لاقت دعوة دونالد ترامب المرشح الجمهوري المثير للجدل إلى قيام الولاياتالمتحدة بدور الوسيط المحايد بين الفلسطينيين وإسرائيل من أجل التوصل الى اتفاق سلام تاريخي بين الجانبين استنكاراً شديداً لدى الأوساط الأميركية المؤيدة لإسرائيل. وتلقف منافسا ترامب على نيل تمثيل الحزب الجمهوري ماركو روبيو وتيد كروز تصريحات ترامب، وتبنيه مقاربة لا تعلن الولاء المطلق للمصالح الإسرائيلية، من أجل تحريض اللوبي الإسرائيلي ضده وتسعير الحملة المعارضة لتسميته مرشحاً للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأميركية الخريف المقبل، رغم انتصاراته في الانتخابات التمهيدية للحزب التي شهدتها 15 ولاية أميركية. وبمعزل عن حجم وقوة نفوذ اللوبي اليهودي وتأثيره على مراكز القرار في مؤسسة الحزب الجمهوري، وقدرته على التأثير في التوجهات الانتخابية الأميركية العامة، فإن إدراج العلاقات الأميركية الإسرائيلية في عناوين السجال الانتخابي الرئاسي الأميركي يستدرج اللوبي اليهودي إلى «الحرب الأهلية» الداخلية الدائرة في الحزب الجمهوري ويدخله هذه الحرب طرفاً داعماً للأطراف المتضررة من وصول ترامب الى البيت الأبيض والمنادين باستبعاده وتسمية مرشح جمهوري آخر. الجدل الانتخابي الجديد حول مسألة العلاقات الأميركية الإسرائيلية يأتي في سياق سلسلة من التصريحات المثيرة للجدل التي صبغت الحملة الانتخابية للمرشح القادم من خارج الطبقة السياسية الأميركية التقليدية، بدءاً من دعوته الى بناء جدار على حدود المكسيك لمنع تهريب المخدرات ومعالجة الهجرة غير الشرعية من بلدان أميركا اللاتينية وتعهده بترحيل ملايين المهاجرين المقيمين في الولاياتالمتحدة. ثم دعوته الى منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة وإغلاق مساجدهم ووضع المقيمين منهم في أميركا تحت المراقبة الدائمة. وصولاً الى مواقفه الملتبسة من عصابة «كو كوكس كلان» العنصرية وتهربه من الإجابة الواضحة على سؤال حول موقفه من المجموعات العنصرية الأميركية المتطرفة التي أعلنت تأييدها لترشيحه للرئاسة ودعت أنصارها الى انتخابه. لكن المفارقات التي رافقت بروز وتنامي ظاهرة ترامب في الحياة السياسية الأميركية، ومسار تبلورها من خلال المعركة الانتخابية في حركة سياسية جديدة باتت تخترق الحدود التقليدية للثنائية الحزبية التقليدية، تجعل مهمة استبعاد ترامب عن السباق الرئاسي من المستحيلات. والأرجح أن حل المأزق الذي يواجه قيادة الحزب الجمهوري لا يكون بقرارات فوقية تتجاهل تأييد ناخبي الحزب الجمهوري لهذا المرشح القادم من خارج السياسة، والذي استطاع خلال أشهر قليلة التحول الى قائد شعبي يعبر عن غضب الأميركيين وسخطهم على الطبقة السياسية. والأرجح أن أي قرار حزبي باستبعاد ترامب، لا ينبثق من وقائع انتخابية، سيؤدي الى انقسامات في صفوف الحزب الجمهوري وتشتيت أصوات الناخبين المؤيدين له بين المرشح البديل والمرشح المستبعد، ما يسهل مهمة الحزب الديموقراطي في الاحتفاظ بسيطرته على البيت الأبيض لولاية رئاسية ثالثة. فالحملة التي تعرض لها ترامب، عقب إطلاق حملته الانتخابية منتصف العام الماضي، واتهامه بالعنصرية على خلفية مواقفه من الهجرة غير الشرعية عبر الحدود المكسيكية، أسفرا عن نتائج عكسية وساهما في تعزيز شعبيته وتقدمه على جميع المرشحين الجمهوريين في استطلاعات الرأي. وفي الانتخابات التمهيدية لولاية نيفادا نال تأييداً من الناخبين ذوي الأصول اللاتينية اكثر مما حصل عليه منافسوه ذوو الأصول الكوبية سيناتور فلوريدا ماركو روبيو وسيناتور تكساس تيد كروز. والمفارقة الأخرى ان الحملة التي تعرض لها ترامب من مؤيدي إسرائيل في الولاياتالمتحدة أعادت خلط الأوراق الانتخابية، فأكسبته تعاطفاً من أميركيين مسلمين رغم مواقفه السابقة التي أثارت استياء الجالية المسلمة في الولاياتالمتحدة والمسلمين في العالم. فقد أعرب زعيم المسلمين الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية عن ارتياحه لعدم اعتماد حملة ترامب الانتخابية على أموال اللوبي اليهودي كما هي حال المرشحين الآخرين. وقال لويس فرقان قائد حزب «أمة الإسلام» انه يرى في ذلك مؤشراً الى امكانية تحرر المؤسسات السياسية ورجال السياسة في الولاياتالمتحدة من سيطرة وتحكم المال اليهودي بالقرار الأميركي.