قالت مصادر وزارية لبنانية بارزة، مواكبة للمحادثات التي أجراها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في بيروت، إن غياب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عنها ليس في محله، بذريعة أن المسؤول الأممي الأول حضر إلى لبنان من أجل التسويق لتوطين اللاجئين السوريين، مع أن زميله في «تكتل التغيير والإصلاح» وزير التربية الياس بوصعب شارك فيها ولم يلتقط أي إشارة من بان من شأنها أن تدعم الشكوك التي تذرع بها رئيس «التيار الوطني الحر» لتبرير غيابه عن هذه المحادثات. وسألت المصادر نفسها، إذا كان باسيل يؤمن بما لديه من «معلومات» حول سعي بان لتوطين اللاجئين السوريين، فلماذا غاب عن المحادثات بدلاً من أن يشارك فيها ويتصدى له، إلا إذا كان اضطر إلى «ابتداع» ذريعة من هذا النوع ومن العيار الثقيل لتبرير مقاطعته للمحادثات على خلفية انه لم يلحظ في جدول لقاءاته في بيروت عقد اجتماع خاص معه في مبنى وزارة الخارجية؟ كما سألت المصادر باسيل عن الأسباب الكامنة التي دفعته إلى حجب ما لديه من «معلومات» حول مهمة بان في بيروت عن اللبنانيين ولم يبادر إلى مصارحة الرأي العام بها قبل وصول بان إلى لبنان، واختار التوقيت المناسب من وجهة نظره ليفجر «قنبلته» السياسية هذه أثناء وجوده في بيروت؟ ورأى أصحاب «النيات السيئة» ممن تتهمهم قيادة «التيار الوطني» بأنهم يحملون على باسيل بأن الأخير أخطأ في حساباته وإلا لماذا حجب «معلوماته» عن توطين اللاجئين السوريين عن مجلس الوزراء؟ تسديد فواتير ولم يستبعد هؤلاء أن يكون لتوقيت باسيل فتح النار على بان حسابات أخرى غير مرئية، ومنها أنه أراد أن يسدد إلى «حزب الله» فاتورة سياسية ولو على حساب سمعة لبنان الدولية أراد منها «الثأر» من المسؤول الأممي على خلفية ما ورد في تقريره إلى مجلس الأمن الدولي حول تنفيذ القرار 1701 المتعلق بلبنان وفيه: «إن سلاح «حزب الله» لا يوفر الحماية للبنان كما يدعي الحزب بل يقوض حكم القانون اللبناني ويشكل تهديداً خطيراً للسيادة والاستقرار». وفي هذا السياق سأل هؤلاء باسيل، إذا كان من رابط سياسي بين هجومه على مهمة بان في بيروت، الذي تزامن مع موقف لرئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك الذي سأل ما إذا كان هناك من صفقة ترافق زيارة بان وجولاته وتقديماته البسيطة للمهجرين السوريين إلى لبنان، وبالتالي عن تغيير في توقيت يجري فيه الحديث عن تقسيم وفيديرالية وتجارة بالبشر؟ ولفت أصحاب «النيات السيئة» نظر باسيل إلى أن من يريد التصدي لمخطط توطين النازحين السوريين في لبنان لا يعيق انتخاب رئيس جمهورية جديد ويصر على التمديد للفراغ في سدة الرئاسة الأولى، مع أن هناك حاجة لانتخابه، لما لرفضه لمثل هذا المخطط من صدى في المحافل الدولية، إضافة إلى أن إعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية يدفع حتماً في اتجاه الإعداد لخوض معركة سياسية على المستويات كافة لمنع مثل هذا المخطط من رؤية النور، وإن كنا نعتقد بأن لا وجود له إلا في ذهن وزير الخارجية الذي يستمر في اتباع سياسة التهويل على اللبنانيين لأغراض «شعبوية» ومزايدات غير قابلة للصرف في المعادلة اللبنانية الداخلية؟ تدمير علاقات لبنان العربية والدولية وتوقفت المصادر الوزارية البارزة أمام الدوافع التي أملت على باسيل التشويش على محادثات بان في بيروت وسألت من هي الجهة المستفيدة من تدمير علاقات لبنان بالمجتمع الدولي ممثلاً بالأمين العام للأمم المتحدة؟ وهل من بديل يوفر لنا الحماية السياسية والمعنوية في غياب الشرعية الدولية أو في تغييبها عن قصد عن بلدنا، خصوصاً إذا كان هناك من سعي لتوطين اللاجئين السوريين، فكيف يمكن منع حصوله في ظل الإساءة إلى علاقاتنا الدولية، إلا إذا كان باسيل يتوخى من «تهديده» تخويف المسيحيين وتقديم نفسه على أن «التيار الوطني» هو الحامي الوحيد لهم. وقالت إن باسيل كان وراء تدمير علاقات لبنان بالدول العربية عندما نأى بنفسه عن إدانة الاعتداءات الإيرانية على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، مع أنه حاول، لكن عبثاً، التخفيف من تداعيات موقفه على اللبنانيين المتواجدين في دول الخليج العربي الذين حمّلوه مسؤولية ما يترتب على مواقفه من أضرار مادية ومعنوية بمصالحهم. هل هكذا يسوّق عون للرئاسة؟ لذلك اعتبرت المصادر نفسها أن إصرار باسيل على إقحام نفسه من دون العودة إلى مجلس الوزراء، في اشتباك عربي ودولي من شأنه أن يضر بترشح رئيس «تكتل التغيير» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، إلا إذا أقنعه بأن ما يقوم به يخدم تسويقه في منافسة زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، ويؤمن له دعماً لا نعرف مصدره، أو كان يراهن على تمديد الفراغ في رئاسة الجمهورية. وأكدت أن باسيل لم يكن مضطراً لاتخاذ مواقف تضر بعلاقات لبنان العربية والدولية وتنذر بتدميرها، إضافة إلى أنه سارع إلى حرق المراحل الواحدة تلو الأخرى، وحرص أن يقدم للخارج «عينة» عما ستكون عليه هذه العلاقات في حال انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، باعتبار أنه سيكون - بحسب هذه المصادر - رئيس الظل الذي يعود له الحل والربط في القضايا ذات البعد الخارجي. تهديد عون بالنزول إلى الشارع أما في خصوص تهديد العماد عون بالنزول إلى الشارع الذي كان أعلن عنه سابقاً وعاد الوزير السابق سليم جريصاتي إلى التذكير به، علمت «الحياة» بأن لا قرار نهائياً لدى «تكتل التغيير والإصلاح» في هذا الخصوص حتى الساعة. لا سيما أنه لم يناقش في اجتماعه الأخيرة وبقي في إطار التلويح به، مع أن قياديين فيه كانوا استمزجوا رأي حزب «القوات اللبنانية» ما إذا كان لديه استعداد للتضامن معه في هذا القرار الذي لا يزال يستخدم في سياق التلويح والتهديد. وبحسب المعلومات فإن «القوات» استمهل «التيار الوطني» لدراسة الموقف قبل أن يتخذ قراره النهائي، وإن كان لا يحبذ حتى إشعار آخر اللجوء إليه في الوقت الحاضر، إلا إذا استدعاه إصرارهما معاً على إدراج قانون الانتخاب الجديد على جدول أعمال أول جلسة تشريعية وارتأيا اللجوء إلى الشارع ضغطاً لإقرار القانون. ونقلت مصادر نيابية عن نواب في «تكتل التغيير» أن لا شهية لدى الشارع المسيحي حتى هذه الساعة للنزول إلى الشارع، طالما أن عناوين مثل هذا التحرك التصعيدي ما زالت غير واضحة، وإن كان بعض النواب يدرجه لتحقيق الشراكة والدفاع عن الميثاقية التي تطبق على فريق ويستثنى منها العماد عون في ترشحه لرئاسة الجمهورية، على رغم أنه، بحسب هؤلاء، يتزعم أكبر كتلة نيابية مسيحية ويحظى بأوسع تمثيل شعبي في الشارع يكاد يكون الطاغي بعد تحالفه مع «القوات». لكن المصادر نفسها تسأل عن الجهة التي يستهدفها عون من وراء اللجوء إلى «الحشد الشعبي» في الشارع، وهل يقصد من ورائه جميع الذين لا يدعمون ترشحه للرئاسة، وما مدى استعداد «حزب الله» «للتطنيش» عن تحركه إذا كان يستهدف حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وفي المقابل تعتبر مصادر نيابية أخرى على اختلاف مع العماد عون، أن إصراره على الاستقواء بالشارع لتغيير قواعد الاشتباك السياسي، بالتالي الضغط على خصومه لإدراج قانون الانتخاب كبند أول على الجلسة التشريعية، التي ستكون حاضرة على طاولة الحوار الموسع غداً الأربعاء برعاية بري، من خلال البحث بتفعيل التشريع في البرلمان مع بدء العقد العادي، هذا الاستقواء قد يرتد عليه لأن تغيير هذه القواعد لن يكون الحق الحصري فيه للعماد عون. وبكلام آخر، تلفت المصادر نفسها إلى أن لدى خصوم عون القدرة على تغيير قواعد اللعبة السياسية، وتقول أن تيار «المردة» يتعامل مع تهديد عون بالشارع على أنه يستهدف فرنجية كمرشح لرئاسة الجمهورية لا الآخرين، بالتالي سيواجه مثل هذا التهديد بتهديد آخر مفتوح على خيارات سياسية عدة. وتضيف أن «القوات» لا يزال يدرس طلب عون، مع أن جوابه الأولي لم يكن محبذاً للجوء إلى الشارع، لأن لكل طرف شارعه إضافة إلى أن مثل هذه الخطوة لن ترتد عليه بقيمة سياسية مضافة بمقدار ما أنها قد تضر به، لأن التهويل سيدفع بخصومه إلى التشدد إلا إذا كان يتطلع إلى توفير الذرائع لتبرير التمديد للفراغ الرئاسي. وترى هذه المصادر أن استخدام عون للشارع بغية التشكيك بالتمديد الثاني للبرلمان قد ينقلب عليه، وتعزو السبب إلى أن الطعن بالمجلس كان يتطلب منه مقاطعة جلساته وعدم التعامل معه باستنسابية، وإلا كيف يوفق بين هذا الطعن وبين تهليل نوابه للانتصار الذي تحقق بإقرار المجلس النيابي قانون استعادة الجنسية؟ قانون الانتخاب والتشريع وعليه فإن جلسة الحوار الوطني الأربعاء قد تشهد مشادات سياسية حامية على خلفية البحث في تفعيل العمل التشريعي في البرلمان مع إصرار «تكتل التغيير» على إدراج قانون الانتخاب الجديد كأول بند على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقبلة. ومع أن المشاورات تكثفت استعداداً لمعاودة الحوار الوطني، ومن أبرزها التواصل بين «اللقاء النيابي الديموقرطي» برئاسة وليد جنبلاط وكتلة «المستقبل» النيابية من دون انقطاعهما عن التشاور مع الرئيس بري وآخرين، فإن رئيس المجلس يتريث في دعوته هيئة مكتب المجلس لعقد اجتماع عاجل للتوافق على جدول أعمال الجلسة المقترحة، ريثما يستكشف المواقف على حقيقتها في جلسة الحوار. وفي هذا السياق رأى مصدر نيابي مواكب للمشاورات الجارية أن لا مشكلة في إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمالها، لكن ماذا بعد إدراجه، طالما أن لا توافق على العناوين الرئيسة للقانون، وهذا ما خلصت إليه لجنة التواصل النيابية في تقريرها الذي رفعته إلى الرئيس بري في اختتام اجتماعاتها والذي يجتمع فيه الضدان تحت سقف واحد، أي أنه جاء خلاصة لنقاط الاتفاق والاختلاف. ولفت المصدر إلى أن الأجواء في الجلسة التشريعية المرتقبة ستكون نسخة طبق الأصل عن ما جاء في خلاصة تقرير «لجنة التواصل» وقال إن تعذر التوافق لا يبرر الامتناع عن التشريع، وقد يستدعي تشكيل «لجنة تواصل» جديدة، أو التمديد للحالية مع توسيع صلاحياتها، لجهة البحث في الإصلاحات المقترحة على قانون الانتخاب مع أن موقف حزب «الكتائب» وآخرين على حاله، ويكمن في رفض كل أشكال التشريع قبل أن يصار إلى انتخاب رئيس جديد، وهو بذلك ينسجم مع التوصية التي كانت صدرت عن البرلمان في هذا الخصوص، لأن لدى معظم الكتل مخاوف من أن يكون الهدف من استحضار قانون الانتخاب تبرير التمديد للفراغ الرئاسي.