز على اعتماده على شعارات قديمة، ولغة فضفاضة، ومحاولته تجاوز مطالب المحتجين الباحثين عن الحقوق والحرية والكرامة. لقد حمل خطاب الأسد كبرياءً وسخرية لا داعي لها، وألبس المطالب الشعبية عباءة «المؤامرة» التي تطارد الشعب السوري منذ خمسين عاماً، كأن الشعب مكتوب على جبين كل شخص فيه «الحقوق ممنوعة» طالما هناك «مؤامرة». فبدلاً من البدء في تنفيذ الإصلاحات، ورفع حال الطوارئ، لا تزال الوعود «عرقوباً» يستخدمه النظام، بعيداً عن الشفافية والعدالة الاجتماعية. لقد أصيب الشعب السوري بإحباط، بعد انتظاره لأيام خطاباً جاء ممانعاً وفضفاضاً، خصوصاً أن مستشارة الرئيس بثينة شعبان ألمحت في تصريحات صحافية إلى توجه البلاد نحو إلغاء قانون الطوارئ، والسماح بالتعددية الحزبية، وإطلاق الحريات الإعلامية، وهي جزء من مطالب المحتجين التي لن يتراجعوا عنها، بل ستزيد. لقد توقّع الشعب أن يكون خطاب رئيسه بمثابة إعلان عن تدشين مرحلة جديدة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ الحقوق بالقانون لا تكرار لغة المقاومة والمؤامرة. لم يتغيّر خطاب الأسد عن سابقاته، فقد عزف على أوتار المقاومة التي تستضيفها بلاده، ونظرية المؤامرة الخارجية من دول قريبة وبعيدة، لتفجير فتنة طائفية عبر أذيالها في الداخل، بما يعني شرعنة منطق «المندسين» التي يستخدمها، واستخدمها قبله الحكام «المحشورون» أو «المزنوقون»! لا أعرف لماذا لا يكل ولا يمل مثل هؤلاء الرؤساء من تعليق أخطاء حكوماتهم على شماعة المؤامرة؟ ولم أفهم بعد ما علاقة الإصلاحات الداخلية التي تطالب بها الشعوب بالمواقف من القضايا السياسية الموجهة للخارج؟ هناك حجج عفا عليها الزمن، وأكل عليها الدهر وشرب، فالدول العربية أنظمتها تحت الضغط الداخلي قبل الخارجي، ومواقف الدول الغربية والقوى الأجنبية ليست جديدة على الأنظمة الحاكمة في المنطقة. ليعلم الأسد أن «تسونامي» التغيير الذي يجتاح المنطقة لن يتجاوز بلاده بسهولة يتمناها، عبر تسويق مبررات وجود المقاومة، ونظرية المؤامرة والضغوط الخارجية، طالما ظل يرفض إجراء إصلاحات حقيقية، ولا يستمع للمطالب الشعبية ويتجاوب معها، وسيسمع هدير الجماهير وهي تهتف «الشعب يريد إسقاط النظام». لفت الأكاديمي السوري عامر العظم في مقالة عنوانها «14 سبباً تدعو لإسقاط نظام بشار الأسد» إلى أن «نظاماً لا يشعر بالخجل من استمرار أرضه المحتلة، ويتشدق بالمقاومة الحنجورية والتوازن الاستراتيجي لأربعين عاماً، نظام لا يستحق الاستمرار. ولا يمكن إعطاء مسكن لشخص مصاب بالسرطان كعلاج...، تابعنا الخطاب الذي أكد لكل صاحب بصيرة، أنه لا يمكن إصلاح النظام. فلا يتوقّع أحد أن بشار الأسد سيقبل إصلاحاً يطاوله، ويمنع التفرد بالسلطة والثروة. لم يوفق الأسد في خطابه، ولغة التهديد والوعيد والقبضات الأمنية لن تحمي أي نظام من الشباب الثائر، والدرس لا يزال حياً في مصر وتونس وليبيا». يعلم كثيرون أن سجون النظام السوري ممتلئة بمعتقلي الرأي والحرية، وحقوق الأكراد السوريين مهدرة، وحقوق المواطنة غائبة، والبطالة متفشية، وأجهزة القمع لها يد طائلة، والرئيس السوري يتجاهل كل ذلك، ويراهن على المقاومة ومواجهة المؤامرة، كأنه يريد أن يترك الشعب السوري حقوقه، ويضحّي من أجل حقوق الآخرين. أعتقد أن كلمة الرئيس السوري تقدم مبررات لتأجيج الاحتجاجات، وزيادة التوتر، وإجبار الشعب على الخروج للشارع، وزيادة سقف المطالب. يجب أن يتذكر الأسد أن لغة التهديد والوعيد، وتوزيع التهم على الشعب «مندسين» و«متآمرين»، و»عملاء» لم تمنع الشعب التونسي من الخروج للشارع، كما لم توقف الشعب المصري من الاستمرار في مطالبه المشروعة، ولن تمنع الشعب السوري من أن يتحوّل جميعه إلى «مندسين» يخرجون إلى الشوارع من المنازل والأزقة والمساجد والمدارس والجامعات، مطالبين بحقوقهم وتطلعاتهم وحريتهم، وهو ما بدأ بالفعل، من خلال الحملة التي انطلقت على الموقع الاجتماعي «فيسبوك»، الذي يدعو السوريين للخروج في «جمعة - الشهداء»، فهل سيعلن النظام السوري الحرب ضد شعبه؟