تنقضي بعد غد الأربعاء المهلة المحددة للجنة التواصل النيابية المكلفة التوافق على قواسم مشتركة حول قانون انتخاب جديد، فيما تستبعد مصادر نيابية احتمال تصاعد الدخان الأبيض من قاعة الاجتماعات في البرلمان، على رغم أن البعض لا يزال يصر على تفاؤله ويراهن على الوصول إلى نتيجة في لقاءاتها التي تستأنف اليوم وتستمر ثلاثة أيام، في مقابل اعتقاد البعض الآخر بأنها ستغرق في دوامة جديدة من المراوحة طالما أن الاتصالات من خارجها لم تحقق أي تقدم، وهذا ما يدفع إلى احتمال تأجيل إجراء الانتخابات في موعدها في التاسع من حزيران (يونيو) المقبل إلى أيلول (سبتمبر) أو تشرين الأول (أكتوبر) المقبلين، مع ان تعليقها لأشهر قد يؤدي إلى تأخيرها لفترة زمنية أطول. وتؤكد المصادر النيابية ل «الحياة»، أن تأجيل إجراء الانتخابات بات بحكم المؤكد، وتقول إن التأجيل لشهور عدة يمكن أن يدفع في اتجاه تأخيرها دهراً، وهذا ما يطرح منذ الآن البحث عن صيغة لتبرير التأجيل، على أن تأتي في إطار اقتراح قانون يرمي إلى التمديد للمجلس النيابي الحالي، باعتبار أن الكرة الآن في مرمى البرلمان بعدما استحصلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على براءة ذمة، بذريعة أنها أحالت مشروع قانون للانتخابات إلى البرلمان قائماً على اعتماد النظام النسبي. حرب إلغاء وترى المصادر نفسها أن الخلاصة الوحيدة التي توصلت إليها لجنة التواصل النيابية قبل أن تنهي اجتماعاتها غداً، تكمن في أن المداولات بين أعضائها أفسحت المجال أمام اندلاع «حرب إلغاء»، بالمعنى السياسي للكلمة، بين اعتماد قانون عام 1960 الذي أدخلت عليه تعديلات في جلسات الحوار الوطني في الدوحة في أيار (مايو) 2008، وبين تظهير مشروع اللقاء الأرثوذكسي وكأنه الوحيد القابل للتطبيق. وتضيف أن حرب الإلغاء بين هذين المشروعين جاءت لمصلحة البحث في قانون انتخاب مختلط يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي، مع ان «التيار الوطني الحر» لا يوافق على معادلة «الإلغاء»، ويراهن على أن التمديد للجنة التواصل من قبل اللجان النيابية المشتركة سيؤدي، في ظل عدم الاتفاق على قواسم مشتركة، إلى التصويت مع معاودة اللجان اجتماعاتها في 18 الجاري على تعويم مشروع اللقاء الأرثوذكسي. مشروع «القوات اللبنانية» وتستبعد المصادر أن يؤدي استعداد ممثل حزب «القوات اللبنانية» في لجنة التواصل النائب جورج عدوان، لطرح مشروعه الخاص غداً، إلى تحقيق تقدم في اجتماعاتها، مع أنه يأخذ بعين الاعتبار اعتماد القانون المختلط كبديل من مشروع اللقاء الأرثوذكسي، وتعزو السبب إلى أن العناوين الرئيسة لمشروع «القوات»، وإن كان يبدو الأقرب إلى المشروع الذي طرحه ممثل كتلة «التنمية والتحرير» في اللجنة النائب علي بزي، مع اختلاف في تحديد نسبة النسبية في القانون المختلط وفي تقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد النيابية عليها، فإنه في المقابل ينطلق من الدوائر الصغرى. وفي هذا السياق، تسأل مصادر نيابية عن مدى التفاهم بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري و «القوات»، حتى ولو في حدوده الدنيا، وعن الأفكار المشتركة بينهما من خلال «الممر الأمان» الذي يؤمن التواصل بين بري وعدوان بالنيابة عن قائد «القوات» سمير جعجع؟ كما تسأل المصادر عينها عن صحة ما يتردد في أوساط النواب المستقلين المنتمين إلى «قوى 14 آذار»، من أن انفتاح جعجع على بري يهدف إلى تحقيق حد أدنى من التوازن الراهن بينهما حتى لو لم يصر إلى تطويره، في مقابل تفاهم الحد الأدنى القائم بين رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط وبين زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في ظل ما يقال في الغرف الضيقة من أن الأخير من خلال المبادرة التي طرحها، ومن ضمنها قانون الانتخاب، بات أقرب إلى جنبلاط من حلفائه؟ أين الحلفاء من مبادرة الحريري؟ وتسأل المصادر أيضاً عن موقف حلفاء الحريري من المبادرة السياسية التي أطلقها والتي يتجاوز فيها قانون الانتخاب إلى طرح تصوره المرحلي لإخراج النظام من أزمته السياسة الخانقة، وأيضاً عن صحة ما يقال عن أن رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس أمين الجميل كان الأقرب إلى تفهم أبعادها ومضامينها والتعاطي معها على أنها تشكل المدخل للخروج من التأزم، من خلال التفاهم على سلة شاملة لتوفير الحلول لها؟ وعلمت «الحياة» من مصادر نيابية بأن جعجع لم يعترض عليها، واعتبرها قابلة للنقاش بهدوء وبموضوعية، لكنه رأى أن قانون الانتخاب هو الأكثر إلحاحاً في الوقت الحاضر، إضافة إلى أنه لم يسحب مشروع اللقاء الأرثوذكسي من التداول إلا تحت شرط الاتفاق على القانون البديل. موقف جنبلاط ولفتت المصادر إلى أن الحريري في مبادرته السياسية يلتقي مع جنبلاط حول ضرورة الإسراع في وضع آلية لتشكيل مجلس شيوخ يُعهد اليه النظر في القضايا المصيرية، لكن الأخير لا يؤيد اعتماد الدوائر الصغرى في المطلق، مع أن تفكيره في مكان آخر، أي في التطورات التي تشهدها الأزمة السورية وتداعياتها، في ضوء مخاوفه من محاصرة الدروز في سورية بين فكي كماشة، مع أنه دعاهم للوقوف إلى جانب الأطراف المناوئين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وأكدت أن جنبلاط أبدى ملاحظات عدة على المشروع الانتخابي لتيار «المستقبل»، أبرزها رفضه تقسيم الشوف إلى دائرتين انتخابيتين، وعزل هذه الطائفة عن تلك، لما يترتب عليها من إحداث فرز مذهبي وطائفي هو بغنى عنه، خصوصاً أنه لم يفرغ حتى الآن من إتمام المصالحات في بعض مناطق الجبل. ولفتت إلى أنه يؤيد نقل المقعد الدرزي في بيروت إلى عاليه. بري الأبرع في المناورة وتعترف المصادر بقدرة بري على المناورة بغية استيعاب التأزم النيابي المترتب على الانقسام الحاد حول قانون الانتخاب، وتقول إنه نجح في حصر اجتماعات اللجنة الفرعية بعد التمديد لها، في البحث عن قانون مختلط يقوم على المناصفة بين النظامين الأكثري والنسبي، إضافة إلى المناصفة في انتخاب النواب وفق هذين النظامين، مؤكدة أن ممثل «حزب الله» في اللجنة النائب علي فياض، دعا إلى التعامل معه على أنه القانون المثالي، مشدداً على اعتماد المعايير المؤدية إلى تبديد الهواجس والمخاوف لدى المسيحيين، بإشعارهم أن القانون يؤمن لهم صحة التمثيل. ومع أن فياض لا يتدخل إلا نادراً في النقاش، ويتخذ لنفسه، كما تقول المصادر النيابية، موقع المراقب مع تأكيده على مراعاة حليفه «التيار الوطني»، فإن ممثل الأخير في اللجنة النائب ألان عون، لم يشارك حتى الساعة في النقاش حول القانون المختلط، وكأنه يراهن على تبني اللجان النيابية في اجتماعها المقبل مشروع اللقاء الأرثوذكسي، بعدما ربط نواب «تكتل التغيير والإصلاح» موافقتهم على التمديد للّجنة بطرح «الأرثوذكسي» على اللجان كبند أول للتصويت عليه. أين «حزب الله»؟ لكن المصادر النيابية تسأل عن موقف «حزب الله» من مشروع بري الذي طرحه بزي؟ وهل يكتفي باعتباره القانون المثالي، كما قال نائبه في اللجنة علي فياض؟ وهل يعقل أن رئيس المجلس لم ينسق مع قيادة الحزب التي تضطر إلى عدم التدخل مراعاة لحليفها العماد ميشال عون؟ وتضيف المصادر أن بري لم يقترح مشروعه الخاص بالقانون المختلط لإحراج حليفه «حزب الله» أو للتخلي عن حليفه الآخر جنبلاط في منتصف الطريق، إضافة إلى أن اعتماد مثل هذا القانون في حال تم التفاهم على توزيع النسب بين النظامين، وبالتالي تقسيم الدوائر الانتخابية، لن يلقى اعتراضاً من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لأنه ينطلق من النسبية. وتؤكد هذه المصادر أن معظم المشاريع المطروحة على أساس القانون المختلط، تأخذ بعين الاعتبار، من وجهة نظر أصحابها، الحصولَ على أكبر عدد من المقاعد النيابية، وتلغي مبدأ الغموض البناء الذي يشدد عليه ممثل «جبهة النضال» في اللجنة النائب أكرم شهيب، والذي يمنع أي فريق من إلغاء الآخر وبقوة القانون قبل إجراء الانتخابات. وتتوقف المصادر أمام موقف ممثل «الكتائب» في اللجنة النائب سامي الجميل، وتقول إنه من أكثر النواب شفافية، ولا يتحدث بلسانين ويصارح من لا يتفق معه بحقيقة موقفه، ويعارض الآخر شارحاً له أسباب معارضته. وتقول إن الجميل يطرح تصوره الأولي من المختلط انطلاقاً من مشروع الوزير السابق فؤاد بطرس، ومن تشديده على اعتماد الدوائر الصغرى، كونَها تؤمن صحة التمثيل طائفياً ومناطقياً. وهو يلتقي مع طرح «القوات» بوجوب الحفاظ على التوازنات من خلال التعاطي مع أي منطقة من زاوية تأمين صحة التمثيل. ولم تستبعد المصادر أن يكون هناك ارتباطاً بين طرح شهيب لنظام مختلط يتوزع منه 70 في المئة على الأكثري في مقابل 30 في المئة على النسبي، وبين المفاوضات الجارية ببطء بين الأطراف الرئيسيين من خارج اللجنة الفرعية، خصوصاً أنه يقوم على الغموض البناء الذي يترك لصناديق الاقتراع تحديد النتائج. «المستقبل» يراقب أما في شأن موقف «المستقبل» من المختلط، فقالت المصادر إن ممثله في اللجنة النائب أحمد فتفت يبدي انفتاحاً على التقسيمات الانتخابية على أساس النظامين النسبي والأكثري، من دون أن يحدد موقفه النهائي، على رغم أن الكتلة التي ينتمي اليها تبدي مرونة لجهة إعادة النظر في تقسيم الدوائر الواردة في المشروع الذي طرحه الحريري من ضمن مبادرته السياسية. وتضيف أن الحريري لم يطرح تقسيم الدوائر الانتخابية على أساس وضع الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما، إما قبولها أو رفضها، مؤكدة أن التقسيمات خاضعة للنقاش مع أن معظم الأطراف لم يتعاملوا مع المبادرة إلا من خلال قانون الانتخاب. وتؤكد أن القانون المختلط، وان كان يشكل نقطة تلاق في داخل اللجنة الفرعية، باستثناء «التيار الوطني»، فإنه أيضاً سرعان ما يتحول إلى نقطة اختلاف بسبب التباين حول تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد النيابية عليها. وترى أن «المستقبل» وإن كان لا يبدي رأيه حتى الساعة في المختلط ولا يلتزم أياً من هذه المشاريع، إلا أنه يتمسك بالدوائر الصغرى مع مراعاة بعض الخصوصيات. ولفتت المصادر إلى أن ما يواجه المختلط إصرار بعض الكتل على إخضاع دوائر صغرى من مقعدين إلى تقسيم بين أكثري ونسبي، لأن مثل هذا التقسيم لا يراد منه النسبية بمقدار ما أنه يهدف إلى تزوير الأكثري. ويبقى السؤال: هل تنجح اللجنة الفرعية مع اقتراب إنهاء مهماتها، في تدوير الزوايا والوصول إلى قانون مختلط يعيد الروح إلى إمكان إجراء الانتخابات بعد تأجيلها لسبب تقني، في ضوء تأكيد وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، أنه في حاجة إلى مزيد من الوقت لإعداد اللوائح على أساس المختلط؟ وماذا سيكون موقف الأكثرية في الحكومة مع فحوى المراجعة التي صدرت أخيراً عن هيئة القضايا والاستشارات في وزارة العدل، وفيها إصرار على تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات قبل ثلاثة أشهر من موعد إنجازها، أي أن تكون متلازمة مع توجيه الدعوات للهيئات الناخبة للاشتراك فيها؟ وبطبيعة الحال، فإن تشكيل هيئة الإشراف، سيدرج مجدداً على جدول «أعمال مجلس الوزراء في جلسته بعد غد برئاسة رئيس الجمهورية، الذي كان أصر على طرحها في جلسة سابقة عقدت في بعبدا ولقيت اعتراضاً من الوزراء المنتمين إلى قوى 8 آذار بالتضامن مع وزراء تكتل «التغيير». فهل يغيب الدخان الأسود والرمادي عن اجتماعات اللجنة الفرعية لمصلحة تصاعد الدخان الأبيض ولو تدريجياً، ليتحول «المختلط» إلى نقطة تلاق في اللجان المشتركة؟