بات في حكم المؤكد أن «حزب الله» يتحرك في اتجاه القيادات السياسية اللبنانية في محاولة جادة منه لتسويق مجموعة من الأفكار تتجمع في سلة واحدة من شأنها أن تفتح الباب أمام الخروج من المأزق الذي يرزح تحت وطأته لبنان منذ الشغور في سدة الرئاسة الأولى الذي دخل عامه الثالث. وتربط هذه الأفكار انتخاب رئيس جديد بالاتفاق على اسم الرئيس العتيد وقانون انتخاب جديد والحكومة الجديدة، سواء بتركيبتها الوزارية أو ببيانها الوزاري. وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية على صلة وثيقة بقوى 14 و8 آذار، بأن الحزب بدأ جولة من المشاورات في سياق استمزاج آراء الأطراف السياسيين الرئيسيين في البلد حول اقتراحه ضرورة التفاهم على سلة متكاملة من بين بنودها انتخاب الرئيس على أن يكون حتماً رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، بذريعة أن لا جدوى من انتخابه ما لم يكن مقروناً بالتفاهم المسبق على هذه السلة بكل بنودها من دون استثناء. وقالت مصادر سياسية أخرى مواكبة للمشاورات التي يجريها «حزب الله»، إن الأخير يصر على انتخاب عون رئيساً للجمهورية، معتبرة أن إصراره عليه يعني رغبة بتعيينه في هذا المنصب من طريق اجراء انتخابات رئاسية شكلية، طالما أن ما كتب من وجهة نظره قد كتب وأن لا عودة عنه. وسألت المصادر نفسها إذا كان إصرار «حزب الله» على التوافق على سلة سياسية متكاملة هو أقرب، بتمسكه بكل بنودها، إلى تمرير تشكيل هيئة تأسيسية تأخذ على عاتقها إعادة التأسيس لقيام نظام سياسي جديد، لأن ما يجمع بين السلة وهذا المؤتمر خيط رفيع يمكنه الولوج من خلاله إلى إعادة ترتيب البيت السياسي اللبناني على أسس جديدة تتعارض مع كل ما هو منصوص عليه في اتفاق الطائف. ولفتت إلى أن «حزب الله» يصر من خلال اتصالاته على تمرير صفقة سد جنة رغبة منه بتسليف حليفه عون دفعة على الحساب، ريثما يسدد له الدفعات الأخرى من خلال التفاهم على البنود التي أوردها في سلته السياسية. وأكدت المصادر عينها أن «حزب الله» يسعى للاستفادة من الأفكار التي طرحها ويطرحها حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وقالت إنه يتعامل معها على أنها بمثابة محاولة جادة للوصول في نهاية المطاف إلى فرض سلته أمرًا واقعًا. بري وجنبلاط وسألت اذا كان الرئيس بري في الأجواء السياسية التي كانت وراء مبادرة «حزب الله» إلى التحرك لتسويق هذه السلة، ورأت أن رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط يتموضع الآن في منتصف الطريق لأنه يريد مراعاة الرئيس بري من دون أن يزعج زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري. واعتبرت أيضاً أن هناك من يراهن على ثلاثية الحوار الوطني في جلساته المتتالية التي يعقدها في الأسبوع الأول من آب (أغسطس) المقبل، لتشكل فرصة ل «حزب الله» لطرح السلة في العلن، خصوصاً أنه على تواصل مع حليفه الرئيس بري وآخرين من خارج الاصطفاف السياسي ل «8 آذار»، وتحديداً لدى القوى والشخصيات السياسية التي تصنف نفسها في خانة الوسطيين. وتوقفت المصادر هذه أمام الحملة السياسية المنظمة التي بدأت تستهدف رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة على خلفية أنه يقف وراء الهجوم على هذه السلة، وأنه يتولى التحريض عليها في تواصله مع بعض حلفائه في «14 آذار». ورأت أن الحملة هذه على الرئيس السنيورة لن تحقق لأصحابها أهدافهم، وعزت السبب إلى أنه ليس من الذين يفتحون على حسابهم في تعاطيهم مع المشكلات العالقة في البلد وبالتالي فهو على تنسيق بكل التفاصيل مع الرئيس الحريري. وفي هذا السياق، سألت من قال لكم، في إشارة مباشرة إلى منظمي الحملة على السنيورة، إن الحريري يؤيد الوصول إلى تفاهم حول هذه السلة؟ وأكدت أن لسانهما السياسي واحد في رفض هذه السلة، لأن من وضعها أراد سلفاً أن تأتي على قياس العماد عون من دون الآخرين. وأكدت أن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع المؤيد لترشح عون لرئاسة الجمهورية ليس في وارد الالتحاق بهذه السلة، لما يمكن أن تحمله من «ألغام سياسية» قد تنفجر في وجه اتفاق الطائف، لاستبدال اتفاق آخر به، مع أن هناك حاجة لاستكمال تطبيقه، وإما ليس بشكل استنسابي، إضافة إلى ضرورة تنقيته من الشوائب التي أدت إلى سوء تطبيقه في عهد وصاية النظام السوري على لبنان. واعتبرت أن ما ينطبق على الحريري وجعجع في هذا المجال ينسحب أيضاً على حزب «الكتائب»، طالما أن السلة تقوم على ضمان انتخاب عون رئيساً للجمهورية. حوار «المستقبل» - «حزب الله» وعلى رغم أنه لم يتأكد إذا كانت السلة التي يروج لها «حزب الله» هي من النقاط التي أثيرت في الحوار الثنائي بين «المستقبل» و «حزب الله» الذي رعاه ليل أول من أمس الرئيس بري، الذي أقام إفطاراً على شرف أعضاء هذا الحوار في حضور معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل. وكان شارك في هذا الحوار من «المستقبل» مدير مكتب الحريري، نادر الحريري ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر، وعن «حزب الله» المعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل والوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله، إضافة إلى ممثل بري الوزير خليل. وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة للحوار الثنائي بأن ممثلي «حزب الله» عبروا عن رغبتهم في الوصول إلى تسوية سياسية من شأنها أن تخرج البلد من المأزق من دون أن يطرحوا ما لديهم من أفكار وكأنه في سلة سياسية واحدة. كما علمت أن «حزب الله» لم يطرح أفكاره، ومن ضمنها دعمه ترشح عون لرئاسة الجمهورية، في سلة متكاملة، لكنه شدّد في سياق المداخلات على تمسكه بموقفه المؤيد لعون بذريعة أن انتخابه هو الضمانة الوحيد لتطبيق البنود التي ما زالت عالقة بلا حلول باعتباره الأقوى في الشارع المسيحي والأقدر على تنفيذ ما يتعهد به. وبالعودة إلى الحوار الثنائي، تأكد أن قانون الانتخاب الجديد احتل حيزاً رئيساً في الجلسة، وكان الحاضر فيه بامتياز اقتراحَي القانونين المختلطين، الأول كان تقدم به الرئيس بري وينص على توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين الأكثري والنسبي، والثاني هو نتيجة تفاهم بين «المستقبل» و «القوات» و «اللقاء الديموقراطي» ويقوم على النظامين الأكثري والنسبي، وإنما بانتخاب 68 نائباً وفقاً للأكثري و60 على أساس النسبي. وعلمت «الحياة» من مصادر في «المستقبل» أن ممثليه في الحوار أكدوا جديتهم في الوصول إلى قانون انتخاب جديد يؤمن صحة التمثيل ولا يُشعر فريقاً بأن هناك من يريد إلغاءه أو تحجيم حضوره في البرلمان لمصلحة فريق آخر. وقالت إن «المستقبل» لا يناور من وراء إصراره على ضرورة إقرار قانون جديد. ونقلت عن الحريري قوله: «نحن كنا أول من طرح، بالتعاون مع حلفائنا، مشروع قانون يجمع بين النظامين النسبي والأكثري، وبالتالي وافقنا على النسبية ولا أحد يبيعنا مواقف من كيسنا». ولفتت إلى أن «المستقبل» طرح مجموعة من الملاحظات على القانون المختلط الذي تقدم به بري، وخصوصاً بالنسبة إلى عدم اعتماده المعايير ذاتها في توزيع المقاعد النيابية بين النسبي والأكثري. وقالت إن ملاحظاته في هذا المجال لم تعد خافية على أحد. وفي المقابل، جدد «حزب الله» تمسكه بمشروعه القائم على اعتماد النظام النسبي مع تحويل لبنان دائرة انتخابية واحدة، مبدياً انفتاحه على المشاريع الانتخابية الأخرى ومؤكداً أن لديه ملاحظات على مشروع بري من دون أن يغوص في تفاصيلها. وكشفت المصادر أن البحث بقي محصوراً في المشروعين المختلطين، وقالت إن المشروع الذي أعدته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي ينص على تقسيم لبنان 13 دائرة انتخابية شرطَ اعتماد النظام النسبي، والآخر المعروف بالقانون الأرثوذكسي، بقيا خارج النقاش ولم يتم التطرق إليهما. إلا أن النقاش حول قانون الانتخاب سرعان ما فتح الباب أمام مطالبة «حزب الله» بإعطاء الأولوية لانتخاب برلمان جديد على انتخاب رئيس الجمهورية، بذريعة أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تدفع في اتجاه التفاهم على خريطة طريق لإيجاد الحلول للأزمات السياسية الأخرى. ورد «المستقبل» على موقف «حزب الله» هذا، بتأكيده أن الأولوية يجب أن تعطى لانتخاب الرئيس، لأنه لم يعد من مبرر لتمديد الفراغ في الرئاسة الأولى، إضافة إلى أن انتخابه يعيد انتظام عمل المؤسسات الدستورية على أن تكون الخطوة اللاحقة انتخاب برلمان جديد. الضمانات وسأل «المستقبل» عن الضمانات السياسية، ومن يؤمنها، لجهة أن انتخاب برلمان جديد سيقود حتماً إلى انتخاب الرئيس، وأيضاً من يتحمل مسؤولية العودة إلى المربع الأول في مسلسل الدعوات إلى انتخابه، في حال أن هذا الفريق أو ذاك لجأ مجدداً إلى مقاطعة جلسات الانتخاب ما لم يضمن انتخاب مرشحه رئيساً للجمهورية، ومن يؤمن نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس. لذلك، فإن السجال حول أولوية انتخاب الرئيس على انتخاب برلمان جديد سيتصاعد بوتيرة عالية، لا سيما أن أحداً لا يستطيع أن يعطي ضمانات ليس هناك من يكفلها بعد أن أسقطت «قوى 8 آذار» الضمانات التي أُقرت في مؤتمر الحوار في الدوحة ولم ينفذ منها سوى بند واحد، هو انتخاب العماد ميشال سليمان في حينه رئيساً للجمهورية. وعليه، فإن من يدعي أنه يؤمن مثل هذه الضمانات، هو أشبه بمن يعطي شيكاً بلا رصيد، وإلا لماذا أُسقط اتفاق الدوحة وبقي «إعلان بعبدا» لتحييد لبنان عن الحرب الدائرة في سورية حبراً على ورق؟!