أبدى صندوق النقد الدولي تفاؤلاً في مستقبل الاقتصاد المغربي على المدى المتوسط، متوقعاً ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي نحو 42 بليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، ليسجل 1.354 تريليون درهم (142 بليون دولار) عام 2021، مقارنة ب982 بليون درهم عام 2015، ومستفيداً من عودة النمو المتوقع أن يرتفع تدريجاً من 1.8 في المئة خلال العام الحالي إلى 4.7 في المئة عام 2020. وأكد الصندوق، الذي منح الرباط الأسبوع الماضي غطاءً مالياً ائتمانياً قيمته 3.5 بليون دولار ينتهي عام 2018، أن تأثير الهزات الاقتصادية العالمية سيخف تدريجاً في السنوات المقبلة، وقد يجد الاقتصاد المغربي نفسه في وضع أفضل إذا استمر في تنفيذ عدد من الإصلاحات الهيكلية وزاد تنافسية الصادرات الخارجية والتدفقات الاستثمارية الأجنبية ومعها مناخ الأعمال. وتستعد وزارة المال والاقتصاد والمصرف المركزي إلى اعتماد إجراءات جديدة لتحرير صرف الدرهم أمام العملات الدولية وفي المبادلات الخارجية وحركة السياحة والسفر والتجارة الرقمية ونقل رؤوس الأموال، في إطار مزيد من الحرية المالية والنقدية. وأشار «صندوق النقد» إلى أن التحوّل إلى نظام الصرف الحر للعملة يُعدّ قراراً إيجابياً سيعزز الثقة في الاقتصاد المغربي. وأكد مصدر في الصندوق ل «الحياة» أن «تحرير العملة سيحتاج إلى وقت طويل وسيكون تعويم الدرهم بمعدلات ضعيفة في البداية لتبيان نجاح التجربة التي تهدف أساساً إلى تجنب التأثيرات السلبية لعدم استقرار صرف العملات الدولية، خصوصاً الدولار واليورو». وتهدف الخطة إلى تمويل جزء من مشاريع الاستثمار عبر حوافز، من دون اللجوء إلى الاستدانة الخارجية. ومدح الصندوق قرار المغرب واعتبره عنصر قوة، مؤكداً أن «المملكة اختارت طوعاً التحوّل إلى نظام الصرف الحر للعملات، على رغم أنها لا تحتاجه، بل هدفها فقط زيادة ثقة الشركاء ومحاكاة أي صدمات خارجية مستقبلاً». وتوقع الصندوق ارتفاع الصادرات المغربية نحو 7.5 في المئة سنوياً، والاحتياط النقدي من العملات والذهب إلى 46 بليون دولار مع نهاية العقد الجاري، تغطي 9 أشهر من الواردات، في مقابل 26 بليوناً خلال العام الحالي. وستبلغ نفقات الموازنة نحو 382 بليون درهم والأجور 159 بليوناً والاستثمارات العامة 104 بلايين والعجز المالي 26 بليوناً، بينما ستمثل الديون الخارجية نحو 29 في المئة من الناتج المحلي، وسيسجل عجز الميزان التجاري 2 في المئة يمكن تمويله من مداخيل السياحة وتحويلات المغتربين والتدفقات المالية والاستثمارات الأجنبية. وأصبحت العناصر الخارجية والمناخية أكثر حسماً في الاقتصاد المغربي من العوامل الداخلية، بغض النظر عن اللون السياسي في الحكومة المقبلة بعد انتخابات 7 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وتأكد هذا الواقع بعد الأزمة الأوروبية وثورات «الربيع العربي» والتغيّر المناخي. ويبدو الأمن والاستقرار من منافع الاقتصاد المحلي وقد يكون تعافي الاقتصادات الأوروبية وتقليص تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد، وبداية الحلول السياسية في القضايا الإقليمية من سورية والعراق واليمن إلى ليبيا وفلسطين، من العوامل المساعدة لزيادة السياحة والاستثمارات في المغرب، كما أن ارتفاع أسعار الطاقة بين 15 و20 دولاراً لن تضرّ بالاقتصاد. وأشار صندوق النقد إلى أن «ارتفاع أسعار الطاقة في المستقبل لن يؤثر في فاتورة الواردات، إذ ستبلغ نحو 7.4 في المئة من الناتج المحلي خلال العقد المقبل، مقارنة ب12.4 في المئة عام 2012، بفضل تحول الاقتصاد المغربي إلى الطاقات الشمسية والمتجددة التي ستؤمن أكثر من نصف الحاجات الوطنية من الكهرباء». ومنحت مصارف ألمانية الأسبوع الماضي تمويلات لمشروع الطاقة الشمسية في ميدلت (جبال جنوب المغرب)، قيمتها 710 ملايين يورو لبناء محطة حرارية ستُربط لاحقاً بمحطة «نور وارزازات» التي تعتبر أكبر تجمع لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم وتنفذه مجموعة «اكوا باور» السعودية وشركات إسبانية. واعتبر الصندوق أن تنوع الاقتصاد المغربي وتحوله إلى التقنيات الجديدة والطاقات النظيفة وصناعة السيارات والطائرات، فضلاً عن الحفاظ على القطاعات التقليدية مثل الزراعة والسياحة والخدمات والحرف اليدوية، من شأنه تعزيز فرص التحوّل من اقتصاد نام إلى اقتصاد صاعد. وهذا سيناريو جيد إذا تم تحقيقه لأنه سيجنب أخطار المديونية ويرفع حجم الاستثمارات والنمو والدخل الفردي بنحو 900 دولار، أي زيادة مقدارها 372 بليون درهم في الناتج المحلي خلال السنوات الخمس المقبلة. ولكن طريق النجاح يحتاج إلى مزيد من الإصلاحات، وفي طليعتها معاودة النظر في منظومة التعليم والتكوين ومجاراته للتحولات الدولية وحاجة سوق العمل، والتغلب على بطالة الشباب وجودة التأهيل البشري.