تلقت السلطة الفلسطينية الاسبوع الجاري احتجاجاً رسمياً من الحكومة الاسرائيلية في شأن مقال كتبه الشاعر والكاتب المتوكل طه الذي يعمل وكيلاً لوزارة الاعلام الفلسطينية. ووصل الاحتجاج الاسرائيلي، الذي بدا مفاجئاً الى حد كبير، بسبب جسامة الممارسات الاسرائيلية التي يقدِّم الفلسطينيون احتجاجات متكررة في شأنها، مثل مصادرة الاراضي والتوسع الاستيطاني واعتداءات المستوطنين المتكررة على المواطنين، الى الوسيط الاميركي لعملية السلام. وجاء في الاحتجاج الاسرائيلي ان «السلطة الفلسطينية تنكر صلة الشعب اليهودي بحائط المبكى، ما يشكِّل خرقاً للاتفاقات الموقعة بين الجانبين». وكان المتوكل طه نشر مقالاً في صحيفة «الحياة الجديدة» المحلية، بصفته كاتباً لا موظفاً في وزارة الإعلام، تناول المحاولات المتكررة الاسرائيلية لتهويد مواقع اثرية ودينية فلسطينية عقب صدور قرار من الحكومة الاسرائيلية خصصت بموجبه مبلغ 85 مليون شيكل (نحو 24 مليون دولار) لترميم حائط البراق، وهو الموقع الذي يعتقد المسلمون ان الرسول محمد صعد منه الى السماء. واشار الكاتب طه في مقاله الى قرار سابق ل «منظمة الاممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (يونسكو) رفضت فيه قراراً حكومياً اسرائيلياً اعتبر موقعيْن أثرييْن وصفتهما المنظمة الدولية ب «الاسلامييْن» ضمن مواقع التراث اليهودي، وخُصصت مبالغ مالية لترميمهما، وهما مسجد بلال بن رباح في مدينة بيت لحم، الذي تطلق عليه اسرائيل اسم «قبة راحيل»، والحرم الابراهيمي في الخليل، الذي تطلق عليه اسرائيل اسم «كنيس اسحق وسارة». واستولت اسرائيل بالكامل على الموقع الاول وعلى الجزء الاكبر من الموقع الثاني. وقال طه انه قدم مقالة علمية، وانه توقع من كتاب وباحثين اسرائيليين الرد عليها وليس ان تستخدمها الحكومة مبرراً لافتعال ازمة سياسية. واضاف: «ما قلته في المقالة ان الاسرائيليين يدّعون ملكية الكثير من المواقع الاسلامية، وفي مقدمها المسجد الاقصى الذي يطلقون عليه اسم هار هابيت، وكذلك حائط البراق الذي يسمونه الكوته، ومسجد بلال بن رباح الذي يسمونه قبة راحيل، وايضا المسجد الابراهيمي في الخليل الذي يعتبرونه كنيساً لاسحاق وسارة، وبئر يعقوب في نابلس الذي يسمونه بئر يعقوب اسرائيل». وأضاف: «يحاول الاسرائيليون استلاب كل الحقوق الشرعية والتاريخية لشعب فلسطين حتى يوهموا العالم بأن لهم أحقية في هذه المواقع، وأنه لا يجوز لأحد أن يشكك في هذا الامر». وجاء في المقالة التي يقول طه انها مقالة بحثية أن «حائط البراق هو حائط اسلامي منذ فجر التاريخ، وهو وقف لعائلة جزائرية مغاربية مسلمة». وأضاف: «خلصت لجنة التحقيق التي شكلتها بريطانيا في عهد الانتداب للتحقيق في احداث البراق عام 1929، الى أن الحائط جزء لا يتجزأ من المسجد الاقصى المبارك وليس لليهود أي علاقة به». وجاء في المقال أن عصبة الامم عام 1930 اصدرت تقريراً مفاده ان حائط البراق هو جزء لا يتجزأ من المسجد الاقصى. واضاف ان ادانة اسرائيل لمقالته وتحويلها ازمة سياسية «أمر لا يستحق التعقيب ولا الرد». واضاف: «ماذا يريد الاسرائيليون؟ انهم يريدون ان يزوِّروا التاريخ ويغيروا الحقائق، ويرهبون ويخفون ويبتزون». واعتبرت اسرائيل المقال مثيراً للتساؤلات عن التزام السلطة الفلسطينية بعملية السلام. وقال الناطق باسم مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي مارك ريغيف ان المقال «تحريضي» و«يثير تساؤلات عن التزام الحكومة الفلسطينية بعملية السلام»، مطالباً الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض ب «التبرؤ من مضمون المقال جهاراً». وزاد ان مضمون المقال يقوم على «التشكيك بالعلاقة التي تربط الشعب اليهودي بالقدس وأرض إسرائيل». وامتدت الاحتجاجات الاسرائيلية الى حزب «العمل»، الذي قالت النائب عنه في الكنيست عينات فيلف في تعقيب لها على المقال: «يكرر الفلسطينيون نهجهم الغبي القائم على افتراض واقع بديل ينكر صلة الشعب اليهودي بأرض إسرائيل». ويفصل الفلسطينيون بين حائط المبكى وحائط البراق المتلاصقين، ويرون ان حائط البراق جزء من المسجد الاقصى ويشمل جزءاً من ساحته. وأثار الفلسطينيون في المفاوضات مسألة التفريق بين الموقعين اللذين تعتبرهما اسرائيل موقعاً واحداً في مفاوضات «كامب ديفيد» وطابا عام 2000. واعاد هذا الاحتجاج الى الاذهان سلسلة «الازمات الصغيرة» التي خلقها رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتانياهو حين كان رئيساً للوزراء في اسرائيل في الفترة بين عام 1996 و 1999، والتي وصلت الى حد وقف المفاوضات ووقف تطبيق اتفاقات وقّعها الجانب الفلسطيني مع حكومة حزب «العمل» السابقة لأسباب بدت بالغة البساطة والسطحية، مثل عدم اعتقال شخص تتهمه اسرائيل بالتحريض، او اطلاق معتقل آخر وجهت له اسرائيل اتهامات لكن محكمة فلسطينية برّأته، او ظهور مقال في صحيفة فلسطينية رأت فيه اسرائيل تحريضاً عليها. ودأب نتانياهو في تلك الفترة، التي أُعلن لاحقاً انه كان مصمماً خلالها على افشال اتفاق اوسلو الذي وقعته حكومة «العمل»، على رفع شعاره الشهير: «اذا أَعطَوْا يأخذون، واذا لم يُعْطُوا لن يأخذوا»، في اشارة الى ان اسرائيل لن تقدم شيئا للفلسطينيين طالما لم يقدموا له ما يرى انه التزام فلسطيني، وهي السياسة التي اعتبرها الفلسطينيون وسيلة للتملص من تطبيق الالتزامات التي وقّعتها حكومة اسرائيلية سابقة وشرعية.