لم تفلح كل المحاولات في تطبيق المقولة الشائعة «البنت من البيت، لبيت زوجها، للقبر»، فكان للمرأة أن تقتحم المواقع، وكان للعبة الأشهر «بوكيمون غو» أن تدفع الأهالي لمنعها عن الفتيات، وحصرها على الأولاد، هذا بحكم طبيعة اللعبة، وكثرة تنقلاتها و«اقتحامها» للمواقع تارة خلسة، وتارة باستئذان. إلا أن هوس اللعبة دفع بالأولاد للشارع وللجيران ولمرافق عدة، الأمر الذي لا يتناسب وطبيعة المجتمع، ليتسنى للفتاة أن تخوض اللعبة، وتتصيد، لتكون هي «الفريسة» بحسب بعض الأهالي. التطبيق الجديد، الذي لاقى رواجاً كبيراً بين السعوديين من مختلف الأعمار، والذي يسمى «بوكيمون غو»، يتيح للشخص اصطياد «البوكيمونات»، التي تظهر أثناء اللعب بصورها «الإنمي» الملون، بواسطة رمي كرة افتراضية من شاشة الجوال نحو «البوكيمونات»، التي يجدها في مرافق عدة على أرض الواقع، وبتتبع عبر خرائط غوغل، الأمر الذي أدخل ممارسي اللعبة في عالم من البحث واللحاق بها، لا يخلو من عنصري الإثارة والتشويق لدى البعض، فيما آخرون اكتفوا بموقف المتفرج والنظر إلى المشهد بسخرية. «البنت ما تبكمن»، تأتي العبارة السابقة مع حدة في اللهجة وارتفاع في الصوت، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الأسر من السماح لبناتهم بتحميل اللعبة والانطلاق في مراحلها الأولية، وبعد البداية كان من صيد «بوكيمون» في المنزل، ثم أصبحت «محاولات البحث» في الأسواق، وفي البيوت أثناء الزيارات. تقول نورة سالم (إحدى الأمهات) ل«الحياة»: «تمشي الفتاة من دون وعي وإدراك في المجمعات التجارية، لا تبحث عن سلعة تشتريها، بل عن (بوكيمون) لتصطاده، تصطدم بهذا، وتستأذن ذاك، ما يجعل الفتاة محطاً للتحرش وللسخرية، فهل ننتظر أن تقع بناتنا في مواقف لا تحمد عقباها؟». من جانبهم، أشار آخرون إلى مرحلة متقدمة من اللعبة، من خلالها يتم «تكوين مجموعات للمحادثة، والاتفاق على اللقاء في مواقع لصيد (بوكيمون)، وتساءلوا: كيف للعبة كهذه أن تتلاءم مع خصوصية المجتمع؟». ويواصل عشاق اللعبة ممارستها على رغم «إشباعهم» تهكماً وسخرية، وصل إلى حد «النكتة»، ليدخل الجانب الأمني على الخط، «محذراً من الحوادث والخسارة المادية والبشرية»، ويوازيه الخط الديني الذي أطلقه الأزهر ب«تحريم اللعبة، لأنها تجعل الناس كالسكارى في الطرقات»، ناهيك عن «تداول أخبار في الولاياتالمتحدة الأميركية حول استدراج الأطفال، ومحاولات للسرقة». إضافة إلى تحذير أسترالي أميركي من اللعبة «وخصوصاً في الميترو». «بوكيمون» لم يكن محط جدل من اللعبة فقط، إذ كان مصدراً للخلاف منذ انطلاقة «المسلسل الكرتوني» عام 2001، وكان السبب حينها أمور تمس الذات الإلهية، ونظرية التطور، وتنمية حب القِتال. وبعد أن كانت «البوكيمونات» محصورة في عالمها الافتراضي عبر جهاز «قيم بوي» خلال منتصف التسعينات من القرن الماضي، تحررت أخيراً بإصدار جديد، وانطلقت بهيئة افتراضية فرضت نفسها في عالم الواقع، باكتساح منقطع النظير، شاملاً سكان الكرة الأرضية برمتها، وحققت على إثرها أرباحاً خيالية لملاكها في فترة قياسية. وعلى رغم ما تتميز به لعبة «البوكيمون غو» التي قامت شركة نانتيك، بعد انفصالها العام الماضي عن شركة غوغل، بتطويرها، إذ كانت «البوكيمون» سابقاً ملكاً لشركة نيتندو اليابانية، بخاصيتين الأولى دمجت العالم الافتراضي بعالم الواقع، وتعد هذه سابقة لها، إضافة إلى أنها بددت الفكرة السلبية السائدة عن الأجهزة الذكية وتطبيقات الألعاب الإلكترونية، كونها تشل حركة الجسد وتجعله متسمراً أمامها، دافعة بممارسي هذه اللعبة إلى المشي والحركة، إلا أن ذلك لا يعني خلوها من آثار سلبية، وهو ما أشار إليه دكتور الإعلام الرقمي عبدالله المغلوث، إذ بين أن من سلبياتها سرقة الوقت. وقال: «إذا كانت الألعاب الأخرى تخطف ساعة أو ساعتين أو ثلاث من وقتك؛ فهذه تسرق جل يومك وأنت تطارد «بيكاشو» وأخواتها. وكذلك تكمن خطورتها في انتقال الأطفال الصغار إلى أماكن خطرة تعرضهم للمخاطر». وأضاف: «لا ننسى موضوع غياب التركيز عند بحثنا عن (بوكيمون)، ما يعرضنا لحوادث لا يحمد عقباها»، مشدداً على متابعة الأطفال وتحديد أوقات وأماكن محددة لا يتجاوزونها، حتى لا تتحول من تسلية ومتعة إلى خطر ومصدر مشكلات. أما عن إيجابيتها، فأوضح المغلوث في حديثه إلى «الحياة»، أن لعبة «البوكيمون» لها مميزات عدة، أهمها تعزيز اللياقة البدنية، عكس الألعاب الأخرى، التي تحرض على الجلوس وعدم الحركة، وقال: «أثبت برنامج (كارديو غرام) المتوافر في ساعات أبل ارتفاعاً ملحوظاً في معدل الحركة والنشاط لدى مستخدمي أبل في الأسبوعين الماضيين. ويعطي دلالة أن اللعبة أثرت إيجابياً في نشاط لاعبيها». وتابع: «النجاح الكبير الذي تسجله اللعبة يومياً على مستوى العالم يؤكد المستقبل الكبير الذي ينتظر ألعاب (Augmented Reality) أو الواقع المعزز، وهي تقنية تعتمد على إسقاط الأجسام الافتراضية والمعلومات في بيئة المستخدم الحقيقية لتوفر معلومات إضافية، أو تكون بمثابة موجهاً له». مؤكداً أن «اللعبة ستزيد من حظوظ كل الألعاب المستقبلية، التي تعتمد على هذه التقنية، مثل النظارات الذكية والعدسات اللاصقة المتطورة». وأشار إلى أن الاهتمام الكبير والمتزايد لشعوب العالم بمختلف مشاربهم وخلفياتهم يعكس انجذابه نحو هذه التقنية، التي ستغير ملامح استخدامنا التقليدي، سواء للألعاب أم حتى المشاركة في الشابكة. وتوقع المغلوث أن لعبة البوكيمون ستستمر في تحقيق مكاسب كبيرة، لافتاً إلى أن «مصيرها سيكون مثل مصير غيرها من الألعاب. صعود ثم استقرار فانخفاض»، كاشفاً أنها أعلنت انتصاراً كبيراً لتقنية «الواقع المعزز»، التي ظلت محل تشكيك لسنوات، وستفتح اليوم الباب لألعاب ومواقع أخرى تعتمد هذه التقنية. يذكر أن الأزهر أصدر فتوى أخيراً، بتحريمها، واصفاً مستخدميها بالسكارى الذين يهيمون في الشوارع والطرقات وهم يتابعون شاشة الهواتف المحمولة، التي تقودهم إلى أماكن وجود البوكيمونات، عاداً إياها ضرباً من الهوس الضار بحياة ومستقبل الشغوفين بهذه اللعبة.