لعب الساحل الغربي لليمن الممتد من باب المندب جنوب غربي البلاد، وحتى ميناء ميدي على الحدود اليمنية السعودية شمالاً، دوراً محورياً في الحرب الدائرة في اليمن منذ آذار (مارس) 2015، لمصلحة الميليشيات الحوثية والقوات الموالية للرئيس السابق علي صالح، والتي بسطت سيطرتها الكاملة على هذا الساحل، منذ بدء تمدد المليشيات والقوات الداعمة لها إلى مناطق واسعة من اليمن عقب اجتياحها للعاصمة صنعاء في أيلول (سبتمبر) 2014. وعلى مدى 23 شهراً من الحرب التي اشتركت فيها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية،، والساحل الغربي لليمن وموانئه (ميدي، الحديدة، المخا) يمثل شريان الحياة للانقلابيين، الذين استغلوا هذه الموانئ والشريط الساحلي الطويل، للحصول على كميات كبيرة من الأسلحة الحديثة والمتطورة، التي كانت إيران تهربها لهم انطلاقاً من ميناءي عصب ومصوع في اريتريا. وأكدت مصادر عسكرية في الجيش اليمني «العثور على قنابل متطورة إيرانية الصنع من النوع الذي كان مستخدماً من قبل حزب الله اللبناني، وأن الميليشيات الحوثية تستخدمها لاستهداف قيادات وأفراد الجيش»، وقالت المصادر ل «الحياة»، إن الجيش اليمني «اكتشف مؤخراً أن إيران كانت تنقل كميات كبيرة من الأسلحة إلى مجموعة (الجزر السبع) الواقعة على البحر الأحمر، تمهيداً لنقلها للميليشيات الحوثية على دفعات، بواسطة مراكب صيد صغيرة إلى موانئ الحديدة والمخا وميدي، وإن الجيش اليمني سيحول دون استمرار تدفق الأسلحة المهربة. مصادر حصول الميليشيات الحوثية والقوات الموالية للرئيس السابق علي صالح على الأسلحة لا تقتصر على ما تقوم إيران بتهريبه إليهم فقط، ولكن تحالف الانقلابيين يحصل على السلاح أيضاً من مصادر أخرى من طريق الشراء، سواء عبر سماسرة محليين مرتبطين بالحوثي وصالح، وعلى رأسهم تاجر السلاح المعروف فارس مناع الذي عين مؤخراً وزيراً في حكومة الانقلابيين، أو بالتعامل المباشر مع بعض الدول التي لها مصالح في دعم الانقلابيين مثل روسيا. وقالت مصادر مقربة من الميليشيات الحوثية «بالنسبة إلى السلاح لم تكن إيران المصدر الوحيد للحصول على السلاح، ولم يتم الاعتماد عليها في شكل كامل نظراً للتركيز والرقابة المفروضة عليها، وإنما كانت توجد مصادر أخرى»، وأكدت المصادر التي تحدثت إلى «الحياة» أن «تحالف الحوثي- صالح أوفد العديد من القيادات التابعة لشريكي التحالف إلى روسيا خلال فترة الحرب، وأن هذه الوفود تمكنت من إقناع روسيا ببيعهم كميات كبيرة من الأسلحة النوعية والمتطورة، والتي لم تكن متوافرة لديهم خلال العام الأول من زمن الحرب». ووفق خبراء عسكريين تحدثوا إلى «الحياة» فإن «بقاء السواحل الغربية لليمن والموانئ الواقعة عليه منذ ما قبل انطلاق «عاصفة الحزم» العربية، مكن تحالف الحوثي- صالح من تعويض الأسلحة التي تم تدميرها في الغارات الجوية التي نفذتها طائرات التحالف العربي، بل والحصول على كميات كبيرة من الأسلحة الحديثة والمتطورة، وبخاصة الصواريخ البالستية والحرارية والقاذفات المضادة للدروع وأسلحة القنص الحديثة، وهو ما مكن الميليشيات الحوثية والقوات الموالية لصالح من إطالة زمن الحرب والصمود كل هذا الوقت، في مواجهة الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، المدعومين من قوات التحالف العربي». أهمية السواحل الغربية لليمن والموانئ الواقعة عليها وخصوصاً ميناء الحديدة، لا تقتصر على توريد الأسلحة لتحالف الانقلابيين فحسب، ولكنها بالنسبة إليهم تمثل نافذة مهمة للحصول على الموارد المالية، التي يحصلون عليها من عائدات الرسوم الضريبية والجمركية، التي تفرض على مختلف أنواع الواردات التجارية التي تدخل اليمن عبر ميناء الحديدة، وفي مقدمها الواردات من المشتقات النفطية، إلى جانب استيلاء الميليشيات على المساعدات الإنسانية التي تصل عبر الميناء، وبيعها في السوق السوداء لتمويل عملياتها العسكرية، وفق تأكيدات الحكومة اليمنية. ويرى الخبراء العسكريون أن الجيش اليمني التابع للشرعية وقوات التحالف العربي تنبهت مؤخراً لهذا الأمر الخطير، وهو ما دفعها الى تغييرات جوهرية وحاسمة في الخطط العسكرية، ظهرت في فتح جبهات جديدة تستهدف السيطرة على الساحل الغربي لليمن، حيث تمكنت قوات الجيش اليمني وبمشاركة قوات التحالف العربي من تحرير باب المندب ومدينة وميناء المخا جنوب غربي اليمن، بالتوازي مع تقدم وسيطرة قوات الجيش على ميناء ميدي في أقصى الشمال على الحدود اليمنية السعودية. وعلى رغم استمرار المواجهات التي يخوضها الجيش اليمني والمقاومة الشعبية بدعم ومساندة قوات التحالف العربي ضد ميليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح في مختلف الجبهات، للوصول إلى الحسم العسكري، ووأد الانقلاب على السلطات الشرعية، بعد فشل الجهود الدولية الحثيثة للتوصل إلى تسوية سياسية تنهي المشروع الانقلابي وتحقق الأمن والاستقرار لليمن، إلا أن معطيات العمل العسكري الميداني تؤكد حدوث تغيير في أولويات الجيش والمقاومة الشعبية، يقوم على تأجيل اقتحام العاصمة صنعاء من بوابتها الشرقية في منطقة نهم، والتوجه لتحرير الساحل الغربي بالكامل. وكشفت مصادر في الجيش اليمني تحدثت إلى «الحياة» عن «استعدادات عسكرية مكثفة لاستكمال تحرير الساحل الغربي لليمن بالكامل من ميليشيات الحوثي وقوات صالح»، وقالت المصادر أن «تحرير مدينة وميناء الحديدة بات اليوم يمثل أولوية في غاية الأهمية على المستوى العسكري، وربما أهم من اقتحام العاصمة صنعاء، باعتبار أن السيطرة على الساحل الغربي بالكامل، من شأنه فرض حصار خانق على الميليشيات الانقلابية، وقطع إمدادات الأسلحة التي تهرّب إليها عبر البحر، وفي ذات الوقت قطع نسبة كبيرة من مواردها المالية، وتأمين حركة الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر». ووفق المصادر فإن قوات الجيش اليمني سوف تتقدم لتحرير ما تبقى من السواحل الغربية بما في ذلك مدينة وميناء الحديدة من اتجاهين، الأول: تقدم قوات الجيش المتواجدة في مدينة المخا باتجاه مديرية الخوخة التي تتوسط محافظتي تعز والحديدة، والاتجاه الثاني من الشمال، حيث ستتقدم قوات الجيش والمقاومة الشعبية المتواجدة حالياً في منطقة ميدي جنوباً باتجاه منطقة اللحية وصولاً إلى مدينة الحديدة بعد استكمال تطهير المناطق المحيطة بمديرية وميناء ميدي من بقايا مسلحي الميليشيات الحوثية، بالتزامن مع تنشيط المقاومة الشعبية المتواجدة حالياً في مناطق سيطرة الميليشيات. وتوقعت مصادر الجيش اليمني أن إحكام السيطرة على الساحل الغربي وفي المقدمة منه مدينة وميناء الحديدة، سيفرض على الميليشيات طوقاً من العزلة، وسيجعلها محاصرة في المناطق الجبلية الممتدة بين محافظة الحديدة والعاصمة صنعاء، خصوصاً مع تقدم قوات الجيش والمقاومة الشعبية، وبإسناد قوات التحالف العربي في جبهة الحدود الشمالية التي تربط اليمن بالمملكة العربية السعودية، وتوغل هذه القوات إلى عمق محافظة صعدة معقل الحوثيين، وهو ما سيحد من الخيارات العسكرية للميليشيات ويجبرها على التعاطي الإيجابي مع الجهود الدولية الداعية إلى وقف الحرب، وإفساح المجال للحلول السلمية. ولم تستبعد المصادر استماتة الميليشيات في ما تبقى من الساحل الغربي لليمن، وبخاصة مدينة وميناء الحديدة، في محاولة أخيرة للحيلولة دون بسط قوات الجيش اليمني السيطرة عليها، بخاصة بعد فقدانها السيطرة على باب المندب والمخا ومديرية وميناء ميدي، وهو ما أكده رئيس ما يسمى المجلس السياسي للانقلابيين صالح الصماد الذي زار مدينة الحديدة مؤخراً، وقال في تصريحات صحافية أن «هناك استعدادات وترتيبات قوية جداً لمواجهة أي محاولة للسيطرة على الحديدة». ويرى مراقبون أن توقف الحرب في اليمن، مرهون بحدوث تطورات كبيرة وحاسمة على الأرض، لمصلحة الجيش اليمني المدعوم من قوات التحالف العربي، وبما يحد من القدرات العسكرية للميليشيات الحوثية والقوات الموالية لصالح، مؤكدين ل «الحياة» أن «السيطرة على الساحل الغربي لليمن، يعد من أبرز التطورات العسكرية التي ستحسم الحرب في اليمن، أكان لجهة الوصول إلى الحسم العسكري في شكل نهائي، وإلحاق الهزيمة بالميليشيات الانقلابية واستسلامها، أو لجهة إجبارها على إيقاف الحرب والانخراط بجدية في الحوار للتوصل لحلول سلمية تلتزم بموجبها تسليم السلاح للدولة والتحول من العمل الميليشاوي الى العمل السياسي».