بعد أيام من حشد القوات التركية آلياتٍ وجنودًا في ريفي إدلب وحلب الشماليين فيما بدا كاستعداد لعملية عسكرية ضد «وحدات حماية الشعب الكردية»، أعلنت أنقرة أن قوات الجيش ردت بإطلاق وابل من نيران المدفعية ودمرت أهدافاً ل «وحدات حماية الشعب الكردية» بعد أن أطلق عناصر هذه القوات النار على عناصر تدعمها تركيا في شمال سورية. وجاء هذا التصعيد العسكري في أعقاب إعلان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن واشنطن ستواصل تسليح «وحدات حماية الشعب الكردية» حتى بعد انتهاء معركة الرقة. وهناك خلافات متفاقمة بين واشنطنوأنقرة حول تسليح «وحدات حماية الشعب»، إذ تدعم أميركا «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تخوض معارك ضارية في الرقة لطرد «تنظيم داعش» في حين تتخوف تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، من تعزيز تسلح «وحدات حماية الشعب» الذي تعتبره امتداداً ل «حزب العمال الكردستاني» المحظور الذين يشن تمرداً في جنوب شرقي تركيا. وأكدت أنقرة مراراً أنها لن تسمح بوجود كيان سياسي مستقل لأكراد سورية على الحدود مع تركيا. وقالت أنقرة إن طائرات حربية تركية قصفت بشكل منفصل مسلحين أكراداً في شمال العراق أمس، مما أدى إلى مقتل سبعة عناصر من «حزب العمال الكردستاني»، وجاءت هذه الهجمات بعد أن حذر وزير الدفاع التركي فكري إيشيق من أن أنقرة سترد على أي تحركات تمثل تهديداً من «وحدات حماية الشعب الكردية». وقال الجيش التركي إن «وحدات حماية الشعب الكردية» استهدفت بنيران الأسلحة الآلية ليل الثلثاء عناصر ل «الجيش السوري الحر» المدعوم من تركيا في منطقة مرعناز جنوب بلدة أعزاز بشمال سورية. وقال البيان العسكري «استُخدمت مركبات الدعم الناري في المنطقة للرد بالمثل على النيران المعادية وتم تدمير أو تحييد الأهداف المحددة». وقالت محطة «خبر تورك» التركية إن دوي نيران المدفعية كان مسموعاً في بلدة كلس الحدودية التركية القريبة. ولم يتضح ما إذا كان تبادل إطلاق النار أسفر عن سقوط قتلى أو جرحى. وأفاد بيان الجيش التركي بأن طائرات حربية تركية دمرت صباح أمس مخابئ ل «حزب العمال الكردستاني» ومواقع مدافع خلال غارات جوية في منطقة «أفاشين-باسيان» بشمال العراق، ما أدى إلى قتل سبعة مسلحين كانوا يخططون لشن هجوم على مواقع حدودية تركية بحسب أنقرة. وأرسلت تركيا، التي تواجه اضطرابات عبر حدودها الجنوبية، قوات إلى سورية العام الماضي لدعم مقاتلي «الجيش السوري الحر» الذين يقاتلون «داعش» وقوات كردية تسيطر على شطر واسع من المنطقة الحدودية الشمالية السورية. وأكدت مصادر سورية كردية دخول عشرات الآليات العسكرية التركية إلى الأراضي السورية، من معبري باب الهوى وباب السلامة الحدوديين، في محافظتي إدلب وحلب خلال الأيام القليلة الماضية. وأدى قرار اتخذته الولاياتالمتحدة في حزيران (يونيو) بتسليح «وحدات حماية الشعب الكردية» في المعركة ضد «داعش» إلى إثارة غضب تركيا. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد الماضي إن الدول التي وعدت باستعادة الأسلحة من «وحدات حماية الشعب الكردية» فور هزيمة التنظيم «تحاول خداع تركيا»، مشدداً على أن تركيا لن تحجم عن القيام بعمل أشد صرامة ضد «وحدات حماية الشعب الكردية» في سورية إذا رأت ضرورة لذلك. وترك وزير الدفاع الأميركي ماتيس احتمال مساعدة «وحدات حماية الشعب الكردية» على المدى الطويل مفتوحاً، قائلاً إن الولاياتالمتحدة ربما تحتاج إلى تزويدها السلاح والعتاد حتى بعد السيطرة على الرقة. إلى ذلك، أفادت مصادر سورية متطابقة بأن مبعوث الولاياتالمتحدة الخاص في التحالف الدولي بريت ماكغورك، التقى ممثلين من «مجلس الرقة المدني» في ريف المحافظة أمس، ومن المقرر أن يلتقي مع عدد من قيادات «سورية الديموقراطية». وبحسب مصادر مطلعة، فقد جرت الزيارة في بلدة عين عيسى، التي تعتبر المقر الموقت للمجلس. وذكرت المصادر أن ماكغورك قال خلال اللقاء، إن تنفيذ تركيا أي هجوم على عفرين، أو منطقة أخرى شمال سورية، «سيكون بمثابة انقطاع آخر خيوط العلاقات الأميركية- التركية». وبثت مواقع تابعة ل «حزب الاتحاد الديموقراطي» السوري صور ومقاطع فيديو لزيارة ماكغورك الرقة. ويعتبر المبعوث الأميركي الشخصية النافذة في «التحالف الدولي». وقد زار المناطق الكردية مرارًا، آخرها مدينة كوباني (عين العرب) في ريف حلب الشرقي، في الشهر الفائت. وتُطالب تركيا بتغيير ماكغورك، متهمة إياه بدعم «حزب الاتحاد الديموقراطي». وأعلنت «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) رسميًا، تأسيس «مجلس الرقة المدني»، تحت شعار «أخوة الشعوب والتعايش ضمانة الأمة الديموقراطية»، منتصف نيسان (أبريل) الماضي. وقالت الرئيسة المشتركة لمجلس «سورية الديموقراطية»، إلهام أحمد، إن مجلس الرقة المدني أقر تشكيله بتوافق مع الولاياتالمتحدة الأميركية. وأوضحت أن المجلس «شُكّل دون أي توصية من (الإدارة الذاتية) المعلنة من حزب (الاتحاد الديموقراطي) الكردي». وانتخب مجلس الرقة، في اجتماعه التأسيسي، أحد شيوخ عشائر الرقة، محمود البرسان، إلى جانب ليلى مصطفى، كرئيسين مشتركين للمجلس، إلى جانب ثلاثة نواب لهما. وكان «الائتلاف السوري المعارض» قال الأسبوع الماضي إنه الجهة الوحيدة المخولة إدارة مدينة الرقة، بعد طرد «داعش» منها، محذرًا من أن أي حل آخر قد يمهد ل «حرب أهلية». وقال رئيس «الائتلاف» رياض سيف في ورشة عمل في مدينة إسطنبول، بخصوص «إدارة مدينة الرقة بعد تحريرها من تنظيم داعش»، إن «الائتلاف» هو «الجهة الوحيدة المخولة إدارة الرقة من الناحية الشرعية بناءً على تكليف عربي ودولي». ميدانياً، شهدت الرقة معارك عنيفة بين «سورية الديموقراطية» و «داعش» وصلت إلى حي النهضة وسط المدينة. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن عناصر «داعش» شنوا هجمات استهدفت «قوات سورية الديموقراطية» في محاولة لاستعادة مناطق فقدوا السيطرة عليها داخل الرقة. وأظهر فيديو حصلت عليه رويترز عناصر «سورية الديموقراطية» وهم يطلقون النار على أهداف تابعة ل «داعش». وقال عضو بارز في «سورية الديموقراطية» إن «داعش» شنت هجوماً مستخدمة دراجات نارية وسيارات ملغومة، لكن «التحالف الدولي» الذي تقوده الولاياتالمتحدة رد بتدمير القنابل وقتل عدد من عناصر التنظيم. وأوضح المرصد أن الاشتباكات مع «داعش» لا تزال مستمرة على عدة جبهات في الشطر الغربي من الرقة. وعلم «المرصد السوري» أن اشتباكات تدور بين «قسد» و «داعش» على محاور في مساكن حوض الفرات بشمال غرب حي النهضة، في محاولة من «قسد» لتحقيق مزيد من التقدم والتوغل نحو داخل مدينة الرقة. وتزامنت هذه الاشتباكات مع قتال بين الطرفين على محاور في أطراف حيي حطين والبريد. كما تواصلت الاشتباكات بين «قسد» وعناصر التنظيم على محاور في حي القادسية الذي سيطرت قوات عملية «غضب الفرات» على أكثر من نصفه، والواقع بالقسم الغربي من مدينة الرقة. وأفاد «المرصد» بأنه جرى تشييع 13 عنصراً من «قسد» التي تشكل «وحدات حماية الشعب الكردية» عمادها في مدينة عين العرب (كوباني) بريف حلب الشمالي الشرقي ممن قضوا في قصف وتفجيرات واشتباكات خلال ال48 ساعة الماضية. تزامناً، قصف «التحالف الدولي» مواقع ل «داعش» في الرقة.