انتقل الصراع على الهيمنة على سوق الاستهلاك الإعلامي بين كبرى الصحف العبرية في إسرائيل، إلى الساحة السياسية مع تقديم مشروع قانون للكنيست بمنع توزيع صحف مجانية بداعي وجوب ضمان شروط متساوية للمنافسة الحقيقية والنزيهة بين الصحف. ويتفق المراقبون على أن مشروع القانون يستهدف الصحيفة المجانية «يسرائيل هيوم» (إسرائيل اليوم) التي بدأت بالظهور قبل سبع سنوات، ويملكها البليونير الأميركي شيلدون أدلسون المعروف بصلاته الوثيقة مع زعيم حزب «ليكود»، رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، والذي جعل منها بوقاً إعلامياً له منذ عددها الأول. وتقود الحملة ضد الصحيفة المجانية عائلة موزس، مالكة صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي ما زالت تعتبر الأكثر تأثيراً على صنّاع القرار وهيمنةً على الرأي العام في الدولة العبرية، لكن نسبة قرائها تراجعت من 61 في المئة من مجمل قراء الصحف في إسرائيل إلى 38 فقط وأقل بواحد في المئة من «يسرائيل هيوم»، فضلاً عن الخسائر الكبيرة في مردود الإعلانات التجارية. وكان التأثير المباشر لظهور «إسرائيل اليوم» قاتلاً لصحيفة «معاريف» التي كانت الصحيفة الأوسع انتشاراً في العقود الثلاثة الأولى لإقامة الدولة العبرية، وتراجعت إلى المرتبة الثالثة إلى ان تهاوت في العامين الأخيرين، ما اضطر مالكها إلى وقف صدورها قبل أسبوعين بعد 66 عاماً من الظهور. أما اللافت للانتباه في مشروع القانون الجديد فهو ان بين مقدميه نواباً من سبعة أحزاب، بينها حزب «ليكود» الذي يتزعمه نتانياهو. ووصف المعلق المعروف في القناة العاشرة رفيف دروكر اقتراح القانون ب «الانقلاب» ضد نتانياهو «إذ التقى شركاء نتانياهو في الائتلاف الحكومي ضده لينزعوا منه أقوى وسيلة دعائية لديه». ويرى مراقبون أن نهج «إسرائيل اليوم»، بأن جعلت من نفسها بوقاً لنتانياهو دون سواه متجاهلةً سائر أقطاب «ليكود» وكل من يمكن اعتباره منافساً لنتانياهو على رئاسة الحكومة، هو الذي قد يسدل الستار عليها. وكتب أحد المعلقين: «لو خدمت الصحيفة بأمانة الأهداف السياسية لنتانياهو في موازاة تغطية الأحداث في الدولة بشكل موضوعي وناقد، ونشرت تحقيقات صحافية جريئة وهي القادرة على ذلك لأنها تتمتع بدعم ماليّ غير محدود من أحد اكبر أثرياء العالم، لما التقى نواب الأحزاب المختلفة في دعم القانون». وأضاف أنه لأجل هذا النهج بقيت الصحيفة خلال سنوات صدورها فقيرة المضمون، «وهو ما يفسر نتائج استطلاع أفادت أنه في حال بيعها في الأسواق، فستنهار نسبة قرائها إلى 5 في المئة فقط». وسبق للكنيست ان أسقطت قبل اربع سنوات مشروع قانون استهدف «إسرائيل اليوم» قضى بمنع ناشر ليس مواطناً إسرائيلياً من إصدار صحيفة في إسرائيل. ويرى الاستاذ الجامعي في الإعلام البروفيسور أمل جمال أن تصاعد هيمنة رأس المال على الإعلام «من خلال استغلال الدمج بين الأيديولوجية القومية التعبوية وبين الثقافة الترفيهية، يتيح له تعميق تحكمه بآليات سوق الاستهلاك الإعلامي وضمان الانصياع السياسي في الوقت نفسه». ورد محرر صحيفة «إسرائيل اليوم» على مشروع القانون باتهام نواب الأحزاب المختلفة بالخوف من وطأة «يديعوت أحرونوت» التي تنتهج سياسة العصا والجزرة وتقدم قطعة حلوى لمن يأتمر بأمرها، وتلوّح بالعصا لمن يحاول العصيان. وبرأي المعلق القضائي في الصحيفة، فإنه في دولة ديموقراطية تعتبر حرية التعبير وحرية الصحافة من قيمها الأساسية «لا يجوز تنظيم حرية الصحافة من خلال قانون ذي دوافع سياسية».