تتجه المستشارة الألمانية أنغيلا مركل مساء اليوم لإعلان ترشحها باسم حزبها الديموقراطي المسيحي لمنصب المستشار للمرة الرابعة على التوالي في الانتخابات التي ستجري السنة المقبلة وبالتالي البقاء في السلطة 16 عاماً، في مرحلة لا تزال تشهد انخفاضاً ملموساً في شعبيتها بسبب سياسة الترحيب باللاجئين التي اتبعتها، وفتح الحدود أمامهم بعدما أغلقها آخرون كثر في القارة؟ كل المؤشرات تشير إلى أنها ستفعل ذلك، خصوصاً في ظلّ غياب أي منازع لها داخل فريقها «المسيحي»، بل وبدعم لافت من الحزب المسيحي البافاري الشقيق الذي وصل بجفائه ومعارضته الفظة لنهجها المتعاطف مع اللاجئين إلى التهديد بإنهاء الوحدة السياسية القائمة بين الحزبين على المستوى الوطني منذ قيام ألمانيا الاتحادية عام 1949. ويأتي موعد إعلان الترشح اليوم وكأنه منظّم بعناية كبيرة من المستشارة بعد الاحتفاء الكبير الذي خصصه الرئيس الأميركي باراك أوباما لها في برلين (لا العكس)، وتمنيه على رؤساء دول وحكومات فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا الحضور إلى مقر المستشارة لعقد قمة وداعية أوروبية مصغرة معه، ما سمح لمركل بأن تبقى على مدى يومين كاملين في محور الاهتمام السياسي والإعلامي داخل البلاد وخارجها. وعزّز الرئيس الأميركي المودّع خصيصاً قيادة ألمانيا السياسية لأوروبا إلى جانب قيادتها الاقتصادية، كردٍّ أيضاً على تهجم خلفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب على المستشارة خلال حملته الانتخابية. كما حفلت الصحف الأميركية بتعليقات تصف مركل بأنها «المدافعة الأخيرة عن الغرب الحر»، ودعتها لقيادته. ووصلت إشادة أوباما العلنية بمركل وخصالها وقدراتها في برلين إلى حدّ اختراقه العرف المتبع بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، إذ قال رداً على سؤال بأنه لو كان يعيش في ألمانيا ويحق له الانتخاب لكان من الممكن أن يدلي بصوته لها. ولا شك في أن الاشتراكيين كتموا غيظهم لأن مركل لم تدعم اوباما كما فعلوا هم، وإنما دعمت غريمه الجمهوري، بل ومنعت المرشح أوباما من إلقاء خطاب أمام بوابة براندنبورغ، الأمر الذي وتّر العلاقات بينهما في بداية عهده. وربما كان اوباما يرغب في الاعتذار إليها بصورة غير مباشرة لموافقته على التجسس على هاتفها الخاص. لكن كل هذا أصبح من الماضي. وبعدما ساهم الحزب البافاري في اضعاف شعبية «المسيحيين» في ألمانيا لمصلحة حزب البديل من أجل ألمانيا «بيغيدا»، وهو حزب عنصري معاد للأجانب والمسلمين، دب الهلع في صفوف البافاريين من قدرة الأحزاب اليسارية الثلاثة في البلاد (الاشتراكيون والخضر واليسار) على توحيد صفوفهم على رغم خلافاتهم، ونيل غالبية نيابية تؤهلهم لتشكيل حكومة يسار الوسط بقيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يرأسه زيغمار غابرييل، نائب المستشارة ووزير الاقتصاد والطاقة في حكومتها الائتلافية الحالية. وأشارت أوساطه أمس إلى أنه يفكّر في الاستقالة قريباً من الحكومة لكي يتفرّغ لمسألة ترشحه ضد مركل الذي لم يعلنه رسمياً بعد. وفي ولاية برلين تشكلت أخيراً حكومة محلية من الأحزاب الثلاثة يعتبرها البعض «بروفة» لحكومة اتحادية مقبلة، علماً أن الاستطلاعات الأخيرة أظهرت وجود ميزان قوى لا يسمح حالياً إلا بقيام حكومة مسيحية - اشتراكية (33 زائداً 23 في المئة من الأصوات) بقيادة مركل للمرة الثالثة على التوالي، وهو أمر لم يعد محبذاً لكونه يكرّس احتكاراً سياسياً. أما حكومة يسار الوسط فلم تنل أكثر من 45 في المئة من الأصوات في حين حصل حزب البديل على 12 في المئة والحزب الليبيرالي على 6 في المئة. وستركز الأحزاب البرلمانية في المرحلة المقبلة على استعادة قسم غير قليل من الناخبين الذين تركوها احتجاجاً وصوّتوا لحزب البديل الذي نشأ قبل سنتين. وإن نجحت أحزاب اليسار في ذلك يمكن أن يأفل نجم مركل بعد 12 سنة من الحكم، وإن لا، سيبقى ساطعاً في السماء، اربع سنوات أخرى فتتساوى في مدة الحكم مع عرابها وغريمها اللاحق مستشار الوحدة الألمانية هلموت كول.