لم يطرأ جديد على المشاورات الجارية للتوافق على قانون انتخاب جديد، باستثناء التعهد الذي قطعه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بطرح أفكار انتخابية جديدة باشر باستمزاج رأي «تيار المستقبل» و «حزب الله» وحركة «أمل» في أبرز ما تضمنته من خلطة تجمع بين النظامين النسبي والأكثري، على أن يعرضها لاحقاً على حليفه حزب «القوات اللبنانية» وعلى «اللقاء النيابي الديموقراطي»، مع أن هناك صعوبة في تسويقها في الوقت الحاضر، ما يعني أن الانتخابات النيابية لن تجرى في موعدها المقرر في الربيع المقبل، وبات تأجيلها حتمياً، هذا في حال تم التفاهم على قانون جديد يبرر تأجيلها لأسباب تقنية. وعلمت «الحياة» أن باسيل يعتبر، من وجهة نظر زملائه في اللجنة الرباعية التي تطوعت لإنتاج قانون انتخاب جديد، أنه الوحيد الذي يبادر من حين إلى آخر لطرح أفكار جديدة كلما واجه صعوبة في تسويق ما كان يطرحه، سواء في الاجتماعات الموسعة أو الثنائية. وأكدت مصادر نيابية مواكبة لأسباب تعثر تسويق باسيل أكثر من مشروع انتخابي لدى اللجنة الرباعية، أن رئيس «التيار الوطني» يعلم جيداً وهو يتقدم من زملائه بأفكار جديدة، أنها غير قابلة للحياة، لكنه يصمم على تكرار محاولاته إلى أن توصل أخيراً إلى مشروع حاول أن يجد له تأييداً من «المستقبل»، بذريعة أن مجرد موافقته المبدئية على هذه الأفكار سيتيح له إقناع الآخرين بالسير فيه. ماذا في مشروع باسيل؟ وكشفت المصادر نفسها، أن باسيل تقدم في اليومين الماضيين بأفكار انتخابية جديدة، هي بمثابة خلطة «منقّحة» من المشاريع التي كان طرحها في السابق وتهاوى واحدها تلو الآخر. وقالت إنه عرضها على هامش جلسة مجلس الوزراء الجمعة الماضي على المعاون السياسي لرئيس البرلمان الوزير علي حسن خليل، ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري، في محاولة لينتزع منهما موافقتهما المبدئية على هذه «الخلطة» الانتخابية. ولفتت إلى أن باسيل عرضها أيضاً على حليفه «حزب الله»، وقالت إنه يحرص على استمزاج رأيه في هذه «الخلطة»، باعتبار أنه يتعامل معه على أنه الممر الإجباري لتمرير مشروعه الجديد، وبالتالي لن ينفرد في طرحه قبل أن يتشاور معه في أبرز بنوده. ورأت أن مشروع باسيل الجديد ينطلق من القانون المختلط الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري مع فارق جوهري هو تضمينه «عينة» لا بأس بها من القانون الأرثوذكسي، وهذا ما قصده من خلال اقتراحه أن يصار إلى انتخاب 65 نائباً وفقاً للأكثري شرط أن يتم انتخاب النواب المسيحيين من قبل الناخبين المسيحيين في مقابل انتخاب النواب المسلمين من الناخبين المسلمين. وبكلام آخر، فإن اقتراح باسيل ينص صراحة على أن تنتخب المذاهب المسيحية مجتمعة 33 نائباً مسيحياً بينما تنتخب المذاهب الإسلامية 32 نائباً مسلماً من دون أن يوضح الدوافع التي أملت عليه الإخلال بالمساواة في انتخاب النواب على أساس الأكثري. وينص الاقتراح أيضاً - كما قالت مصادر نيابية ل «الحياة» - على أن يتم انتخاب هؤلاء النواب على أساس تقسيم لبنان 14 دائرة، من دون أن يقحم نفسه في التقسيم الإداري لهذه الدوائر، وكأنه يترك أمر تقسيم هذه الدوائر إلى التوافق بين الأطراف الرئيسة المقررة في قانون الانتخاب الجديد. كما ينص الشق الآخر من اقتراح باسيل -وفق المصادر عينها- على انتخاب 63 نائباً استناداً إلى النظام النسبي، على أن يتم انتخاب هؤلاء من الناخبين المسلمين والمسيحيين، أي أن يكون انتخابهم وطنياً جامعاً. توزيع النسبي على الدوائر «عالق» وبالنسبة إلى توزيع الدوائر الانتخابية المخصصة لانتخاب النواب على أساس النسبي، أكدت المصادر النيابية المواكبة ل «الحياة»، أن باسيل لم يحسم مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية، وكأنه قرر أن يبقي الباب مفتوحاً للتوافق على التقسيمات الإدارية، مع أنه يقترح في مشروعه واحدة من التقسيمات الآتية: تقسيم لبنان 14 دائرة انتخابية، أو الإبقاء على المحافظات الخمس التاريخية من دون المساس بها، أو جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، ظناً منه أنه يلاقي طرح حليفه «حزب الله» في منتصف الطريق، وبالتالي يستطيع إقناعه بتعديل موقفه لجهة إصراره على تطبيق النسبية الكاملة من خلال اعتماد لبنان دائرة واحدة. ومع أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لم يتطرق إلى مشروع باسيل الانتخابي في لقاءاته مع زواره خلال عطلة نهاية الأسبوع، مكتفياً بالقول: «إننا ننتظر ما يعده وزير الخارجية لنبدي رأينا في كل ما يتضمنه من تفاصيل»، فإنه في المقابل يشدد على أن الفراغ في السلطة التشريعية ممنوع، و «لدينا فرصة للتوافق على قانون انتخاب جديد تنتهي في النصف الأول من نيسان (أبريل) المقبل». وينقل الزوار عن بري قوله إن «هذا التاريخ يشكل بالنسبة إلينا خطاً أحمر من غير الجائز أن نتجاوزه، وهناك ضرورة لإنتاج القانون، لأن إقحام البلد في فراغ تشريعي يعني أننا نركض وراء انهيار الدولة، وهذا أمر غير مسموح به ولن نصل إلى الفراغ مهما كلف الأمر ولدينا البدائل» من دون أن يفصح عنها. وكأن بري - وفق الزوار أنفسهم - لا يريد الاستعجال في حرق المراحل، ولديه من البدائل ما يقطع الطريق على الوصول إلى الفراغ في البرلمان، إضافة إلى ذلك يحرص على تلطيف موقف رئيس الجمهورية ميشال عون عندما قال رداً على طلب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بإصدار مرسوم يقضي بدعوة الهيئات الناخبة للاشتراك في الانتخابات النيابية، إنه يفضل الفراغ على التمديد للبرلمان أو إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين. وفي هذا السياق ينقل الزوار عن بري قوله إن رئيس الجمهورية يقصد من كلامه التحريض على إنجاز قانون الانتخاب وحض الأطراف على التفرغ للتوافق عليه. المستقبل وطرح باسيل ولدى السؤال عن موقف «تيار المستقبل» من مشروع باسيل، قالت مصادر فيه إنه كعادته لم يغلق الباب في وجه أي بحث يفترض أن يقود إلى وضع قانون انتخاب جديد «انسجاماً مع موقفنا بضرورة إجراء الانتخابات على أساس هذا القانون»، وبالتالي يحرص على التعاطي الإيجابي مع أي طرح لأفكار انتخابية جديدة، مبدياً ملاحظاته على بعضها وتأييدَه بعضها الآخر. وكشفت أن «المستقبل» تعاطى بمرونة وانفتاح مع ما طرحه باسيل، وتمنى عليه الوقوف على رأي الآخرين وفي ضوء ما سيحمله من أجوبة وردود سيكون له موقف في الوقت المناسب. وبكلام آخر، فإن «المستقبل» شجع باسيل على التواصل مع الأطراف الأخرى وأبدى حرصه على عدم رفضه، لئلا يتخذ موقفه ذريعة من الآخرين، كما أبلغه أنه لن يتعاطى بسلبية مطلقة مع أي طرح انتخابي. لكن باسيل حاول الحصول من «المستقبل» على ضوء أخضر بتأييد مشروعه بذريعه أنه يتسلح بموقفه الإيجابي إقناع الآخرين بالسير فيه من دون أن يتناول ما لديه من ملاحظات وردَت إليه تباعاً من الأطراف المعنية بقانون الانتخاب. ولم يعرف باسيل ما إذا كان يتسلح في حصوله على موافقة «أمل» بالأجواء الإيجابية التي أخذت تتحدث عن اقتراب توصل «التيار الوطني» معها إلى ورقة تفاهم، مع أن هذه الورقة لن تكون لجهة مضامينها نسخة طبق الأصل عن تفاهم «التيار» مع «حزب الله»، بمقدار ما أنها تهدف إلى خلق مناخ لتبرير الأجواء بين الطرفين وتعميق الحوار وترك الأمور التي ما زالت عالقة إلى تواصل مباشر بينهما، لأن هناك ضرورة لطي صفحة الخلافات المزمنة لمصلحة فتح صفحة جديدة بإعلان «النيات الحسنة» للابتعاد من المناكفة وتبادل الحملات والدخول في سجال بدلاً من التعاون لبناء جسر لاستعادة الثقة. هل يدعو المشنوق الهيئات الناخبة؟ إلى ذلك، تتجه الأنظار إلى الموقف الذي سيتخذه المشنوق مع اقتراب حلول تاريخ 21 آذار الجاري كآخر مهلة لدعوة الهيئات الناخبة قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية البرلمان الممدد له، وهل يسمح بتجاوزها من دون أن يصدر عنه قرار يتجنب فيه مخالفة القوانين. وعلمت «الحياة» أن المشنوق لن يسجل على نفسه أنه ارتكب مخالفة قانونية وهو سيعمد على الأرجح في جلسة مجلس الوزراء بعد غد الأربعاء إلى طرح قضية توجيه الدعوة للهيئات الناخبة. وعلى رغم أن الجلسة ستعقد برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري لوجود رئيس الجمهورية في الفاتيكان في أول لقاء يجمعه والبابا فرانسيس، فإن المشنوق يتحسب لعدم انعقاد جلسة أخرى للحكومة قبل حلول 21 الجاري، وبالتالي سيطرح مجدداً إعداد مرسوم يقضي بدعوة الهيئات الناخبة، لأن مسؤولية عدم التوصل إلى قانون جديد لا تقع على عاتق وزارة الداخلية إنما على الآخرين.