بعد أن تترك أصوات باعة الملابس والستائر ومفارش الأسِرة التي تختلط فيها اللهجة المصرية بالسورية في شارع الغورية في منطقة القاهرة الفاطمية، يقابلك حائط مسجد المؤيد الذي يحتله الباعة الجوالون بسلعهم التي تتنوع ما بين الأحذية والملابس الداخلية وأكواب الزجاج الرخيص. عندها يبدأ شارع الخيَّامية الذي يقع بين باب «النصر» وباب «زويلة»، حيث يوجد عدد من الورش يجلس فيها صبية ومعلمون يخيطون أقمشة ذات ألوان مبهجة، وتعلق على جدرانها لوحات من أقمشة كرنفالية تتنوع بين الرسوم الفرعونية والإسلامية والحديثة. في واحدة من تلك الورش، يعمل رجلان أحدهما أربعيني يجلس على باب الورشة يراقب حركة الشارع الصاخب، والآخر لا يتعدى الثلاثين، يبقى في الداخل ويغرز الإبرة بنشاط في قماش وردي. الثاني هو هاني محمود الذي ترك وظيفة مرموقة في مصرف واتجه إلى حرفة الآباء والأجداد التي كان يمارسها منذ أن كان صغيراً خلال الإجازات المدرسية. توجهنا إليه بالسؤال عن هذه الحرفة التراثية، فأجاب من دون أن يتوقف عن العمل. عن أسباب اختياره هذه الحرفة قال: «ورثتها عن أجدادي ونعمل فيها أنا وأخي (الجالس أمام الورشة) فهو الذي يرسم لي التصاميم وأنا أنفذها. تركت وظيفتي في المصرف مع أني لم أحصل عليها إلا بعد مسابقة تقدَّم لها مئات الشباب، لأواصل مشروع أبي وجدي والحفاظ على مهنتنا. جدي كان يرسم التطريزات اليدوية على الخيام، لكن مع تطور الزمن، صرنا ننفذ التصاميم المختلفة على المفارش واللوحات التي تستعمل كديكور في المنازل». وأضاف أن الحرفة مهددة بالانقراض، لأنها تحتاج إلى صبر طويل، حتى لإنجاز قطعة خيام طولُها متر. أتقن هاني محمود تلك الحرفة الصعبة منذ كان في الرابعة عشرة، وأدواته مجرد إبرة وخيط وقماش، لكنه يستطيع أن يصنع بها لوحة بديعة. وبسؤاله عن طريقة تنفيذ التصميم على القماش قال: «أستخدم قماش التول، لأنه سميك ثم أنفّذ تخريم الرسم وأضع بودرة مخصصة لطبع الرسم على القماش، ثم أقوم بعملية التطريز. وعن الرسوم التي يستخدمها أخوه في التصميم قال إن أخاه الذس درس في كلية الفنون التطبيقية يرسم تصاميمه مستخدماً رسوماً فرعونية وقبطية وإسلامية ورسوماً حديثة، «وإذا نظرتِ إلى اللوحات المعلقة هنا سترين التداخل بين الرسوم المختلفة التي تمثل الحضارة المصرية منذ الفراعنة حتى اليوم». وعن قطعة معلّقة تبرز فيها رسوم فرعونية، قال: «هذه اللوحة تقليد لبردية فرعونية تصور الحياة الطبيعة في مصر القديمة، وهي موجودة في المتحف المصري في القاهرة». وأضاف مشيراً إلى لوحة «الدرويش»: «هذه لوحة أصلية قد يصل سعرها إلى ثلاثة آلاف جنيه، ولكنّ هناك تقليداً لها. الذين يحبون هذا الفن لا يرونها غالية الثمن، ويستطيعون أن يفرقوا بين الأصلي والتقليد. السعر يحدَّد وفق التصميم الذي قد يكون بسيطاً، فيستغرق تنفيذه وقتاً قصيراً نسبياً، وبالتالي يكون سعره أقل مقارنة بتصميم معقَّد». ويقول هاني محمود إن السائح يقدر جيداً قيمة القطعة الفنية، «لكن مع ضعف حركة السياحة نعاني قلة البيع، ولولا المعارض التي نشارك فيها في أوروبا وأميركا وآسيا لكُنا أفلسنا. الصناعة اليدوية المصرية وبخاصة الخيامية لها زبونها في معارض دولية كثيرة، وهذا ما يجعلنا نتحمل قلة السياح. الزبون المصري يعاني مثلنا جميعاً وضعاً اقتصادياً مأزوماً». وفي جولة على جدران المحل، شرح محمود: «هذه لوحة الخط العربي، وتلك لوحة الدرويش، وهذه لوحة الطيور الفرعونية، وتلك لوحة «لسانك حصانك» وهي مِن تصميم مأخوذ من كتاب تراثي حول فنون الخط العربي. نحن نترجم القصص والحكايات التراثية إلى لوحات».