بين الثنايا المزركشة والطيات الملونة المحبوكة بعناية والخيوط الموشاة وزخارف الإكسسوار الدقيقة، اتخذ كيغام دجيغاليان، وهو فنان ومصمم متخصص في الفنون البصرية مقيم في باريس، عالمه السحري الذي دائماً ما يحاور فيه اللون في تقاطعاته التعبيرية الباذخة، أو الكتلة المتمثلة في جسد رشيق يتقاطع ويتوافق أو لعله يتعارض بانسجام مع الملابس والأزياء التي ترتديها عارضة. «أجد نفسي أتأمل في حوار الألوان والكتل، فيحركني طولاً وعرضاً وفي كل اتجاه، المصطف أو المتجاور أو المتقاطع، في فضاء جسد يعانق بانسيابية تصميماً فرنسياً، وآخر يسبح في فضاء جسد يبرز أكثر ما يخفي، وفي كل الأحوال ترتاح الكتل اللونية في فضاء الصور الفوتوغرافية حيث تجد كتلاً ثانوية تساعد في صَوغ توازن بصري للتصميم الفني»، كما يقول دجيغاليان ل «الحياة»، مضيفاً: «تتحول الصورة الفوتوغرافية إلى لوحة تتخذ بعدها التعبيري الخالص من عدسة الكاميرا، فتعد الشغوفين بمد جسور التواصل مع لقطات لعوالم فنية أخرى قد تكون أفسح وأقدر تعبيراً عن أفكار مصممي الأزياء». بدأ شغف دجيغاليان، وهو هولندي من أصول أرمينية فلسطينية، بالموضة والفنون البصرية منذ نعومة أظفاره، فدرس الفنون البصرية في الجامعة الأميركية في القاهرة، ودرس الثقافة البصرية والتصميم في جامعة غولد سميث - كلية لندن، كما درس الأزياء في مركز سانت مارتنز وكلية لندن للأزياء، إضافة إلى تصميم الصور في l'Institut Français de la Mode، ونشرت له صور ومقالات فنية دوريات ومجلات متخصصة بالفن والموضة، وعرضت أعماله على الصعيد الدولي في معارض جماعية وفردية، كان آخرها في نيويورك وأسبوع الموضة في باريس، كما تعاون مع دور أزياء عالمية مثل كينزو ولوبوتان وهيرميس وغيرها. من الكاميرا والأزياء إلى الفيلم القصير في عالمه المبدع وممارسته غير التقليدية للموضة والفن، لم يتوقف دجيغاليان عند عمله كمصمم ومصور وفنان تشكيلي، بل دخل عالم الفيلم القصير فتحول من الفوتوغرافيا إلى أعمال الفيديو، مقدماً رؤيته لمعادلة توافقية يتحول فيها جسد الأنثى إلى أسطورة تشكيلية تحيك الفرشاة ملحمة فوق خيوطها، فقدم أفلاماً قصيرة حازت إعجاب النقاد الغربيين. وأخيراً في إطار الاحتفال السنوي بالفرنكوفونية، افتتح دجيغاليان معرضه «الموضة وما وراءها»، في المعهد الفرنسي في الإسكندرية، فشكّل مزجاً بين دراسة الفنان الموضة والفنون البصرية. فصوّر الموضة بصفتها وسيطاً يجب اكتشافه وتفسيره خارج النطاق المعتاد للجوانب الجمالية. وهو دائماً يرى «تصميم الأزياء معادلة مزركشة تلتقطها عدسة الكاميرا لتعبث بها وتعيد صَوغها رقمياً لتلتقطها عين المتلقي». قسّم المصمم معرضه إلى أجزاء أطلق على كل منها اسماً، أحدها عرض فيه تصميمات بالأبيض والأسود عكست قوة الظلال وثقة الضوء في تبديد لحظات اليأس، وآخر عرض فيه تصاميم ملونة أطلق عليه «أصداء مواجهة» تضمن بعض أدوات الحياكة في أشكال تصميمة متّزنة. وطغى على جزء آخر اللون الأبيض وكأنه سياق مقتطع من حلم سماه «فاصل من حلم». كما تناولت الصور جزءاً سماه «لعب أطفال» كان اللافت فيه البراءة والطفولة والإضاءة الخافتة، وعكست صورة فتاة في مرحلة الطفولة وهي تعبث بثياب وأحذية واكسسوارت تخص والدتها، وفي صور أخرى تظهر الفتاة في مرحلة النضج لكنها ما زالت تمتلك إحساس الطفلة، إذ ترتدي ألواناً طفولية تقفز على السرير ببراءة وعبث تارة، وأخرى تنظر إلى انعكاس صورتها في المرآة وقد انعكس وجهها على المرآة البيضوية بينما بقية جسدها على المرآة السفلية. ضم المعرض أيضاً عرضاً لفيديو أخرجه دجيغاليان بالأبيض والأسود تحت عنوان «إلى سكياب مع كل الحب» To Schiap With Love وهو مهدى إلى روح مصممة الأزياء الإيطالية إلسا سكياباريللبي التي قدمت تصميماً مميزاً لسترة مزودة ربطة عنق وهمية. وحصل هذا الفيلم القصير على تقدير نقاد غربيين، ووقع عليه الاختيار ليكون جزءاً من مؤتمر ومعرض Critical Costume في جامعة ألتو في فنلندا عام 2015.