تثير الأعمال التي ارتكبها أردنيون موالون لفكر تنظيمات إرهابية مثل «داعش» أخيراً، داخل الأسر الأردنية وفي الأوساط المثقفة جدلاً واسعاً ولغطاً وسجالات على أوراق الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، تتحدّث كلها عن كيفية تجنيب النشء الجديد تبنّي أفكار ظلامية. وتقف أسر أردنية على مفترق طرق بين هذه الآراء محاولة تلمّس خطاها في المرحلة المقبلة، والنأي بأطفالها عن تبنّي هذة الأفكار، كما يؤكّد إسماعيل القلعي، مشيراً إلى هذه الخطوات الوقائية التي تسعى أسر إلى اعتمادها مع أفراد منها، لا سيما الفتيان أو ممن هم في مرحلة الشباب المبكر، درءاً لتبنّي الفكر «الداعشي». ويضيف القلعي، وهو رب أسرة، أن هؤلاء الشباب يتحوّلون بسرعة فائقة من الحالة الطبيعية التي تغلب عليها مظاهر الحياة الحديثة من لباس وتسريحات شعر وسهرات في المقاهي، إلى التديّن المتطرّف وإطلاق اللحى، وتكفير كل من لا يوافقهم الفكر الظلامي. ويكشف أحد الآباء، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن علامات التديّن لم تكن تظهر على ابنه الذي كان يدرس الطب في إحدى بلدان أوروبا الشرقية، حتى أنه لم يكن يصلي. ويضيف: «استمر على هذه الحال حتى السنة الرابعة من دراسته الجامعية، والتي كان خلالها كما رآه في زياراته السنوية لأسرته أقرب إلى المجنون، غير أنه فجأة ومن دون مقدّمات تحوّل خلال أيام إلى ملتحٍ يكفّر أفراد أسرته ويدعوهم إلى التوبة إلى الله والالتحاق بدولة الخلافة». ويحاول معلقون كثر على وسائل التواصل الاجتماعي تشريح الأسباب، التي تدفع شباناً في مقتبل العمر إلى تبنّي مثل هذا الفكر الظلامي، والتحوّل إلى «ذئب منفر» يكفّر مجتمعه وحتى والديه وأسرته، مشكّلاً خطراً على المجتمع والدولة، من خلال تنفيذ عملية إرهابية لإثبات ولائه للتنظيم. وقد بلغ الجدل والنقاش أخيراً حدّ الدعوة المبطّنة من قبل مثقفين وأبرزهم الكاتبة المشهورة زليخة أبو ريشة لإغلاق دور تحفيظ القرآن باعتبارها «مراكز لغسيل الأدمغة وتنشئة جيل «داعشي». كما اعتبرت أن «هذه المراكز تقدّم خطاباً أيديولوجياً، والكثير من الخطاب الشوفيني، وخطاب الكراهية»، واصفة «مرتاديها من أطفال بأنهم خلايا نائمة». فيما يذهب آخرون إلى المناهج المدرسية وتحميلها مسؤولية «دعشنة» جيل بكامله، بسبب ما تحمله في ثناياها من غلو وتطرّف وخطاب كراهية. وأبرز هؤلاء الخبير التربوي ذوقان عبيدات، الذي رأى في دراسة نشرها أخيراً بعنوان «الداعشية في مناهجنا الدراسية»، أن الثقافة الدينية واسعة الانتشار في الكتب، لكن ثقافة من يدرّسونها يمكن أن تعكس مواقف عدة، وقد تُنقل إلى التلامذة بطريقة سلبية أو «داعشية»، فمثلاً الجهاد، فرض عين، ولا يتأخر أحد عن الجهاد، إلا بعذر حقيقي، والله يضمن المجاهد بالجنة أو العودة إلى منزله. وتمتد دروس الجهاد في سنوات الدراسة. والجهاد في سبيل الله، يتضمّن هداية العالم بأجمعه، وإزالة أية عقبات أمام انتشار الدعوة الإسلامية. وفي كتاب الثقافة العامة، حُشد أكثر من 85 آية قرآنية، وعشرات الأحاديث النبوية، في وحدة دراسية واحدة، لا علاقة لها بالموضوع، حيث كانت الوحدة في الفلسفة والمعرفة. وفي كتب اللغة العربية والتربية الوطنية المطوّرة والمعدّة حديثاً، رُصد 20 درساً في اللغة العربية، من أصل 46 درساً، معززة بثقافة إسلامية، تعزز الفكر الديني، مثل ضرورة إهتمام المسلم بمساعدة المسلمين، من دون الإشارة إلى مكوّنات المجتمع الأردني المختلفة. وسأل عبيدات عن معنى وجود مسؤولية على الشخص لمحاربة «ما يراه منكراً». وهل هناك حدود للمُنكر، كما يراه معلّم ما أو تلميذ ما؟ حتى لو وضع الدليل ضوابط؟ المشكلة في مناهجنا التي يسهل إستغلالها داعشياً. في المقابل، يصف آخرون هؤلاء المفكرين ب «العمالة»، وبأنهم «يطبّقون أجندات غربية هدفها إزالة الآيات القرآنية من المناهج الدراسية، بالاتفاق مع مؤسسات للمجتمع المدني»، وفق المفكّر أيمن جمعة. فيما يرى الأسير الأردني السابق سلطان العجلوني في تعليق على صفحته على «فايسبوك» أن «نخباً يسارية علمانية متطرّفة بدأت الحملة، وتمهّد الطريق بتشجيع من بلدان إقليمية وأجنبية». ووصف الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي على صفحته على «فايسبوك»، الكاتبه زليخة أبو ريشة بأنها «نوال السعداوي بطبعتها الأردنية». وقال أن «مجرّد التعميم على مراكز تحفيظ القرآن، يعني أن هذه السيدة هي من يحمل خطاب الكراهية ضد الدين والمجتمع كله».