لم تألُ السعودية جهداً في محاربة الإرهاب، الذي ضرب «أطنابه» في العالم حتى أصبحت تقض مضاجعه، ولأجل ذلك وضعت السعودية محاربة هذه «الآفة» الشريرة في أهم الأعمال التي تعمل عليها، والتي تؤكدها مرة تلو أخرى بأن ضررها عليها يتعدى المتضررين الآخرين. ويأتي إنشاء مركز «اعتدال» العالمي لمكافحة التطرف ثمرة للتعاون الدولي في مواجهة الفكر المتطرف المؤدي إلى الإرهاب، العدو الأول المشترك للعالم، إذ أسسه عدد من الدول اختارت الرياض مقراً له، ليكون مرجعاً رئيساً في مكافحة الفكر المتطرف من خلال رصده وتحليله؛ للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات لنشر وتعزيز ثقافة الاعتدال، إذ يقوم المركز على ركائز أساسية ثلاث، وهي مكافحة التطرّف بأحدث الطرق والوسائل، فكرياً وإعلامياً ورقمياً. ويطور المركز تقنيات مبتكرة، يمكنها رصد ومعالجة وتحليل الخطاب المتطرف بدقة عالية، إذ إن جميع مراحل معالجة البيانات وتحليلها تتم بشكل سريع لا يتجاوز ست ثوان من لحظة توافر البيانات أو التعليقات في إنترنت، بما يتيح مستويات غير مسبوقة في مكافحة الأنشطة المتطرفة في الفضاء الرقمي. وتُعتبر السعودية رائدة في مجال مكافحة الإرهاب، إذ أسهمت بفاعلية في اللقاءات الإقليمية والدولية، التي تبحث موضوع مكافحة الإرهاب وتجريم الأعمال الإرهابية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، التي تطبقها المملكة، واعتبارها ضمن جرائم الحرابة التي تخضع لأشد العقوبات، إلى جانب تعزيز وتطوير المملكة للأنظمة واللوائح ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإرهابية، وتحديث وتطوير أجهزة الأمن وجميع الأجهزة الأخرى المعنية بمكافحة الإرهاب. ووقفت المملكة موقفاً حازماً وصارماً ضد الإرهاب بكل أشكاله وصوره، على الصعيدين المحلي والدولي، إذ تصدت لأعمال العنف والإرهاب على المستويين المحلي والدولي، فحاربته محلياً وشجبته ودانته عالمياً. وأثبتت السعودية للعالم أجمع جدّية مطلقة في مواجهة العمليات الإرهابية، من خلال النجاحات الأمنية المتلاحقة للقضاء على الإرهاب، إلى جانب تجنيدها جميع أجهزتها لحماية المجتمع من خطر الإرهابيين والقضاء على أعداد كبيرة منهم في مختلف مناطق المملكة. وكانت المملكة أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي، في أيار (مايو) 2000، كما كانت سبّاقة في حض المجتمع الدولي على التصدي للإرهاب، ووقفت مع جميع الدول المحبة للسلام في محاربته والعمل على القضاء عليه واستئصاله من جذوره، ودعت المجتمع الدولي إلى تبني عمل شامل، في إطار الشرعية الدولية، يكفل القضاء على الإرهاب ويصون حياة الأبرياء ويحفظ للدول سيادتها وأمنها واستقرارها. وتوجت هذه المساعي باستضافة السعودية المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، بمدينة الرياض في شباط (فبراير) 2005، بمشاركة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية وأجنبية، إلى جانب عدد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية. وبعدما بات الإرهاب داء تداعى له كثير من الدول الإسلامية والصديقة وقضّ مضاجع أركانها وأرهب مواطنيها، أعلن ولي العهد (كان يومها ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء) وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان تشكيل تحالف إسلامي من 34 دولة لمحاربة الإرهاب، قائلاً: إن «تشكيله جاء حرصاً من العالم الإسلامي على محاربة هذا الداء، وكي يكون شريكاً للعالم كمجموعة دول في محاربة هذا الداء». وعلى مستوى المعالجة الأمنية، سطّر رجال الأمن في المملكة إنجازات أمنية كبيرة في التصدي لأعمال العنف والإرهاب، ونجحوا في توجيه الضربات الاستباقية وإفشال أكثر من 95 في المئة من العمليات الإرهابية، كما نجحوا في اختراق الدائرة الثانية لأصحاب الفكر الضال، وهم المتعاطفون والممولون للإرهاب، الذين لا يقلون خطورة عن منفذي العمليات الإرهابية، وألقوا القبض على كثير منهم. وفي ما يتعلّق بالمعالجة الوقائية، أطلقت المملكة مبادرات عدة للقضاء على الفكر المنحرف والأعمال الإرهابية، فنظمت بالتزامن مع المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب حملة التضامن الوطني لمكافحة الإرهاب في مختلف مناطق المملكة دامت أسبوعاً، شارك فيها جميع القطاعات التعليمية والأمنية، لزيادة الوعي العام في دعم التعاون بين أفراد المجتمع السعودي، بهدف التصدي للعمليات الإرهابية وتعزيز الانتماء إلى الوطن والدفاع عنه، ومكافحة الغلو والتطرف الذي ينبذه الدين الإسلامي. وأصدرت المملكة جملة من اللوائح، التي تنظم استخدام شبكة إنترنت والاشتراك فيها لمواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني، إضافة إلى تنظيم الجهات المعنية دورات تدريبية عدة في مجال مكافحة جرائم الحاسب الآلي لتنمية مهارات العاملين في هذا المجال. وعملت عبر أجهزتها الرسمية، على تجفيف منابع الإرهاب واجتثاث جذوره، من خلال إعادة تنظيم جمع التبرعات للأعمال الخيرية، التي من المحتمل أن تُستغل لغير الأعمال المشروعة، وأنشأت هيئة أهلية كبرى تتولى الإشراف على جميع الأعمال الإغاثية والخيرية، لتنظيم عمل تلك الهيئات وقطع الطريق على استخدام الهيئات الإنسانية لأعمال غير مشروعة. وفي ال16 من شباط (فبراير) 2013، عُقد المؤتمر الدولي المعني بتعاون الأممالمتحدة مع مراكز مكافحة الإرهاب، بمدينة الرياض، في حضور ومشاركة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة و49 دولة من العالم. وصادقت المملكة أيضاً على عدد من الاتفاقات الخاصة بمكافحة الإرهاب، كما صادقت على جملة من الاتفاقات الدولية ذات العلاقة، وانضمت إلى اتفاقات أخرى ومعاهدات إقليمية في مجال مكافحة الإرهاب، ووقعت اتفاقات أمنية ثنائية مع عدد من الدول العربية والإسلامية والصديقة تتضمن بنودها مكافحة الإرهاب والتعاون على التصدي له ومحاربته. ويبرز أيضاً ضمن جهود المملكة لمكافحة الإرهاب والتصدي له استضافتها بداية عام 1436ه أعمال الاجتماع الإقليمي في مدينة جدة، الذي خُصص لبحث موضوع الإرهاب في المنطقة. وأعلن المشاركون بعد الاجتماع التزامهم المشترك الوقوف بوجه التهديدات التي يجسدها الإرهاب بأشكاله كافة، للمنطقة والعالم، بما في ذلك تنظيم «داعش»، وإسهام كل دولة في الاستراتيجية الشاملة لمواجهة التنظيم المذكور.