كشفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» أمس رصدها مخالفات وتجاوزات وأوجه تقصير وإهمال في مجمّع الأمل للصحة النفسية، معتبرة أن ما تم رصده يدخل في نطاق شبهة الفساد، باعتبار أن ذلك يعد من سوء الاستعمال الإداري، واستغلال النفوذ الوظيفي، وتبديد الأموال العامة، وسوء استخدام الممتلكات الحكومية، فيما نفت إدارة مجمع الأمل للصحة النفسية في الرياض ما ذكره تقرير هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» عن وجود مخالفات إدارية، ومظاهر فساد وإهمال وتسيّب، واستغلال للنفوذ الوظيفي، وتبديد للأموال العامة. وأشار مصدر مسؤول في «نزاهة» عبر بيان صحافي أمس، إلى أن الهيئة كلّفت فريقاً متخصصاً بالوقوف على الوضع، ومقابلة المسؤولين، والحصول على المعلومات في مجمّع الأمل، مبينة أنه تم رصد قصور في تقديم الخدمات للمرضى، يتمثل في نقص بعض الأدوية المهمة، وتعطّل بعض الأجهزة الطبية، وعدم وجود أماكن مخصصة لزيارة أُسر مرضى الإدمان لمرضاهم، ووجود تجاوزات ومحاباة في تنويم المرضى، وقيام بعض الأطباء الاستشاريين بالعمل في عيادات خاصة خلال الفترة المسائية، وتسيّب بعض الموظفين، لاسيما رؤساء الأقسام ومديري الإدارات، وعدم قيامهم بإثبات حضورهم وانصرافهم. وأوضح أنه تبيّن استفادة بعض الموظفين من مؤهلات وخبرات غير صحيحة، لغرض الترقية والتسكين على وظائف أعلى من الوظائف التي يستحقونها، وتكليف متعاقدين غير سعوديين على وظائف إدارية وقيادية، على رغم وجود الكفاءات الوطنية التي تملك التخصصات ذاتها. وأضاف: «كما لوحظ تكليف المعيّنين على لائحة الوظائف الصحية بأعمال إدارية، وإساءة استخدام السيارات الحكومية في التنقلات الشخصية، وبقائها لدى بعض الموظفين، وحصولهم في الوقت ذاته على بدل الانتقال الشهري، وهم لا يستحقونه، وقيام بعض الموظفين بالالتحاق بالدراسة في بعض الجامعات من دون الحصول على موافقة جهة عملهم، وقيام بعض المسؤولين في وزارة الصحة باستغلال نفوذهم في السكن في مساكن المجمّع، والتعديل في تصاميمها تلبية لحاجاتهم». وأفاد أن من ضمن المخالفات المرصودة أن نظام إنذار الحريق، وكواشف الدخان، وأجراس الإنذار، وإطفاء الحريق والرش الآلي لا تعمل، وتدني مستوى الصيانة والنظافة في المجمّع، مؤكداً أن وضعه عموماً لا يمكّنه من توفير الرعاية المطلوبة للمرضى. وقال إن الهيئة قامت بإحالة ما وقفت عليه من شبهة الفساد والتجاوزات والمخالفات المالية والإدارية إلى الجهات المختصة بالتحقيق، فمنها ما أحيل إلى هيئة الرقابة والتحقيق، ومنها ما أحيل إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، ومنها ما أحيل لوزير الصحة، بطلب التحقيق مع من تثبت مخالفتهم وتجاوزاتهم، وتطبيق العقوبات النظامية في حقهم، مضيفاً: «كما طلبت العمل عاجلاً على تصحيح أوضاع المجمّع بما يكفل تقديم رعاية طبية وخدمات أفضل للمواطنين، تطبيقاً للأمر السامي القاضي بالحرص على تقديم الخدمات بأفضل مستوى». وعزت الهيئة الوطنية إصدارها للبيان إلى ما نشر على لسان المدير التنفيذي للمجمّع من أن جهات رقابية عدة، ولجاناً من وزارة الصحة وإمارة الرياض وقفت على أحوال المجمّع، «ولم ترصد أية تجاوزات أو محاباة في التعامل مع المرضى، وأن إدارته قامت بتفعيل برنامج خدمة المرضى في منازلهم لعدم توفر العدد الكافي من الأسرِّة، وأنه يتم فرز المرضى في قسم الإسعاف والطوارئ، ما قلّص مدة انتظارهم إلى أقل من نصف ساعة، وأن الوقت الذي يستغرقه المريض للحصول على نتيجة التحاليل في القسم لا يتجاوز 40 دقيقة»، إذ رأت من واجبها إطلاع الرأي العام على الحقيقة التي تتنافى مع ما ذكره الرئيس التنفيذي للمجمّع. بينما أكد مجمع الأمل في بيان صحافي (حصلت «الحياة» على نسخة منه) أمس، أن تحقيقات «نزاهة» مخترقة، وبالأدلة التي يأتي من أهمها أن نتائج اللجنة نشرت عبر أحد معرفات موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» الذي يقوم عليه بعض الموظفين المقصرين، قبل أن ترسله «نزاهة» إلى وسائل الإعلام بشهر كامل. ورحب المجمّع بأي تحقيق من أية جهة مختصة ومحايدة حول ما ذكره بيان «نزاهة»، موضحاً أن أعماله مبنية على الشفافية والوضوح، وأنه يعمل بكل صلاحياته وإمكاناته المتاحة لتقديم أفضل الخدمات للمرضى. وأوضح أنه يرفض التشكيك في اللجان التي شكلت من جهات محايدة عدة، ومنها إمارة منطقة الرياض، وهيئة الرقابة والتحقيق، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، التي أكدت عبر 11 محضراً وتقريراً أن مجمّع الأمل يعمل بشكل جيد، وأن ما يثار حوله في وسائل الإعلام مجرد تهويل من موظفين مقصرين. وأشار إلى أنه عمل على التنسيق مع هيئة مكافحة الفساد أكثر من مرة في شأن أحد موظفي اللجنة المشكلة منهم، والذي لوحظ أنه يعمل بأسلوب غير مناسب، ويتبنى رأي أحد الموظفين المقصرين، موضحاً أن المجمع خاطب «نزاهة» بخطاب رسمي في تاريخ 10 جمادى الأولى 1435ه، ونبهها إلى تخوّفه من أن تحقيقاتها مخترقة. يذكر أن تقرير هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» عن مجمع الأمل للصحة النفسية في الرياض يأتي على خلفية قتل المواطن السعودي الملقب ب«أبوملعقة» لعامل محل التموينات في الرياض خلال الأسبوعين الماضيين، وأحدثت الجريمة رد فعل واسع لدى الرأي العام السعودي. وكان مصدر مطلع في مجمع الأمل للصحة النفسية في الرياض (فضل عدم ذكر اسمه)، أكد ل«الحياة» أن «أبوملعقة» راجع المستشفى قبل ارتكابه الجريمة بأسبوع، ولم يتم تنويمه لعدم وجود أسرّة شاغرة، وسبق له تلقي العلاج في «مجمع الأمل»، وهو من ضمن مرضاه المعروفين.