«بنوا هذا الجدار للتفريق بيننا، لكن سيعود الحمام إلى هذه الأرض، ويحل السلام، ويزول الجدار، ونلتقي مع بعضنا». جمل من أغنية «القدس» للفنان الجزائري الفرنسي قدور حدّادي أو HK، تفاعل معها جمهور قصر رام الله الثقافي، غناء ورقصاً، في الحفلة المركزية لما يعرف باسم «الأيام الدولية للفرانكفونية»، التي ينظمها المركز الثقافي الفرنسي، في شكل نشاطات عدة في مدن وقرى ومخيمات فلسطينية في الضفة الغربية. وللأغنية التي قدمها قدور برفقة فريق «ديزيرتور» أو «الفارّون من الخدمة العسكرية»، وكتبها ولحنها بنفسه، حكاية تعود إلى عام 2007، حين غنى في مدن فلسطينية عدة، وجلس ذات مساء مع أصدقاء فلسطينيين في أحد مطاعم مدينة رام الله، وكان بينهم فلسطيني من القدس يتحدث عنها كمن يتحدث عن معشوقته. هذا الوصف الرائع الذي قدمه الشاب لمدينته شكل في خيال حدّادي دراما تحولت إلى أغنية حملت اسم القدس، وقرر آنذاك أن يقدمها للمرة الأولى في القدس، وهذا ما حدث. واستطاع قدور بسلاسة في الحركة وتطويع مدهش لكلاسيكيات فرنسية بما يشبه «الراي»، جذب قلوب الفلسطينيين بعفويته، فشاركوه الغناء والرقص على المسرح في نهاية الحفلة. واستحضر قدور وفريقه أغنيات لمطربين فرنسيين، بعضها ضد الاستعمار، وبعضها حول الحرية، وأخرى تحرض على الثورة، اشتهرت في خمسينات القرن الماضي وستيناته وسبعيناته، ومنها أغنيات لجورج براسنس، وليو فيريه، وبوريس فيان، ولوي أراغون، وبرنار لافييه، وجان فيرا. وحول استحضار هذه الأغنيات، ومنها أغنية «الثورة والتظاهرات» الشهيرة لجان فيرا، والتي عاد وغناها قدور في احتجاجات شهدتها فرنسا ضد سياسات حكومية في السنوات الأخيرة، يقول الجزائري المولود في فرنسا عام 1967 ل «الحياة»: جان فيرا مطرب ملتزم، وهذه الأغنية من بين الأغنيات التي اشتهرت كأغنية لأحرار العالم... لست متأكداً ما إذا كانت سائدة في الاحتجاجات الطالبية في أيار (مايو) 1968. إنها أغنية لكل ثوار العالم ضد الديكتاتورية والظلم، وكان لا بد من استحضارها هنا في فلسطين، لأنها تعبر عن مئتي جيل أو يزيد باعتقادي، وستبقى خالدة ما دام هناك شعوب تناضل من أجل التحرر والحرية كما هم الفلسطينيون». وكجزائري الأصول والهوا، لم يفته الغناء عمن يعرفون باسم «الفارين» ويعني بذلك «الفارين من الخدمة العسكرية»، وهو عنوان فرقته وواحدة من أشهر أسطواناته. ويوضح: «حدث ذلك أخيراً مع كثير ممن رفضوا الخدمة في الجيش الإسرائيلي، في إشارة إلى الفنان الفلسطيني الدرزي الأصول عمر سعد، لرفضه ممارسات الاحتلال. وقدم لبوريس فيان هذه الأغنية على شكل رسالة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية في ذلك الوقت، وأكد فيها أنه لن يتوجه إلى الحرب في الجزائر لأنه اعتبرها احتلالاً». ولم يغن قدور السياسة فحسب، بل غنى للعشاق أكثر من أغنية، من بينها أغنية خاصة فيه، وصفها ب «المتخيلة» أو «المختلقة»، حول لقاء افتراضي لم يحدث مع فتاة فلسطينية في العام 2007، وجد فيها أحلامه، وتمنى إكمال مشوار حياته معها، لكنها صدته. كما قدّم أغنيات أخرى، وسط تألق أعضاء فرقته الذين كانوا نجوماً أحدثوا برفقته زلزالاً موسيقياً في رام الله. ولاسم فرقته (الفارّون من الخدمة العسكرية) حكاية، فهو اسم مقهى جزائري مستوحى من العلاقة الجدلية ما بين الجزائريين ومؤيديهم من الفرنسيين وشعوب الأرض، وما بين الاستعمار الذي جعل من الجزائر «بلد المليون شهيد». فهو مقهى يقدم الأغنية الشعبية الجزائرية اليوم، واجتمع فيه كبار الشعراء والفنانين الفرنسيين التقدميين. وجاء اعتماد اسم الفرقة بناء على نصيحة طفل جزائري اسمه ليلي بونيش. واستطاع قدور ورفاقه تقديم موسيقى أعادت الروح إلى أغنيات كلاسيكية فرنسية، كأغنية «تولوز» التي حولوها في فلسطين إلى «نابلوس» تيمناً بمدينة نابلس. وتجتمع الفرقة على حب الموسيقى ويتألف أعضاؤها من فرنسيين وجزائريين تخطوا حواجز اللغة والثقافة، وجمعهم حب فلسطين.