تستضيف دارة الفنون في عمّان معرضاً فنياً للفنانة الفلسطينية - الأميركية إميلي جاسر بعنوان «نجمة بعيدة بعد النظر عن عيني وقريبة قرب العين مني». يشمل المعرض المستمر حتى 23 نيسان (أبريل) 2015 تشكيلات وإنشاءات بصرية وسمعية مغايرة، بدت كأنها مجموعة معارض تتوزع في فضاءات دارة الفنون، تأسست دلالات رموزها وكتلها وخطوطها على النبش في مواد من الأرشيف وعلى الذاكرة القريبة والبعيدة، وهي لا تحاكي أحداثاً شخصية، وإنما تضيء ذاكرة حضارية تتوارى تدريجاً في غبش التاريخ. تضمنت التشكيلات لوحة جدارية نصبت على الجدار المقابل لمدخل فضاء فارغ إلا منها، تتشظى عليها أعمال تركيبية لكتل ورسوم بالأسود، تمثل أجساد نساء على خلفية بيضاء، وكأنها نشيد كتب بلغة بصرية يندفع المعنى فيها بفعل تضاد ثنائية اللونين الأبيض والأسود، ليرصد واقع مجتمع نسائي - شرقي يتحسّس وعيه وأنوثته في سياق غير عابئ به. وتقوم فكرة هذا العمل على توثيق الأقسام غير القانونيّة في أعداد مجلّة «Vogue»، حيث كانت أجساد النساء المكشوفة تغطّى بالقلم العريض كي يسمح للمجلة بالعبور إلى بلدان ترى في المرأة «عورة كاملة». يتحدّث العمل عن اجتياز المساحة بين شكلين متطرفين لاضطهاد المرأة، المساحة التي يجري فيها تسليع المرأة، والمساحة التي تمنع فيها صورتها. وتطرح جاسر ضمن سياق فني مبتكر، فكرة إصرار المشروع الصهيوني العالمي على إقصاء المجتمع الفلسطيني حضارياً من التاريخ، باستغلال القوة والثقافة والفن معاً، تماماً كما حصل للهنود الحمر. وتتوقع جاسر أن تدمج إسرائيل فولكلورها بعد فترة بعناصر من رموز الفلسطينيين. وقد عبّرت الفنانة عن هذا الأمر في إصدارها طوابع تضم 20 طابعاً تحمل صوراً لشخصيات مثل: خليل الوزير (أبو جهاد)، ودلال المغربي، وغسان كنفاني، وإدوارد سعيد. ومنها ما يتضمن عناصر جمالية من الموروث الفني الفلسطيني، منها واقية الرأس المطرزة المزينة بالقطع النقدية، وشربة فخارية، وصور لراقصين وراقصات باللباس الفولكلوري. في المجال البصري للمعرض، يجد الزائر إطاراً فنياً آخر عبر «بطاقة عيد الميلاد»، يتشكل من بطاقات معايدة كتبتها جاسر لتخاطب سكان نيويورك: «توقف لدقيقة لتسمع كلمة عن فلسطين، ولربما لتصلح خطأ ارتكب منذ ولادة سيدنا المسيح ومع قدوم سيدنا محمد، حيث كان جميع المتدينين يعيشون هنا بسلام كجيران... إلى أن جاء غرباء من الخارج، وأصبح الجيران بعدها أعداء، وهؤلاء الذين كانوا ضحايا النازية أصبحوا الآن هم مصدر إرهاب كبير». وقد زينت هذه البطاقة بصور لبيت لحم والقدس والناصرة. كما احتوت إحدى قاعات العرض على مئات الصفوف لصور ملتقطة لأغلفة كتب قديمة تعود إلى فترات أخذت من معرض «ex libris» في الفترة (2010-2012)، وضمت القاعة مختارات لصور منتقاة من 30 ألف كتاب كانت سطت عليها العصابات الصهيونية من منازل ومكتبات ومؤسّسات فلسطينيّة في عام 1948. ففي بداية الصف الأول من هذه الصفوف، يتموضع كتاب من القرن السابع عشر، بعنوان «اتفاق البشائر»، وهو مكتوب بخط اليد، وثمة كتب أخرى صدرت في أزمنة لاحقة بعناوين منها «مصغوات دار الأيتام الإسلامية الصناعية بالقدس»، و«الطيور المنزلية والطيور المستأنسة»، و«هذه قصة الزير على التمام فسبحان من جعل سير الأولين عبرة للآخرين جل شأنه وعز سلطانه»، و«العواصف بقلم جبران خليل جبران في حيفا».. وركزت صور الفنانة على أجزاء منتقاة من هذه الأغلفة ومن الصفحات الأولى للكتب التي اشتمل بعضها على معلومات بخط اليد حول إهداء الكتاب أو اسم صاحبه والسنة التي اقتناه فيها، وذلك من أجل تأكيد أن ملكية هذه الكتب تعود لفلسطينيين بعضهم من عائلات معروفة، وليس كما تدعي إسرائيل، أن أصحاب هذه الكتب غير معروفين. وفي فضاء آخر من هذه التجربة الفنية، هناك عمل بعنوان «لا شيء يتغير»، وهو عنوان يخفي بداخله نظره فلسفية لمفهوم الزمن، فهل الزمن هو الراكد في نفوسنا، أم هو موضوعياً راكد وآسن خارج وعينا؟ وتتشعب عن هذا المفهوم تجارب بصرية طرحها المعرض، الذي لا يخلو من دهشة وتنوع في أطر الطرح والمعاني، مثل مشاهدة مجموعة صور فوتوغرافية ترصد الكاميرا فيها بشكل متواصل، ولمدة 8 أيام من كل سبت عام 2003، موقعاً واحداً في مدينة لينتس النمسوية التي تشتهر شوارعها بالازدحام. أما في الجانب الصوتي، فيجد زائر المعرض نفسه أمام تجارب سمعية مدهشة، منها ما تعود الذاكرة به إلى الوراء إلى الربع الأول من القرن الماضي، إلى باب العمود في القدس، حيث كان مركزاً رئيساً للمواصلات في بلاد الشام والعراق، فبعد أن يضع الزائر سماعات على أذنيه يسمع النداءات الأخيرة للمسافرين من القدس، إلى مدن بلاد الشام والعراق: «السيارة طالعة إلى يافا، وبيت لحم، والخليل»... «ضع أغراضك في السيارة»، «بيروت والشام»، «عمان... بغداد، غزة جنين الناصرة». ولم تخل اهتمامات جاسر، التي نالت جائزة الأسد الذهبي في بينالي البندقية الثاني والخمسين (2007)، من نحت كتلة صخرية جاءت ضمن عرض فيديو فني. وتضمن أحد فضاءات هذه التجربة فيلماً يرصد مطار اللد الذي كان من المطارات الكبرى حتى عام 1939. وتتمحور قصة الفيلم حول «هانيبال»، وهي واحدة من ثماني طائرات شكّلت أسطول «Handley» التي كانت أكبر طائرة ركّاب في العالم آنذاك، قبل أن تختفي عام 1940 في ظروف غامضة في مكان ما فوق خليج عمان. كما يعرض الفيلم سيدة تحمل ورداً في انتظار أن يحط المسافر على أرض فلسطين، لكن هذا المسافر لا يصل بسبب استيلاء العصابات الصهيونية على المطار.