استذكرت الأمسية التي نظمها نادي الشرقية الأدبي مساء أمس وفاء لرئيسه الأسبق عبدالرحمن العبيد منعرج الظنون الذي اختلج فؤاده وانصهرت بسببها عواطفه وتاهت بينها آماله بين أقدام وإحجام في أن يقدم أدبا خليجيا أعزلته الأيام عن آداب العربية لانعدام الدعاية وأسباب النشر لهذا النوع من الأدب الذي تظهر من مكنوناته سموقا في اللفظ وغزارة في المعنى . أن الحشد الذي جاء لليلة الوفاء وامتلأت بهم قاعة المحاضرات أتوا متصفحين من عمر الزمن سبعون خريفا هي خلاصة نتاج هذا الأديب الذي تنوعت آثاره الأدبية والثقافية والصحفية فقد توزعت وقائعها بين مشهد مرئي يلتقط بعضا من أمسياته التي ألقاها في محافل ثقافية ولقاءات إعلامية صاحبها جملة مما ذكره شعرا في العديد من الأمسيات ثم أعقبها ندوة ثقافية تركزت في الحديث عن أدبه وشعره ومواقفه ومآثره المتنوعة جمعت رئيس النادي محمد بودي والدكتور سعيد عطيه أبو عالي ومحمد بن علي الزهراني ممثلا عن جماعة ذوق الأدبي في المنطقة الشرقية . رئيس النادي محمد بودي تناول في ورقته التي قدمها صفحات من كتاب الراحل (( الأدب في الخليج)) كدراسة كما يقول يقصد بها التعريف ليس إلا حيث يقول أن هذا التعريف الذي يبدو في نظر البعض ضئيلا ولكنه يقينا شر الأهمال التي أمتدت إلى تراثنا الحي الخالد لتكرر المأساة التي مني بها أدبنا منذ فجر حياته الفكرية مشيرا إلى انه قام بذلك التعريف ليبرهن أننا لم نغفل ونحطم هيكلنا الأدبي عن رضى واختيار . وعرج على أقسام هذا المؤلف النادر حيث بدأ الحديث في قسمه الأول عن الحركة الأدبية في الخليج العربي وهي محاضرة للأستاذ عبد رب الرسول الجشي حيث آثر العبيد أن يصدّر بها كتابه تعميما للفائدة وإقناعا لأولئك الذين مايزالون يعدون ماضيهم الأدبي تفاهة ليس بجدير أن يشار إليه كأثر قيم له مكانته وأصالته في تاريخ الفكر العربي , مضيفا أن المؤلف تناول بقلمه عدة محاور في هذا القسم وهي تاريخ الحركة الفكرية المعاصرة والنشاط الثقافي في المنطقة والصحافة والطباعة والنشر والعلم والتعليم فيما القسم الثاني تناول تراجم الأدباء في المنطقة الشرقية والكويت والبحرين وعمان وقطر مع عرض للصور الفوتوغرافية لبعض من المترجم لهم , وفي قسمه الثالث لقاء أجراه مع الشاعر سعد البواردي رئيس تحرير مجلة الإشعاع وكذلك الشاعر أحمد الراشد المبارك وآخرها القسم الرابع الذي جاء مدونا لبعض نماذج شعر شعراء الخليج . وألمح بودي أن المؤلف عمد في توليفة المادة العلمية للكتاب على المراسلات مع الأدباء والاتصال بهم مباشرة وتوجيه الأسئلة الصحفية لبعض منهم كما هو موجود في القسم الثالث من الكتاب , وزاد على ذلك بقوله أن الكتاب بمثل قيمة أدبية تاريخية لاتنكر كونه سجل تاريخ المنطقة الشرقية ومكوناته فيما القيمة الأدبية تتركز كما يقول بودي في حفظه لعدد من القصائد والمقطعات الشعرية التي كان مصدرها الوحيد كما في شعر أحمد المبارك والذي نقله المؤلف من ديوان الشاعر المخطوط الصدى الضائع . وقال بودي أن العبيد بهذا الكتاب الذي كتبه قد وضع اللبنة الأولى في سجل عطائه الكتابي والأدبي واضعا بذلك كما يقول أسمه (( في الهم الثقافي )) أضاء به قنديلا ثقافيا في المنطقة أصبح احد العلامات التي يسترشد بها الباحثون والمثقفون لمعرفة الحراك الأدبي ورموزه في المنطقة , بل ان هذا الكتاب مرّن قلمه يقصد العبيد ليبدأ رحلة الكتابة بآثار عدة في الإبداع والجغرافيا والتأريخ والانساب والدعوة الإسلامية ليسجل هذا التراكم في الاشتغال المبكر أساسا لأن يدير أول مؤسسة أدبية في المنطقة الشرقية وهي نادي الشرقية الأدبي عام 1410 لأكثر من سبعة عشر عاما أسس مع زملائه حراكا أدبيا رائدا بقيت آثاره حاضرة في إصداراته الأدبية ومنها دورية ((دارين )) التي أطلق هذا المسمى على مجلتها والتي ستتبلور هذا العام بمشيئة الله تعالى بإدارة النادي الجديدة إلى ملتقى ثقافي سنوي . وفي نهاية ورقته أبدى استعداد النادي لطباعة كتابه (( الأدب في الخليج العربي )) والذي لاقى قبولا من أخوته وأبنائه الذين حضروا أمسية الوفاء . ورقة الدكتور سعيد أبوعالي عضو مجلس النادي ووممن عاصروا ورافقوا الشيخ العبيد رحلة التأسيس في المنطقة الشرقية جاءت لتكشف حقيقة المسمى الذي ذكره العبيد في كتابه الأدب في الخليج عن الشاعر الذي يدعى ((محمد العليني)) إذا يقول أبوعالي أن هذا الشاعر الذي كتب عنه العبيد في كتابه هو (( غازي القصيبي )) الذي كان مستعيرا لهذا المسمى أيام صباه ,ثم تتابعت ورقته بالحديث عن قصة إحراقه لديوانه الشعري الأول تورعا حسبما يقول أبو عالي . وأفرد في ورقته سيرة تاريخية للراحل منذ ولادته بالجبيل وتأثره بوالده والأستاذ ثاني المنصور رحمه الله مستعرضا بعض جهوده التي رسخها في تلك المدينة والتي منها صحيفة الجبيل حيث يقول أنها كتبت بخط اليد وكان هو العدد الأول والوحيد رغم انه حصل ترخيص إصدارها من جلالة الملك سعود رحمه الله عندما زار المنطقة الشرقية . وقال أن العبيد نظم أول قصيدة وهو في الرابعة عشر من عمره وكانت في العام 1365 للهجرة وكان ينشر قصائده بجريدة الأحد اللبنانية والتي كانت معظمها تحية لثورة عمان ضد الاستعمار الإنجليزي عام 1957 . ثم تناول أبرز مؤلفاته الأدبية ذاكرا منها قبيلة العوازم عام 1391 والأدب في الخليج 1377 , مستعرضا بذلك روح كتاباته وشعره التي كانت تعالج قضايا اجتماعية ودعوته إلى تعليم المرأة وإلى خفض المهور وإلى التكافل الاجتماعي , بل زاد على ذلك التنوع الأسلوبي الذي كان يستخدمه في شعره الحديث مثل تنوع القافية في القصيدة الواحدة ومحاكاة الموشحات كذلك إلى جانب إسهاماته في النادي الأدبي والتي تمثلت في إقامة المنتدى الثقافي الشبابي ودورات في اللغة العربية وأساليب الكتابة العربية وعروض الشعر ودعوة كبار العلماء والأدباء والمؤرخين وجولته بالنادي لإقامة محاضرات وأمسيات أدبية في محافظات المنطقة الشرقية وطباعة خمسة وسبعين كتابا في الأدب والثقافة . وأشار إلى أن العديد من الدراسات قد تناولت أدبه وشعره منها رسائل للماجستير والدكتوراه والكتاب الذي سيعد عنه لاحقا من احد أدباء العرب غير الذين كتبوا عنه كحمد الجاسر ومحمد بن سعد حسين والشباط وغيرهم . وفي نهاية ورقته أكد بأن العبيد كان يتمتع بخصال عظيمة منها مخافة الله وكريم الخصال ولطيف المعشر وطيب القول وصول لاصدقائه يبتسم للطرفة أو الرواية الحسنة ومضياف . ثم أعقب ذلك ورقة سريعة قدمها ممثل جماعة ذوق الأدبي محمد بن علي الزهراني أستعرض فيها سيرة العبيد الأدبية والتاريخية مطالبا الرواد والذين عاصروه وصاحبوه بأن يوثقوا بعضا من مؤلفاته وأشعاره ومواقفه التي لم تثبت في الكتب . وفي ختام الأمسية ألقى أبن الراحل طارق العبيد كلمة تقدم فيها بالشكر لسمو أمير المنطقة ونائبه وإدارة النادي على هذا التكريم لفقيدهم الذي أسس هذا الصرح الأدبي الكبير داعيا الله لهم المثوبة والأجر ثم أهدى الحضور نسخ من كتاب والده الذي صدر مؤخرا . وفي هذه الأثناء فتحت الندوة المجال للحضور لتسجيل بعضا من التجارب والانطباعات الشخصية عن رحلة العبيد العلمية والعملية حيث تحدث بداية رئيس محاكم المنطقة الشرقية سابق عضو هيئة كبار العلماء الشيخ محمد بن زيد آل سليمان عن مواقفه مع العبيد واسهاماته في جمعية تحفيظ القرآن في المنطقة ثم تبعه الشيخ يوسف العفالق قاضي محكمة الاستئناف وكذلك الشيخ عقيل العقيل رئيس محكمة الخبر والشيخ سامي المبارك و أخوته الذين حضروا ليلة الوفاء , ثم أهدى رئيس النادي محمد بودي أخوانه وأبناؤه مجموعة من إصدارات النادي .