حذر الشيخ تركي العبدالكريم إمام وخطيب جامع عبدالعزيز الرشيد بالرياض من جريمة القتل وقال ان حفظ النفوس من الضروريات التي اتفقت الشرائع على رعايتها وقال الشيخ عبدالكريم: إن الله سبحانه وتعالى جعل قتل النفس الواحدة تعدل جريمة قتل الناس جميعاً وأضاف: ان أعظم شيء ان تسول للشخص نفسه فيقدم على انهاء حياته وينتحر ويقول: كرّم الله تعالى بني آدم، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، فضَّلهم تعالى وشرفهم، وأحاطهم وأولاهم بأنواع من التبجيل والتكريم، وشرع لهم من الشرائع والأحكام ما يكفل لهم حياة طيبة وسعادة دائمة في الدنيا والآخرة {من عمل صلحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (النحل: 97). ولقد جاءت شريعة الإسلام المباركة فيما جاءت به من تشريعات وأحكام بما يحقق الأمن والاطمئنان لبني الإنسان في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، واتفقت الشرائع السماوية على حفظ الضروريات للحياة الإنسانية، ووجوب رعايتها، والعناية بها. وإن في طليعة هذه الضروريات التي اتفقت الشرائع على رعايتها حفظ النفس الإنسانية، والعناية بسلامة الأرواح البشرية عن كل بغي وعدوان قد يلحق بها ضرراً، أو يودي بها إلى التلف والهلاك، إلاّ ان تستوجب ذلك حين تتجاوز سنن الله المشروعة، وأحكامه المفروضة، فعندئذ ترتفع عنها الحصانة الشرعية، والحرمة الربانية، وتستحق حينئذ ان تعاقب على قدر جنايتها، وان تجازى بمثل صنيعها، جزاء ما اقترفت، ومؤاخذة بما فعلت وما ربك بظلام للعبيد، يقول عز وجل في النهي عن قتل النفس بغير حق: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} (الأنعام: (151)، إنه الحق الذي شرعه الله تعالى، وأوضحه رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه عند البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله إلاّ بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة»، أما ما سوى هذا الحق المشروع في ازهاق الروح الإنسانية فقد حرمه الإسلام أعظم تحريم، ونهى عنه النهي الشديد، وعد ازهاق روح المعصوم مسلماً كان أو غير مسلم عمداً وقصداً، جريمة من أعظم الجرائم، وكبيرة من أكبر الكبائر، وموبقة من أخطر الموبقات تلا الشرك بالله تعالى في الإثم والعقوبة، يدل على ذلك ما أخرجه الشيخان: أنه صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: ان تدعو لله نداً وهو خلقك. قال: ثم أي؟ قال: ثم ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك، قال: ثم أي؟ قال: ثم ان تزاني حليلة جارك، فأنزل الله عز وجل تصديقها في قوله سبحانه: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهاناً} (الفرقان: 69,68). وقال الشيخ العبدالكريم: لقد بلغ من تحريم الإسلام لهذه الجريمة النكراء ان الله تعالى جعل قتل النفس الواحدة تعدل جريمة قتل الناس جميعاً، وذلك لأن حق الحياة ثابت لكل نفس، فقتل واحدة من هذه النفوس يعتبر تعدياً على الحياة البشرية كلها، كما قال عز وجل: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} (المائدة: 32). وحينما بُعث صلى الله عليه وسلم كان القتل فاشياً في أهل الجاهلية، يزهقون الأرواح عدواناً وظلماً، وتثور بينهم الحروب الطاحنة التي يروح ضحيتها الكثير من النفوس البريئة عند أتفه الأسباب، فعمل صلى الله عليه وسلم على القضاء على ذلك، وأكد ما جاء في كتاب الله تعالى من النهي من القتل، والعدوان على النفس المعصومة مندداً صلى الله عليه وسلم غاية التنديد بمن يرتكب ذلك، مبيناً ما توعد الله تعالى به من أقدم على ازهاق روح المعصوم بغير حق من شديد العقاب، وسوء الحال والمال، فقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات - يعني المهلكات - ثم عد منها صلى الله عليه وسلم قتل النفس التي حرم الله إلاّ بالحق). رواه البخاري ومسلم. ولهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكبر الكبائر: الاشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور». وروى الترمذي والنسائي باسناد صحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)، قال الإمام ابن العربي رحمه الله تعليقاً علي هذا الحديث: (ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي؟ فكيف بالمسلم؟ فكيف بالتقي الصالح) ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً). رواه البخاري في صحيحه، وله أيضاً ان ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله). ولقد بلغ من تحذيره صلى الله عليه وسلم عن قتل النفس اعتباره ان الاعانة على ذلك ولو بأدنى اعانة مشاركة للقاتل في الجريمة، تستوجب لصاحبها المقت والطرد من رحمة الله ورضوانه، فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله). رواه ابن ماجة، والبيهقي بنحوه. وروى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو ان أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار). وأضاف يقول: أَبَعْدَ هذه الزواجر والقوارع من الشارع يفكر من له أدنى لب، أو فيه أضعف إيمان، في الاقدام على ازهاق روح امرئ معصوم بغير حق، غير عابئ بما يكون جراء ذلك من أضرار عظمى، ومفاسد كبرى، لا يعلم مداها إلاّ الله عز وجل. إنه لا يقدم على اقتراف هذه الجريمة النكراء، والفعلة الشنعاء، مهما كان الدافع لها والحامل عليها، إلاّ من تأصل الشر في نفسه، والعدوان في طبعه، واستولت عليه الغفلة، وانتُزعت من قلبه الرحمة، وانعدم ضميره، وتخلى عن بشريته، وأشبه السباع الضارية، والوحوش المفترسة، فحق عليه بذلك غضب الله ومقته، واستحق ان يوقع به أعظم عقوبة في الدنيا، بأن يقتل قصاصاً إن اختار الأولياء ذلك، عملاً بقوله عز وجل: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (المائدة: 45)، وما هذه العقوبة البليغة إلاّ مجازاة له بمثل صنيعه، ومؤاخذة له بجنس جريمته، جزاء وفاقاً، ولا يظلم ربك أحداً. أما العقوبة في الآخرة فإنها أعظم بأساً، وأشد تنكيلاً، أفصح عنها ربنا جل وعلا في معرض التحذير من اقتراف هذه الجريمة بقوله سبحانه: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} (النساء: 93)، وأما إن كان المقتول من غير أهل الإسلام ممن أُعطي العهد والأمان بحقن دمه، وحفظ حقوقه، فقد أبان صلى الله عليه وسلم عن عقوبة قاتله بقوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً). رواه البخاري وغيره. ألا وانَّ من أسوأ ذلك ضرراً، وأعظمه خطراً على المسلم ان تسول له نفسه الاقدام على انهاء حياته وازهاق روحه، حين يُمنى بالفشل فيما أَمِلَ وتمنَّى، أو حين يُبتلى بأنواع من المصائب والرزايا، فينفد منه الصبر، ويضعف عن التجلد عند الخطوب، فيرى ان الحياة قد ضاقت به ذرعاً، ويستولي عليه اليأس من روح الله، ويبلغ به القنوط من رحمة ربه منتهاه، فيقدم على ازهاق روحه، ليضع حداً لما يمر به، من شقاء، وما يكابد من عناء على حد زعمه، ويتجرع كأس المنية بيده، في أفظع تجربة يُمنى بها المرء حين يفقد إيمانه ورشده، ويحل عليه بذلك غضب الجبار وسخطه، وهو يظن أنه بهذا الانتحار يخلص إلى حياة لا يشوبها كدر، ولا ينغصها منغص، ولم يدر بخلده ان ذلك من أسباب شقائه، ودوام عذابه عياذاً بالله تعالى، فإن مقتضى العدل الالهي ان يعامل بنقيض قصده، وعلى عكس ظنه، حيث أعد الله له جزاء من جنس عمله، امعاناً في النكاية به، وامتداداً لتعذيبه لنفسه كما جاء في الحديث عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنة). أخرجاه في الصحيحين، ولهما أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)، والله عز وجل يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً} (النساء: 30,29).