تشكل دعوة البرلمان اللبناني حكومة «استعادة الثقة» إلى المثول أمامه في جلسة مناقشة عامة تعقد الخميس في 6 الجاري أول فرصة لمساءلتها عن تأخرها في إنجاز قانون انتخاب جديد تجري على أساسه الانتخابات النيابية، التي كانت مقررة في الربيع كما تعهدت الحكومة في بيانها الوزاري الذي نالت بموجبه ثقة المجلس النيابي، وجاء في هذا الخصوص بمثابة نسخة طبق الأصل للوعد الذي قطعه على نفسه رئيس الجمهورية ميشال عون في خطاب القسم أمام البرلمان. فجلسة المناقشة العامة هذه، وإن كانت تخلو من تلاوة الأوراق الواردة باعتبارها ليست تشريعية، فإن البيان الذي سيدلي به رئيس الحكومة سعد الحريري أمام النواب سيفتح الباب لاستحضار واقع الحال الناجم عن التأخر في إنجاز قانون الانتخاب، خصوصاً أنها أحجمت منذ تاريخ نيلها ثقة البرلمان عن إدراجه على جدول أعمال مجلس الوزراء وإحالته على لجنة رباعية تشكلت من «تيار المستقبل» و «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» وحركة «أمل»، وغرقت منذ اليوم الأول لولادتها في أكثر من مشروع انتخابي طرحه الوزير جبران باسيل الذي لم يأخذ لنفسه فرصة من التأمل لتبيان الأسباب التي كانت وراء تهاوي مشاريعه، على رغم أن النقاش في الجلسات الأخيرة للجنة تمحور حول آخر مشروع له يجمع، وعلى طريقته، بين النظامين النسبي والأكثري. لكن مشروع باسيل الأخير افتقد رؤية واضحة، بسبب عدم اعتماده وحدة المعايير في التقسيمات الإدارية، أكانت مشمولة بالنظام النسبي أو المختلط، وهذا ما شكل إرباكاً للأطراف الأعضاء في اللجنة، ودفع ممثل «حزب الله» فيها النائب علي فياض إلى وضع مجموعة من الملاحظات والتحفظات كانت أقرب إلى نسف المشروع من أساسه، ما أعاق إدخال تعديلات عليه. لذلك، فإن تقصير اللجنة الرباعية في إنجاز مسودة لقانون انتخاب جديد، سيوفر ذريعة للبحث عن بدائل، نظراً إلى تعذر وضع قانون يؤمن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها هذا الربيع بعد نفاد المفعول الزمني للتمديد الثاني للبرلمان. وفي هذا السياق، رأى مصدر نيابي بارز أن جلسة المناقشة العامة للحكومة، وإن كانت لا تجيز التقدم بمشاريع أو اقتراحات انتخابية باعتبارها ليست تشريعية، فإنها في المقابل ستسمح للنواب بالتركيز على عدم إنجاز قانون الانتخاب، تمهيداً لتبرير الأسباب الموجبة للتمديد التقني للبرلمان، لأن الفراغ في السلطة التشريعية سيقود حتماً إلى انهيار الدولة. ولفت المصدر ذاته إلى أن البرلمان، وبأكثرية الكتل النيابية فيه، سيتحضر لخوض معركة التمديد للبرلمان، مع أن هذه الكتل تعترف بأن مجرد هذا الطلب سيعني أنها قررت أن تتجرع الكأس المرّة التي يمكن أن تعرضها لحملات إعلامية وسياسية يتزعمها الحراك المدني، مع أنها تفضل أن تشرب لوحدها هذه الكأس، لئلا تضطر إلى تجرع كأس أكثر مرارة، في إشارة إلى إحداث فراغ في السلطة التشريعية. وأكد المصدر عينه أن الجميع يعي تداعيات خطورة التمديد للبرلمان، لكنه يدرك أيضاً أنه يبقى أقل سوءاً من إقحام البلد في فراغ يعيده إلى المربع الأول، لأن مثل هذا الفراغ سينسحب كأمر واقع على رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية في آن معاً. وكشف المصدر أن قول باسيل إن لا اعتراض على مشروعه من قبل اللجنة الرباعية وإن هناك ملاحظات تسلمها من «حزب الله» وحركة «أمل»، لا يمت بصلة إلى طبيعة المداولات التي حصلت في داخلها قبل أن تعلق اجتماعاتها وتستعيض عنها بلقاءات ثنائية وثلاثية. وأوضح أن باسيل لجأ في تعاطيه مع هذه الملاحظات من زاوية ديبلوماسية يعتمدها في وزارة الخارجية وأن حليفه «حزب الله» قرر أن يراعيه في هذا الشأن، على رغم أن الجميع ممن يواكبون ما توصلت إليه اجتماعات اللجنة يؤكدون أنه كان وراء نسف مشروعه من أساسه لاعتبارات تتعلق برفضه تحرير الصوت التفضيلي، كما يطالب الحزب، إضافة إلى إصراره على أن ينتخب المسلمون كما المسيحيون نوابهم في النظام الأكثري. ورأى أن باسيل قدم بعض «التنازلات» لحليفه، لكنها ليست كافية من وجهة نظر الأخير، وقال إن خلاف الحليفين على بعض البنود في مشروع وزير الخارجية لا ينفي تفاهمهما على رغبتهما المشتركة في حصولهما على الأكثرية النيابية في البرلمان الجديد. لكن المصدر لاحظ أن تناغم «حزب الله» و «التيار الوطني» في هذا الخصوص يواجه مشكلة من قبل الأول تتعلق بمقاومته أي قانون انتخاب يشتمّ منه أنه يؤمّن لحليفه في تحالفه مع حزب «القوات اللبنانية» الثلث الضامن أو المعطل في البرلمان. وبكلام آخر، يعتقد «حزب الله» أن خروجه من سورية يمكن أن يتم على دفعات، بذريعة أن النظام السوري نجح في أن يستعيد سيطرته على مناطق واسعة كانت خاضعة للمعارضة، على اختلاف انتماءاتها وميولها، ومنها تلك الإرهابية، وبالتالي لم يعد في حاجة على الإبقاء على هذا العدد الكبير من مقاتليه، وهذا ما يدفعه منذ الآن إلى التفكير في استخدام نفوذه في اللعبة الداخلية في لبنان، وتحديداً لجهة قطع الطريق على «القوات» من أن يتحول إلى رقم صعب في البرلمان، من خلال تمكنه بالتحالف مع «التيار الوطني» من حصد عدد من النواب المطلوب ليكون واحداً من أصحاب «الفيتو» لدى اتخاذ القرارات الكبرى. وعليه، فإن الأسباب الموجبة لتبرير التمديد التقني للبرلمان تكمن في أن تحقيق التلازم بين هذا التمديد وبين التوافق على قواعد عامة، يشكل الإطار الأساسي لقانون الانتخاب الجديد، على أن يصار في البرلمان إلى الاتفاق على الفترة الزمنية لهذا التأجيل، شرط أن يترافق مع ضرورة تقصيرها في حال تم التوصل إلى قانون جديد يستعجل اختصارها. واعتبر المصدر ذاته، أن وضع مثل هذه الصيغة يقطع الطريق على الطعن بالتمديد من قبل المجلس الدستوري، بذريعة أن هناك أكثر من مطالعة قانونية تمنع الفراغ في المرفق العام، فكيف إذا كان المقصود به البرلمان. وأكد أن لدعوة الرئيس نبيه بري إلى حسم التمديد للبرلمان في مهلة أقصاها قبل السابع عشر من الشهر الجاري جملة من الأسباب الموجبة، تتعلق بتفادي السقوط في الفراغ، في حال قرر رئيس الجمهورية رد التمديد، وبالتالي لا بد من التحكم بالمهل لقطع الطريق على عدم التأجيل التقني للانتخابات النيابية، فيما لم يغب عن بال المصدر النيابي احتمال لجوء «التيار الوطني» إلى ركوب موجة المزايدة الشعبوية، إضافة إلى التأجيل، على رغم أن موقفه هذا سيطلق العنان لإقحام البلد في أزمة سياسية كبرى، تبدأ مع «الثنائي الشيعي» في إصراره على تأمين استمرارية الموقع المتقدم للشيعة في السلطة. لماذا "التشويش" على مؤتمر بروكسيل؟ - فوجئ عدد من الديبلوماسيين الأوروبيين العاملين في بيروت، مع انتهاء التحضيرات لمؤتمر بروكسيل الذي يعقد بعد غد الأربعاء لبحث مشكلة النازحين السوريين، بتحرك لوزير الخارجية والمغتربين اللبنانيين جبران باسيل الموجود في أستراليا، ممثلاً بوزير التربية السابق الياس بوصعب وموظف كبير في الخارجية اللبنانية في اتجاه جهات أوروبية معنية بالتحضير لمؤتمر بروكسيل لتوضيح موقف الوزير من البند المتعلق بعودة النازحين السوريين إلى ديارهم، والذي سيتناوله رئيس الحكومة سعد الحريري في مداخلته السياسية أمام المدعوين الأوروبيين والأمميين إلى حضوره. وعلمت «الحياة» من مصادر لبنانية مواكبة التحضيرات التي أنجزت لهذا المؤتمر أن بوصعب الذي هو على تواصل مع باسيل أثناء وجوده في الولاياتالمتحدة الأميركية ومن ثم انتقاله إلى أستراليا، حاول أن يجري تعديلاً على البند الخاص بعودة النازحين الذي لقي تأييداً من أعضاء الوفد الوزاري المرافق لرئيس الحكومة. وكشفت المصادر أن الحريري سيركز في كلمته على ضرورة إيجاد حل سياسي للحرب الدائرة في سورية، شرط أن يقرره السوريون أنفسهم، لأن هذا الحل من شأنه أن يسهل عودة النازحين السوريين في لبنان إلى ديارهم، إضافة إلى أنه مع تأمين عودتهم خلال المرحلة الانتقالية، شرط أن تتوافر لهم الضمانات من قبل الأممالمتحدة التي يجب أن ترعى عودتهم إلى مناطق آمنة في سورية، خصوصاً أنه مع تطبيق المعايير المنصوص عنها في القانون الدولي في هذا الخصوص. لكن باسيل - وفق هذه المصادر - أراد أن يدخل على هذا النص صيغة ملتبسة تتيح اللعب عليها لتأمين عودتهم، طبعاً بالتنسيق مع النظام السوري، بذريعة أن هناك مناطق آمنة. لكن طلبه قوبل باعتراض، ما اضطره أخيراً إلى الطلب من موظف كبير في الخارجية الاتصال بسفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان كريستينا لاسن، لإبلاغها بوجهة نظره، لكن الأخيرة فوجئت بطلبه هذا، الذي يتعارض مع الصيغة التي ستكون في صلب خطاب الحريري والمتفق عليها محلياً وأوروبياً وأممياً. وهذا ما دفع إلى السؤال، ما الجدوى من التشويش على المؤتمر؟