تواصلت فعاليات مهرجان القصبة السينمائي الدولي الخامس، طوال ما يزيد على 12 يوماً خلال هذا الشهر بعد الافتتاح بالفيلم العالمي «ميرال»، الذي يتناول حكاية أربع فلسطينيات يهرعن بقصصهن في دولاب الزمن منذ ما قبل النكبة، وحتى «أوسلو». والفيلم الذي أخرجه الأميركي اليهودي العالمي جوليان شنايبل، مأخوذ عن رواية للكاتبة والصحافية الفلسطينية المقيمة في إيطاليا رولا جبريل، التي تتحدث عن ذكرياتها في «دار الطفل»، التي أسستها المناضلة الفلسطينية هند الحسيني في القدس عام 1948، لتحتضن فيها الأطفال الفارّين من مجزرة دير ياسين الرهيبة. تقدم الفنانة الفلسطينية هيام عباس في الفيلم دور هند الحسيني، فيما تقدم الفنانة الفلسطينيةالشابة ياسمين المصري، وكانت ضيفة حفل الافتتاح دور نادية والدة رولا جبريل أو «ميرال» كما رمز إليها، هي وزميلتها ربى بلال التي قدمت دور المناضلة الفلسطينية المقيمة في غزة حالياً، فاطمة برناوي، أما دور «ميرال» فكان من نصيب الهندية فريدا بينتو، التي اشتهرت بدورها في فيلم الأوسكار «المليونير المتشرد». وشددت ياسمين المصري في مؤتمر صحافي حول الفيلم على خصوصية دورها في «ميرال»، على رغم اعتزازها بما قدمته مع المخرجة اللبنانية نادين لبكي، والجزائري إبراهيم تساكي، والفلسطينية نجوى النجار، لكن خصوصية «ميرال» تأتي «من كون المخرج شنايبل مخرج عالمي، كما أنه أميركي يهودي، وأن تأتي الحكاية الفلسطينية برؤية فلسطينية عبر مخرج يهودي عالمي فهو أمر بالغ الأهمية على صعيد المصداقية والانتشار في آن». وكشفت المصري، وتقدم دور نادية، والدة رولا جبريل في الفيلم، عن أن جبريل وشنايبل يعدان لعرض الفيلم تجارياً في الولاياتالمتحدة الأميركية في الثالث والعشرين من آذار المقبل، بالتنسيق مع الأممالمتحدة، وعلى رأسها الأمين العام للمنظمة الدولية، والهيئات الإنسانية والحقوقية في أميركا، بهدف تحقيق الانتشار الواسع للفيلم هناك، كونه باللغة الإنكليزية. وأن تأتي الحكاية الفلسطينية برؤية فلسطينية عبر مخرج. وكشفت ربى بلال أن صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية «سبق وحذرت من الفيلم، ووصفته بالمخيف»، واختصرت كل من المصري وبلال بأنه حكاية فلسطينية بلغة إنسانية. وقال حمودة بقاعي، المنتج المنفذ لفيلم افتتاح المهرجان «ميرال»، في المؤتمر الصحافي نفسه، أن شنايبل أقام في فلسطين أربعة أشهر تجول فيها في المواقع التي وقعت فيها حكاية رولا جبريل، مشيراً إلى أن فريدا بينتو عاشت الحاضر الفلسطيني بكل صعوباته، فشاهدت جدار الفصل العنصري في بيت لحم، وتنقلت عبر الحواجز العسكرية لتعيش أجواء المعاناة الفلسطينية المتواصلة منذ حكاية رولا جبريل، ومعلمتها هند الحسيني عام 1948 إلى يومنا هذا. مشهراوي وكرم المهرجان في حفلة الافتتاح المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، على مجمل أعماله السينمائية التي تتواصل منذ قرابة ربع قرن. وقال مشهراوي حول التكريم: «حصلت ثلاث مرات على تكريم فلسطيني، أعتز بها جميعاً. المرة الأولى كانت من الرئيس ياسر عرفات عن فيلم «حيفا»، مع أن الفيلم كانت ينتقد «أوسلو»، وينتقد عرفات نفسه، والثانية جائزة فلسطين للسينما، وهذه هي المرة الثالثة. المختلف في هذا التكريم بالنسبة لي كسينمائي فلسطيني، أنه يأتي في مهرجان سينمائي فلسطيني في رام الله، وهذا جميل». وعرض لرشيد مشهراوي في اليوم التالي ليوم الافتتاح فيلمه الأحدث «حوراء بغداد»، وهو فيلم وثائقي طويل، يرصد في تفاصيله اليومية عملية إعداد فيلم عن عمالة الأطفال في بغداد، في وقت تقرع الحرب طبولها على غزة، حيث ولد، وحيث لا يزال أهله يقيمون هناك. ويقول مشهراوي عن الفيلم: «صدف أنه في فترة وجودي في العراق، حدوث الحرب على غزة، وأنا ابن غزة، وليس بإمكاني إلا متابعة الأخبار عبر شاشة تلفزيون، ومشاهدة الجرائم بحق أطفال غزة، بينما أصور فيلماً حول معاناة أطفال بغداد... كنت أعيش هذه الحالة الصعبة كفلسطيني من غزة موجود في بغداد على مدار اليوم والليلة... هذا الفيلم للكبار أتحدث فيه عن تجربتي الشخصية خلال الإعداد لفيلم حول عمالة الأطفال وموجه للأطفال. وإضافة إلى فيلم مشهراوي تحضر السينما الفلسطينية عبر العديد من الأفلام، تضاف إلى قائمة أفلام عربية حديثة الإنتاج، وأخرى عالمية مثلها، حققت حضوراً مهماً في المهرجانات، وتعرض للمرة الأولى فلسطينياً، وبعضها على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط. بين الروائي والوثائقي ومن بين هذه الأفلام «زنديق»، وهو الروائي الأحدث لميشيل خليفي، وعرض في اليومين الذين سبقا حفل الاختتام، فيما عرض عدة أفلام من بينها فيلم يدمج الحكاية التاريخية والحديثة عن عكا ويافا ولفتا القرية المهجرة قرب القدس، بالأغنية الشعبية الفلسطينية حول هذه المناطق، ويحمل اسم «هاي بلادي وهاي الدار»، وهو عن نص مشترك بين د. ناظم شريدي والمطرب الشعبي الفلسطيني رائد كبها، الذي قدم للفيلم وعلق عليه وغنى فيه، في حين قام شريدي بإخراجه أيضاً. ويقول كبها: «هذا الفيلم الذي نجمع فيه بين الوثائقي والغنائي، هو تجربتي الأولى في هذا المجال... هو من أفكار وكتابة سيناريو واخراج الدكتور ناظم شريدي، ويسلط الضوء على ما تشهده مدينتي عكا ويافا من محاولات لطمس حضارتهما الفلسطينية والاستيلاء على ما تبقى من أبنية وأراض، كما يتحدث عن ماضيهما في أزمان مختلفة، ومعاناة أهلهما كما أهل لفتا القرية المهجرة قرب القدس، جراء الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948». كما عرض في المهرجان سلسلة أفلام فلسطينية روائية قصيرة من بينها «البحث عن زاك» لإيهاب جاد الله، وهو فيلم يدور في إطار من الهزل والرعب عن فلسطينيين يفقدون صديقهم، ويعتقدون إنه معتقل لدى فصائل فلسطينية أو جيش الاحتلال، ويعيشون ليلة رعب قبل اكتشاف أن كل ما في الأمر هو أن شحن الهاتف النقال ل «زاك» أو زكريا، فرغ تماماً. كما عرض فيلم «رؤوس دجاج» لبسام الجرباوي، فيما يعرض في الأيام التالية، فيلم «الدرس الأول» لعرين عمري، و «ميناء الذاكرة» لكمال الجعفري. وتدور حكاية فيلم عمري عن فتاة فلسطينية تختار أن تسافر إلى فرنسا، هناك، وبالتحديد في حصة اللغة الفرنسية الأولى، في باريس تشتبك مع طالب لغة إسرائيلي حول ما إذا كانت البقعة الجغرافية على الخريطة فلسطين أم إسرائيل، وما إذا كانت القدس عاصمة فلسطين أم إسرائيل، وسط انحياز أميركي لإسرائيل، وعربي لفلسطين، وموقف أوروبي وآسيوي متفرج. أما فيلم كمال الجعفري فيتحدث بلغة سينمائية مختلفة، عن العنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الصامدين في أرضهم منذ النكبة، وبالتحديد في حيفا، من خلال التهديد بهدم منزل العائلة، وما رافقه من حملات إسرائيلية راغبة بشراء المنزل، وأخرى عربية تطالبهم بالصمود. وشدد خالد عليان، مدير المهرجان، على أنه يولي أهمية خاصة للأفلام الفلسطينية والعربية. ففي العامين الماضيين افتتح المهرجان بفيلمي «ملح هذا البحر» لآن ماري جاسر، و «أمريكا» لشيرين دعيبس، في حين يفتتح «ميرال» العالمي ذو الحكاية الفلسطينية مهرجان القصبة السينمائي الدولي الخامس، مؤكداً أن على رأس أولويات المهرجان دعم السينما والسينمائيين الفلسطينيين، وتوفير فرصة كسر الحصار بالسينما. ولهذا تتسع العروض لتشمل مدن غزةوالقدسورام الله وبيت لحم ونابلس وجنين، بواقع 60 فيلماً روائياً وتسجيلياً ووثائقياً، منها الطويل ومنها القصير، وبينها أفلام فلسطينية وعربية وعالمية، متحدثاً عن شراكة مع مهرجان برلين السينمائي هذا العام، جاءت تتويجاً لشراكات سابقة ومتواصلة مع مهرجان دوربان في جنوب أفريقيا، وجائزة أفلام آسيا.