حقق تنظيم «داعش» تقدماً إضافياً في هجومه الضخم المستمر منذ ثلاثة أيام في مدينة دير الزور ومحيطها بشرق سورية. وفيما أفيد بأن التنظيم قطع خط الإمداد للقوات الحكومية في مطار دير الزور العسكري عن الأحياء الخاضعة لسيطرتها في داخل المدينة، اكتفى الإعلام الرسمي السوري بالقول إن الجيش النظامي قتل عشرات من أفراد «داعش» خلال صدّه هجماتهم في دير الزور. لكن صفحات إخبارية مؤيدة للحكومة السورية تحدثت عن وضع خطير في الأحياء المحاصرة في المدينة والتي يقطنها قرابة 120 ألف شخص، مشيرة إلى أن «داعش» يشن هجمات بموجات بشرية لفصل المطار عن المدينة. وهذا الوجود للقوات الحكومية في دير الزور ومحيطها هو الوحيد المتبقي لها في كامل هذه المحافظة المحاذية للحدود مع العراق في شرق البلاد. وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» (مقره بريطانيا)، في تقرير أمس، أن اشتباكات عنيفة تدور في شكل متواصل بين القوات الحكومية والمسلحين الموالين من جهة، وتنظيم «داعش» من جهة أخرى، في محاور عدة بمحيط مطار دير الزور العسكري، ومحيط دوار البانوراما، وفي أحياء الصناعة والعمال والرصافة في مدينة دير الزور «وسط استمرار القصف الجوي على تمركزات التنظيم». وعلى رغم هذا القصف، أكد «المرصد» أن «التنظيم تمكن من تحقيق تقدم جديد بمحيط المطار ومعلومات مؤكدة عن سيطرته على معمل البلوك بمحيط المطار» حيث سُجّل شن طائرات حربية «عشرات الغارات» في منطقة المعمل ومناطق أخرى في مدينة دير الزور وريفها. أما شبكة «شام» الإخبارية المعارضة فأوردت، من جهتها، أن عناصر «داعش» سيطروا أمس على «مواقع عدة» للقوات النظامية بمحيط مطار دير الزور العسكري و «ذلك ضمن الهجمة التي يشنها التنظيم على المطار... ما يزيد (تضييق) الخناق على قوات (الرئيس بشار) الأسد التي بدأت مواقعها في الانهيار تباعاً». ونقلت عن ناشطين إن التنظيم المتشدد «تقدم بشكل سريع باتجاه مكابس القرميد غرب مطار دير الزور العسكري والتي تراجعت عنها قوات الأسد، حيث تمكن التنظيم من قطع طرق الإمداد التي تصل المطار بأحياء المدينة الخاضعة لسيطرة» القوات الحكومية، «فيما تدور اشتباكات عنيفة بين الطرفين على محاور في المدينة وحول المطار العسكري». واعتبرت الشبكة أن «التجهيزات والتعزيزات التي استقدمها التنظيم إلى المنطقة» تدل على رغبته في «الحسم العسكري... واستكمال السيطرة على المطار الاستراتيجي بعد أكثر من عام من المعارك التي شهدتها أطراف المطار بين كر وفر». ولفت «المرصد السوري»، من جهته، إلى أن «داعش» يحاول في «هجومه الأعنف» منذ عام في دير الزور، تقليص مساحة سيطرة القوات الحكومية في المدينة ومحيطها بما في ذلك طردها من الأحياء التي تسيطر عليها في المدينة والمطار العسكري واللواء 137 والجبل المطل على المدينة. وأشار إلى أنه وثّق سقوط 82 قتيلاً منذ بدء هجوم «داعش»، وبينهم 14 مدنياً قُتلوا في قصف التنظيم على مناطق سيطرة القوات النظامية في مدينة دير الزور، و6 مواطنين قُتلوا جراء غارات لطائرات حربية على بلدة موحسن بريف دير الزور الشرقي، و5 بينهم طفلان ومواطنتان قُتلوا في قصف جوي على مدينة دير الزور. وأضاف «المرصد» أن عدد قتلى القوات الحكومية والمسلحين الموالين ارتفع إلى 28، فيما ارتفع إلى 40 عدد قتلى «داعش» وبعضهم من جنسيات غير سورية. وفي هذا الإطار، أوردت وكالة الأنباء السورية «سانا» الرسمية أن وحدات من الجيش الحكومي «دمرت 3 نقاط لإرهابيي داعش... وقضت على مجموعتين للتنظيم في محيط مطار دير الزور وجبل الثردة»، وتحدثت عن «مقتل وإصابة عشرات» من عناصر التنظيم و «تدمير رتل آليات مزودة رشاشات ثقيلة» خلال عمليات قام بها الجيش «في محيط البانوراما وعند جسر الرقة ومحيط حقل التيم وقرى كباجب والحسينية والجنينة وقرية البغيلية ومحيط جبل الثردة وجنوب المطار» في دير الزور. كذلك أشارت «سانا» إلى قتل 18 من «داعش» قالت إنهم من جنسيات أجنبية «خلال عملية على أحد مقراتهم خلف معمل الكونسروة في مدينة الميادين» التي تبعد نحو 45 كلم جنوب شرقي مدينة دير الزور. على صعيد ميداني آخر، أشار «المرصد» إلى مقتل شاب إثر إصابته «برصاص قناص من قوات النظام» على مناطق في أطراف حي القابون في محيط دمشق، فيما أكد «الإعلام الحربي» التابع ل «حزب الله» أن «الجيش السوري سيطر على كامل بلدة عين الخضرة في وادي بردى بريف دمشق، وسط قصف مدفعي وصاروخي يستهدف نقاط انتشار المسلحين في المنطقة». وفي محافظة حمص (وسط البلاد)، ذكر «المرصد» أن طائرات حربية نفّذت غارات على محيط المحطة الرابعة ومحيط قرية التياس ومحيط القلعة الأثرية والحي الشرقي لمدينة تدمر بريف حمص الشرقي، حيث تحاول القوات النظامية استرجاع مناطق خسرتها خلال الهجوم المفاجئ الذي شنه «داعش» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وفي محافظة الرقة (شمال)، شنّت طائرات التحالف الدولي غارة على مزرعة الفتيح شمال غربي الرقة، في حين تستمر الاشتباكات بين «قوات سورية الديموقراطية» من جهة، وتنظيم «داعش» من جهة أخرى، في الريفين الغربي والشمالي الغربي للرقة، «وسط استهدافات متبادلة بين الجانبين، ومعلومات عن خسائر بشرية مؤكدة في صفوفهما»، بحسب ما جاء في تقرير ل «المرصد». أما في محافظة حلب (شمال)، فأشار «المرصد» إلى أن القوات الحكومية قصفت أطراف حي جمعية الزهراء غرب مدينة حلب، بينما سقطت قذائف على مشروع 3000 شقة في منطقة الحمدانية بمدينة حلب. وفي محافظة إدلب (شمال غربي سورية)، قال «المرصد» إن الفصائل الإسلامية قصفت بقذائف الهاون بلدة الفوعة بريف إدلب الشمالي الشرقي والتي يقطنها مواطنون من الطائفة الشيعية. ولم ترد أنباء عن إصابات. وفي محافظة درعا (جنوب)، تحدث «المرصد» عن قصف قوات النظام بلدة اليادودة بريف درعا، من دون معلومات عن خسائر بشرية. أوباما و «الخط الأحمر» وفي واشنطن (أ ف ب)، صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما الأحد بأنه غير نادم على خطابه الذي رسم فيه «خطاً أحمر» عام 2012 يتعلق باستخدام سورية أسلحة كيماوية، وهي عبارة يقول منتقدوه أنها ترمز إلى فشل الولاياتالمتحدة في التأثير في الأزمة السورية. واستخدم أوباما هذا التعبير عام 2012 حول احتمال قيام الولاياتالمتحدة بتدخل عسكري في سورية. وأكد حينذاك أن «الخط الأحمر بالنسبة إلينا هو عندما نرى كمية من الأسلحة الكيماوية تتحرك أو يتم استخدامها». وأضاف: «بالنسبة لكل القوى في المنطقة ولنا نحن أنه خط أحمر ستكون له عواقب هائلة». وفي ما وصف بأنه آخر مقابلة تلفزيونية له في برنامج «60 دقيقة» لشبكة التلفزيون الأميركية «سي بي إس» قبل أيام على انتهاء ولايته الرئاسية، أكد أوباما أنه ارتجل العبارة التي لم تكن موجودة في النص المكتوب. وقال أوباما: «لست نادماً على الإطلاق على القول أنه اذا رأيت (الرئيس السوري) بشار الأسد يستخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه، فإن هذا يمكن أن يغير من تقييمي في ما يتعلق بما كنا مستعدين أو غير مستعدين لفعله في سورية». وأضاف: «كنت سأرتكب خطأ فادحاً لو قلت: الأسلحة الكيماوية لن تغيّر في الواقع حساباتي». وتابع: «أعتقد أنه من المهم بالنسبة لي كرئيس للولايات المتحدة أن أبعث برسالة مفادها أنه في الواقع هناك شيء مختلف في شأن الأسلحة الكيماوية». وأردف: «على رغم ما انتهى إليه الأمر في الإعلام، أعتقد أنه في عالم واشنطن السياسي، ما هو حقيقي هو أن الأسد تخلّص من أسلحته الكيماوية» ووفق الاستخبارات الأميركية، فإن الهجوم الكيماوي الذي وقع في 21 آب (أغسطس) 2013 في ريف دمشق أسفر عن 1400 قتيل بينهم 400 طفل. ودانت دول غربية عدة والجامعة العربية الهجوم على أنه جريمة حرب اتهمت النظام السوري بها. وانتشر شريط فيديو سبب غضباً حول العالم يظهر أشخاصاً تبدو عليهم عوارض تنجم عادة عن هجوم كيماوي. ولكن، بعدما بدا أن الولاياتالمتحدة تحضّر لضربات جوية وشيكة ضد الحكومة السورية، وافقت واشنطن بدل ذلك في آخر لحظة على صفقة بوساطة موسكو لإرسال أسلحة سورية الكيماوية للتخلص منها في الخارج. ويرى عدد من النقاد أن هذا القرار شجع روسيا على إطلاق حملتها الجوية العسكرية في سورية - ما أنقذ نظام الأسد وتسبب بمقتل مدنيين - وشجع موسكو على تصعيد المواجهة مع واشنطن.