يترقب المسلمون في كاليفورنيا، إحدى الولايات الأميركية الكبرى، شاشة التلفزيون بحذر شديد هذه الأيام. وتراقب الجالية المسلمة عن كثب ما يجري من أحداث وتصريحات قد تجرهم إلى حرب إعلامية ومجتمعية لا هوادة فيها. ومنذ أحداث سان برناندينو بداية الشهر الحالي، هناك تصعيد إعلامي حول الوجود الإسلامي في أميركا. وبعدما لقي 14 شخصاً مصرعهم وجرح عشرات آخرون في هجوم إرهابي قام به زوجان مسلمان من أنصار تنظيم «الدولة الإسلامية» هما سيد فاروق (28 عاماً) وتاشفين مالك (29 عاماً) في مؤسسة خيرية يعمل فيها الزوج، عبر الملياردير، المرشح للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب، عن رغبته في منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة «لدواع أمنية» في حال فوزه بالرئاسة. ويقول جودت العبيدي رئيس المركز العراقي للحوار في سان دييغو ل «الحياة» أن «المسلمين في أميركا هم ضحايا الإرهاب فقد تركوا بلادهم وهاجروا إلى هنا». ويضيف: «نحن مسلمون ونحمل الجنسية الأميركية ونؤمن بالتعايش السلمي ونحترم القوانين والجنسية الأميركية التي أعطتنا بلداً مستقراً وحياة جديدة». ويوضح «أبناؤنا من الجالية المسلمة علماء وأكاديميون وتجار استفادوا من الفرصة الأميركية في حرية الفكر الذي يضمنها الدستور لمختلف القوميات والأديان والطوائف». واعتبر العبيدي أن تصريحات ترامب هي تنميط غير عادل وغير دستوري لملايين المسلمين في أميركا وأنها للاستخدام الإعلامي في الحملة الانتخابية. ويحتل موضوع «الإسلاموفوبيا» جانباً كبيراً من المناظرات السياسية التلفزيونية بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، لا سيما بعد أحداث سان برناندينو. وينادي الديموقراطيون بضرورة تحجيم امتلاك الأسلحة للعامة وهو ما يؤيده الرئيس باراك أوباما مطالباً بضرورة التشدد في بيع الأسلحة للتقليل من «جرائم الإرهاب المحلي» على حد وصفه. وأما المرشحون الجمهوريون فإن رؤيتهم تتلخص في أن وجود الأسلحة أو عدمه ليس المحرك الفعلي للجرائم التي يقوم بها «متشددون دينيون». ويعتقد عطا منير وهو مصري الأصل ويعمل مدرّس إعدادية ويسكن في أناهايم بولاية كاليفورنيا أن التضخيم الإعلامي هو المحرك الفعلي لما يجري من أحداث وهذا ما يسبب «إرباكاً مجتمعياً نحن في غنى عنه». ويشير إلى أن المسلم الذي يقطن في أميركا هو مواطن أميركي أيضاً له حقوق وعليه واجبات». والتشدد الإسلامي في أميركا ليس وليد الساعة فمنذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، يواجه المجتمع الأميركي الكثير من جرائم الكراهية. وأظهرت دراسة حول المتشددين الأميركيين نشرتها جامعة «جورج واشنطن» أن 250 أميركياً توجهوا أو حاولوا التوجه إلى سورية أو العراق للقتال وفعلاً تم توجيه التهم إلى 71 شخصاً منذ آذار (مارس) الماضي من أصل 900 «متعاطفين مفترضين» مع «داعش». وفي أيار (مايو) الماضي، تعرض مؤتمر في غارلاند بتكساس كان يعرض رسوماً كاريكاتورية مسيئة للرسول، لهجوم من متشددين. وكان رئيس «جامعة ليبرتي» الأميركية ومقرها في لينشبرغ بفيرجينيا، جيري فالويل دعا طلابه إلى حمل السلاح لمنع «المسلمين من قتلهم» متزامناً مع تصريحات ترامب ومندداً بموقف أوباما حيال حادثة برناندينو بالرغبة في زيادة السيطرة على الأسلحة. وتعرض مسجد في ولاية كاليفورنيا لهجوم للمرة الثانية خلال عام الجمعة الماضي، بعدما ألقى مجهول عبوة حارقة تسببت في أضرار مادية. ودعا عضو الكونغرس في كاليفورنيا بول رويز إلى فتح تحقيق في الحادثة واعتبارها جريمة كراهية. ويقول بلال جارالله وهو سوري، أنه لا يتلمس أي خوف فعلي حيث يسكن ويعمل مع عائلته منذ تسع سنوات، لكنه يلاحظ نظرات العامة له أين ما ذهب وهي نظرات تحمل في طياتها اللوم والحيطة. ويبين جارالله أن كثراً قد لا يعانون ما يعانيه حيث لا يمكن تمييز دينهم من منظرهم الخارجي، لكنه رجل ملتح وزوجته ترتدي الحجاب. ولا تفرض أميركا أي قيد على ارتداء الحجاب أو النقاب للنساء أو على إطلاق اللحى أو ارتداء العمامة للرجال على سبيل المثل. وعلى العكس، توضح إخلاص أحمد أنها شعرت بعدم الارتياح مرات كثيرة حينما كانت تتلقى سؤالاً عن رأيها في ما يحصل من أصحابها «الأميركيين»، على رغم أنها ولدت في أميركا وهي مواطنة أميركية يناديها أصحابها ب «Faith» وكونها مسلمة «لا يغير شيئاً من حبها لوطنها أميركا». وليست هناك إحصاءات مؤكدة حول العدد الحقيقي للمسلمين في أميركا، حيث لا يسجل الإحصاء العام «الدين» ولكن التقديرات الحكومية تشير إلى وجود أكثر من سبعة ملايين مسلم أي ما يعادل أقل من 2 في المئة من تعداد السكان، نصفهم مولود على الأراضي الأميركية. ويعود الوجود الإسلامي في أميركا إلى القرن التاسع عشر. وفي عام 1893، أصبح ألكسندر راسيل البرلماني الأول الذي يمثل المسلمين في أميركا. وفي 1915، قام المهاجرون الألبان بإنشاء المسجد الأول في بيدفورد. واليوم يعيش المسلمون في مختلف الولايات الأميركية، لا سيما واشنطن وكاليفورنيا وبوسطن وهيوستن ومشيغان ونبراسكا وهم من العرب والإيرانيين والأتراك والأفارقة والأفغان، وكذلك بعض الأوروبيين ولديهم مدارس ومعاهد ومساجد ومراكز إسلامية. ويقول علي محسن وهو إعلامي عراقي ويسكن في سان دييغو أنه على رغم إدانة المسلمين الجرائمَ الإرهابية، إلا أن هذه الجرائم التي تطفو على السطح بين حين وآخر منذ الحادي عشر من أيلول 2001، غيرت النظرة تجاه المسلمين «فالأمر له جذور وما يحصل اليوم لن يكون آخر المطاف». ويشير إلى أنه يؤيد المرشح ترامب في منع دخول «المجرمين» إلى أميركا، لكنه ضد تصريحاته في وضع جميع المسلمين «تحت الخط الأحمر». ويؤكد في المقابل أن ترامب تسرع ووقع في خطأ كبير لأن تصريحاته أعطت المجرمين شرعية لوجودهم. وأضاف: «ظن أن تصريحاته ستكون ورقة رابحة في الانتخابات الرئاسية، لكنه ما كان سيصرح بهذا الأمر لو كان فعلياً في سدة الحكم».