يصعب على العائلات العراقية اليوم ترك جهاز الهاتف بعيداً من الأطفال الصغار الذين أدمنوا استخدام الهاتف الخليوي للأم أو الأب، قبل أن يتعلموا نطق الحروف بلغة سليمة. بعد دقائق معدودة من تناوله الفطور، يلحق فؤاد بوالدته إلى المطبخ ويخاطبها بلهجة الطفل الذي لم يتجاوز عامه الثاني مكرراً كلمة «بايلي، بايلي» بعدما ابتلع الحرف الأول للكلمة. فؤاد حسن اعتاد الإمساك بالهاتف الخليوي لوالدته واللعب فيه منذ الصباح الباكر حتى المساء، بل هو يتنافس مع شقيقيه محمد وسامر على هذا النشاط اليومي، إذ يستولي كل من الثلاثة على «موبايل» الأب والأم والجدة معاً، ليشاهدوا أفلاماً للأطفال ورسوماً متحرّكة. «في البداية كنا نعطيهم الموبايلات كي يلهوا بها ولا يتشاجروا على الألعاب، ثم تحول الأمر إلى عادة يومية يصعب إجبارهم على تركها. وبتنا نخشى على عيونهم وأفكارهم من هذا الجهاز المخيف»، تقول شيماء سالم والدة فؤاد. وتضيف: «لا تكمن المشكلة في متابعتهم ساعات طويلة أفلام الرسوم المتحرّكة والأغاني الخاصة بالأطفال، بل يتابعون صوراً ومشاهد وأغاني لا يتوجّب أن يطلع عليها الأطفال ويحفظونها بسرعة ويرددونها باستمرار، ويتعلّق معظمها بالحرب وتنظيم داعش». معظم الأطفال في العراق يستولون في عمر مبكر على الهواتف النقالة للوالدين، ويقضون ساعات طويلة يتصفحون البرامج والأغاني والرسوم المتحرّكة على الإنترنت، كما يتفرجون على أغاني الحروب ومشاهد مؤلمة للتفجيرات يخزّنها أحد الوالدين في ذاكرة الهاتف. ولا تختلف حال فؤاد كثيراً عن حال أقرانه من الأطفال، فعادة الاستيلاء على هاتف أحد الوالدين تكاد تكون طبيعية داخل الأسر العراقية، خصوصاً أن معظم الأمهات أو الآباء يمنح هذا الجهاز للأطفال لمنعهم من البكاء، أو لإبعادهم عن المشاكسة وحضهم على الأصغاء إلى أغاني مناسبة لسنهم أو مشاهدة الرسوم المتحرّكة. لكنهم يتفاجأون لاحقاً بإفلات زمام الأمور من أيديهم واضطرارهم إلى مجاراة أطفالهم فيمنحونهم جهاز الخليوي للتخلّص من بكائهم وعويلهم. تقول سجا إبراهيم وهي ربة منزل وأم لطفلين، إن الأمهات العاملات اللواتي يودعن أطفالهن في الحضانة يتمكنّ من إسكات الأطفال لاحقاً أفضل من الجالسات في المنازل. وتوضح: «أنا حقاً لا أعرف ماذا أفعل. فطفلاي أحمد وغادة يقضيان ساعات طويلة ممسكيَن بهاتفي النقال وهاتف والدهما، وفي أحيان كثيرة يعاتبنا الأقارب والأصدقاء ويظنون أننا أغلقنا الجهاز في وجوههم أو لم نجب على مكالماتهم. لكن الحقيقة هي أن جهازينا الخليويين بأيدي طفلينا معظم ساعات اليوم، ولم نعاين ورود مكالات إلا بعد ساعات عقب نومهما». وال «موبايل» ليس مصدراً لتعليم الأطفال العنف وتشجيعهم على الاستماع إلى أغاني الحروب وأخرى تفوق عقولهم الصغيرة فحسب، بل بات ينافس الفضائيات في استقطاب الصغار لا سيما أولئك الذين هم دون الخامسة، والذين يفضلون هذا الجهاز على التلفزيون للتفرّج على برامج الأطفال والرسوم المتحرّكة. ويخبر زياد ناظم أن أطفاله الثلاثة «يتفرّجون على الرسوم المتحرّكة التي تعرضها الفضائيات على الموبايل، إذ يمسك كل منهم بجهاز بيده ويتفرّج منفرداً». ويتابع: «أنا قلق على عيونهم وليس في يدي حيلة سوى انتظار دخولهم إلى المدرسة كي أتخذ من الدراسة حجة لمنعهم من قضاء ساعات طويلة أمام شاشة الموبايل».