بعد مقتل أكثر من 100 مسلم بريء في سورية، في أثناء التظاهرات السلمية، واعتصام بعضهم في بيوت الله، طلباً للأمان، خرج علينا مفتي سورية أحمد حسون، بابتسامته الصفراء ، ليمجّد النظام السوري، ويؤلّه الحاكم. وغرّد مثلما يغرّد طير الحسون السوري. وحين سئل عن حكم قتل هؤلاء المتظاهرين المسالمين الآمنين في المساجد، أجابهم بأن من حق سورية أن تدافع عن وجودها، نظراً لما يحاك ضدها من مؤامرات؛ فكرر مثل غيره الأسطوانة المشروخة. الحقيقة أنه ليس من المستغرب أن تصدر هذه الفتيا من أجير عند نظام جائر، عرض في إعلامه مسرحية هزلية قديمة عن اكتشاف أسلحة وأموال أثناء اقتحام زبانيته القتلة جامع العمري. ولا أعتقد أن أمثال هؤلاء يحسبون حساباً للقاء ربهم يوم القيامة، ولكن حين يسقط النظام السوري، بإذن الله، سيسقط معه القتلة والذين أفتوا بالقتل، في مزبلة التاريخ. إن قتل الإنسان عمداً، من دون وجه حق، حرّمتها الشرائع السماوية كافة. وحرّمتها تعاليم الإسلام. وقتل النفس المؤمنة من أعظم الذنوب عند الله، عز وجل، بعد الشرك. قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ). وعدّ تعالى قتل نفس واحدة مثل قتل الناس جميعاً، بقوله: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). ووعد تعالى القاتل بقوله: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا). بل إن الشرع حرّم أيضاً قتل المسلم في حال الحرب، حتى وإن تترس به كافر. فقتل النفس لا يجوز بأي حال من الأحوال، وبأي ظرف من الظروف، فبأي حق يفتي مثل هؤلاء لرجال المخابرات السورية قتل الأنفس البريئة المسالمة، التي لم تكن تحمل حتى حجراً بيدها؟ بل إن أحدهم قُتل من الخلف، وهو يصلي في المسجد. جاء (في مسند أحمد) عن مرثد بن عبدالله قال: «سئل رسول الله، صلى الله عليه و سلم، عن القاتل والآمر، قال: قسّمت النار سبعين جزءاً، فللآمر تسع وستون، وللقاتل جزء وحسبه». أي أن إثم الذي أعطى الأمر بالقتل في سورية أعظم من إثم القاتل بيده، والذي أعطى الأوامر بالقتل في نار جهنم خالداً مخلداً فيها، والمجند الذي قتل بيده، لن يشفع له قوله: إنه كان يطيع أوامر أسياده، وجزاؤه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها. كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يتبرأ من القاتل بغير حق حتى في أثناء الغزوات. وقصته، صلى الله عليه وسلم، مشهورة حين قتل أحد أصحابه مشركاً بعد نطقه بالشهادة. إذ قال له: «أيما مؤمن أمن مؤمناً على دمه فقتله فأنا من القاتل بريء». ويوم قتل خالد بن الوليد أسراه من بني جُذيمة بن عامر، شقّ ذلك على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأرسل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بمال فَوديَ به قتلاهم؛ ثم رجع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: أصبت وأحسنت، ثم قام فاستقبل القبلة وشهر يديه حتى إنه ليُرى ما تحت منكبيه، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد (ثلاث مرات). الشيخ سعيد رمضان البوطي ينحدر من أصل كردي، ولد في قرية جيلكا التابعة لجزيرة بوطان، الواقعة في شمال الحدود العراقية التركية. ثم هاجر مع والده ملا رمضان إلى دمشق عام 1933، وفي زمن حافظ الأسد أراد سعيد البوطي تسلق سلم الشهرة، فتقرب من الأسد الأب، وأصبح المستشار الديني له وبقي تابعاً ومرافقاً لابنه بشار في كل مناسبة دينية تقام في سورية. في قصره الفخم في مدينة دمشق جلس البوطي، ليبرر مقتل هؤلاء الشهداء الذين قضوا في مجزرة درعا وغيرها، على كرسي من خشب الأبنوس، والمطعّم بأغلى أنواع الفسيفساء والصدف الدمشقي، الذي تبلغ كلفته ما لا يقل عن 100 ألف ليرة سورية، أي أن سعر الطقم الواحد في المجلس الذي عرضته عدسة الكاميرا تبلغ سعر بيت في دمشق. جلس ليقول: «وربما قضى الحاكم الأعلى في هذه الأحوال بأقضية، لو عُرضت على القانون وظروفه الطبيعية، لاعتبرت غاية في الوحشية والهمجية والإجرام، ولكنها بالنسبة لظروفها الخاصة، وبالنسبة لما تستظل به من عبارة (الأحكام العرفية) تعتبر علاجاً طبيعياً صحيحاً، لا يعقَّب عليه بأيّ استنكار أو نقد». كان الأولى للكردي البوطي الدفاع عن حقوق الأكراد في سورية، وكان من الواجب عليه، قبل أن يتهم الوهابية في المملكة العربية السعودية بأنهم صنيعة إسرائيل وعملاء لها في محاضرته التي نقلتها وسائل الإعلام السورية كافة عام 2008، أن يفضح علاقة أسياده وحكامه السرية بإسرائيل، التي كانت سبب بقائهم إلى الآن. أما بالنسبة للداعيات الإسلاميات السوريات، اللاتي يُطلق عليهن «القبيسيات»، فقد لاحظ الناس، من خلال العرض التمثيلي الدرامي، الذي يجيده معظم الفنانين السوريين، أن المرأة التي عرضها التلفزيون السوري وهي تدعو للأسد وتبكي، كانت تطلب من النساء اللاتي يجلسن خلفها أن يؤمنّ على دعائها، لاحظوا أن النساء القبيسيات لم يستجبن لطلبها، وكنّ ينظرن إليها باشمئزاز، وهذا دليل واضح على فشل تجنيد النظام السوري للفئة المسلمة المتدينة بحق إلى صفه. إن مثل تلك الفتاوى التي تبيح هدر دماء المسلمين الأبرياء لا تؤدي إلا إلى مزيد من الفتنة، ومزيد من القتل، وتعدّ من إرهاصات وعلامات الساعة. ففي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لَيَأْتِيَنَّ على الناس زمان لا يدري القاتل في أَي شيء قَتَل، ولا يدري المقتول على أَي شيء قُتِل». * باحث في الشؤون الإسلامية.