مفردة الصيام تعني الامتناع عن شيء لأجل شيء أسمى. تحرم نفسك من أشياء اعتدت عليها كثيراً لأجل البحث عن رضا خالقك فيها. ولو تأملنا في مفردة الصيام هذه وحملناها معاً هنا وهناك لنفتش عن حالها مع كثير من الاتجاهات. فمثلا هل يصوم المثقف عن قلمه ويبتعد عنه، ويجعل أوراقه بلا حبر، هل يجد نفسه ممتنعاً عن شرب وأكل على نتاج ثقافي من خلال ندوة أو ملتقى. هل سيصوم فيه الناقد عن استعراضاته وقدرته على فهم كل شيء وهو أبعد ما يكون عنها! ضاعت هوية ثقافتنا وصامت أنديتنا الأدبية عن الانجاز، وتفرغنا لموائد المشاحنات والبيانات! في المقابل ذلك المسؤول الذي لا يصوم عن كرسيه أبداً ولا تصوم عنه القرارات المجحفة، هل من أمل في أن تصوم عنه المناصب واللجان، ونراه خارج أسوار القرار والمسار. ذلك المحلل السياسي متى سيعرف قلمه صياماً أبد الدهر عن تنظيراته وتجلياته التي جعلتنا أضحوكة العالم، وجعلت من اتخذه مستشاراً عنده يبتعد كثيراً عن مائدة إفطار النجاح والتألق! والأكاديمي في مكتبه وبين طلابه وخلف بحوثه متى سنرى له فطراً كما يجب، نتناول على مائدة ما يمنح مجتمعنا الرقي والتقدم، للأسف وضع الأكاديمي عندنا لا يزال في صيام عن المسار الصحيح وفطر على ما لا يليق، مما يجعلنا نبحث عن كفارات تلزمه ليعود إلى الطريق الصحيح! الأطباء والكادر الصحي، من خلالهم تعلمنا الصحة في الصيام، لكننا جعلنا الصحة بكاملها صائمة عن المنجز فيأتي وقت الإفطار وما نجد ما نفطر عليه، ويستمر الصيام ثانية. المرأة عندنا حتى متى والحل يصوم عنها، ولا تفطر إلا على شربة ماء تجعلها حية وتميرات لا تسد رمقها ولا تمنحها الثبات واليقين بحياة أجمل لها. ما يزال شأنها في مهب الريح لجان وقرارات وتوصيات وما من شيء يتحقق وتظل في صوم عن حياة تكون فيها سيدة اللحظة والقرار! شبابنا لا يزالون لا يعرفون هل يصومون أم يفطرون، يرون الكل يشير إليهم، لكن ما من شيء على الواقع يتحقق! الكل تخلى عنهم وأغرقهم في فلسفات وتنظيرات جعلتهم بلا هوية، فلا يعرفون متى يمسكون ومتى يفطرون؟ الفن والترفيه في بلادنا، الصيام فيه عن كل شيء والفطر فيه عن بعض الشيء، ولا يزال الكثير يبحث له عن شيء خارج الأسوار ليعرف كيف يعيش داخل الأسوار؟ الرياضة في بلادنا صامت عن الإنجاز طويلاً، وجعلتنا نفطر على تعصبات ونعرات وإفساد في كل اتجاه، فقدنا الفرح بطيباتها ولذات إنجازها, وخضعنا للديون والفساد والذمم وكل يرتكب ما يفسد وما من كفارة نلزمها به ليصلح حال صومه! سنتعب كثيراً ونحن نرى مفردة الصيام بمعناها السامي غائبة عن المشهد الروحاني في تفاصيل حياتنا وبين البشر حولنا. ما نزال نطمح في مؤسسات دولة تصوم عن التنظير والخطط المنتهية بالفشل، ونطمح في أن يكون التحول الوطني لرؤية 2030 أن يكون فطراً تبتل له العروق ويثبت به الأجر ونسعد حينها بصلاح العلم والعمل والنفس.