قدم كل من فرقة الأوبرا وفرقة الباليه في القاهرة حفلة افتتاحية مشتركة لموسمهما المقبل الذي يستمر حتى حزيران (يونيو) 2017، حظيت بإقبال جماهيري كبير. كما جاءت ناجحاً فنياً لأنها قدمت أهم الفرق التي تعبر عن النشاط الحقيقي لهذا المكان وهي الأوبرا والباليه والموسيقى السيمفونية المصاحبة والكورال. النجاح الفني بدأ من الفكرة التي تعد مبتكرة، اذ حدث تضافر متقن بين عنصري الغناء الأوبرالي الفردي والجماعي والباليه مستخدماً عناصر هذه الفنون وتلك المكملة لها من ديكور وإضاءة وأزياء وإكسسوار وحركة مسرحية. كما أن معظم فقرات البرنامج قُدّمت للمرة الأولى، وهي من عيون التراث العالمي، ما يُعد إضافة كبيرة للفرق وأيضاً للساحة الفنية المصرية. وكانت الحفلة عنواناً وتمهيداً لما سيشاهده الجمهور خلال الموسم. بدأت الحفلة بكلمة للفنان حسن كامي ألقت الضوء على دور دار الأوبرا في حياتنا الثقافية. وأتت الحفلة على شرفه، لأنه المؤسِّس الحقيقي لفرقة الأوبرا وصاحب دور في نشر هذا الفن ويعود له الفضل في تكوين ريبرتوار هذه الفرقة. تضمن البرنامج 12 فقرة في فاصلين، بدأ كل منهما برقصة باليه قدّمت للمرة الأولى وكانت رقصة «باكانيل» من أوبرا شمشون ودليلة من مؤلفات سان صانص (1835-1921). وفي بداية الفاصل الثاني، قدّمت الرقصات «البوليفستية «من أوبرا «الأمير إيجور» للمؤلف الروسي بوردين (1833-1887). واللوحتان من أشهر التابلوات الراقصة في الأوبرات وصمّمهما الروماني فالنتين بارتس. وكثيراً ما تُقدمان منفصلتين عن الأوبرا وبتصميمات مختلفة، وهنا مال المصمم إلى الناحية الكلاسيكية التي تعتمد على الإبهار في الحركة. وتمثل هذه الرقصات إضافة لفرقة الباليه المصرية وإثراء لرصيدها الفني، اذ تؤديها للمرة الأولى. ويشار هنا إلى أن أوبرا الأمير إيغور قدّمتها كاملة في مصر، فرقة نوفوسيبريك الروسية في زيارتها للقاهرة عام 1994. وبالنسبة إلى الغناء الأوبرالي كان معظمه آريات «أغاني» مهمة جداً في عالم الأوبرا ومعظمها ليست من «ريبرتوار» الفرقة مثل آرية «وحيدة منسية» من أوبرا «مانون ليسكو» للمؤلف الإيطالي بوتشيني (1858-1924) والتي أدتها السوبرانو إيمان مصطفى ببراعة، وآرية «كيف يغشى الظلام» من أوبرا ماكبث لفيردي، وآرية «العجل الذهبي مازال واقفاً» من أوبرا فاوست لشارل جونو (1813-1893) وقد أداها رضا الوكيل بحرفية شديدة حافظ فيها على النوتة الموسيقية والإحساس التعبيري والتمثيلي الذي تتطلبه. ومن مؤلفات جونو أيضاً تألقت داليا فاروق في أغنية «أريد أن أعيش» من أوبرا «روميو وجولييت». كما قدمت أغنية «عليّ أن أرحل بعيداً» من أوبرا لاوالي «LaWally» للمؤلف الإيطالي كاتالاني (1854-1893) التي شدت بها منى رفلة بطريقة تعبيرية متميزة. وأدّت رشا طلعت أغنية «فالس القبلة» للويجي أرديتي (1822 -1903) بطريقة حيوية راقصة. وتضمن البرنامج أعمالاً أوبرالية من ريبرتوار الفرقة اختيرت بعناية مثل الأغنية البوهيمية من أوبرا كارمن للمؤلف الفرنسي جورج بيزيه (1838-1875) التي شدت بها الميتزوسوبرانو جولي فيظي بصوت رخيم. ومن الأوبرا ذاتها شدا مصطفى محمد بصوته البراق وأدائه التمثيلي البارع بأغنية المصارع. ومن «مدام بترفلاي» لبوتشيني قدمت إيمان مصطفى والتينور هشام الجندي ثنائي «حبيبتي ذات العيون الساحرة»... وكان الختام مع مختارات من أوبرات «الأميرة الغجرية» و»الأرملة الطروب» لكالمان وفرانز ليهار وجاءت باللغة العربية. واختيرت فقرات كوميدية كانت فرصة جميلة لتجميع كل المغنين المشاركين، ثم انضم إليهم النجوم عبدالوهاب السيد وإلهامي أمين وإبراهيم ناجي والكورال الذي كان نجماً في عدد من الفقرات من تدريب ألدو مانياتو. أما رقصات الباليه التي أشرفت عليها وصممت بعضها أرمينيا كامل، فشارك وتألق فيها عدد كبير من نجوم الفرقة، منهم سحر حلمي ورجوي حامد وأحمد يحيى ولؤي أحمد وممدوح حسن. ومن نجوم الحفلة وأحد أسباب نجاحها المايسترو الإيطالي دافيد كريشنزي الذي استطاع أن يمسك بزمام الأمور ويدير الأوركسترا والمغنين والراقصين على المسرح باقتدار وانسجام. أما ديكور محمود حجاج فجاء مبهراً ومبتكراً وكان عبارة عن مجسم لهيكل الأوبرا الخارجي، وعلى الجانبين تصميمات وملصقات لأهم العروض الفنية التي ستُعرض خلال الموسم. وتعامل مصمّم الإضاءة ياسر شعلان بحرفية اذ لم يعتمد على الإبهار العشوائي بل كانت الإضاءة معبرة عن الأحداث وتضافرت مع الديكور. وقد نجح المخرج عبدالله سعد في جمع كل هذه العناصر في بوتقة من الجمال والحركة المسرحية المدروسة وأحسن استغلالها وتوظيفها.