يخطئ من يظن أن النشوز صِفة تلحق بالزوجة وحدها عندما تتمرد على مطالب زوجها المشروعة.. فالرجل أيضاً يصبح ناشزاً إذا ظلم زوجته أو منعها حقاً من حقوقها أو هجرها بغير عذر أو ذنب أو أمسك عن الإنفاق عليها أو حاول الزواج بأخرى لمجرد الإضرار بها فحسب.إذن يمكن أن يتصف الزوج بالنشوز.. وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: "وَإن امْرَأةٌ خَافتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أوْ إعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَليْهمَا أن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلحًا وَالصُّلحُ خَيْرٌ " إلى آخر الآية الكريمة.. فقد جاء لفظ النشوز مرتبطاً بالزوج في هذه الآية الكريمة.إن لفظ النشوز يستخدم للدلالة على "خلل من جانب الزوج أو من جانب الزوجة.. وهذا الخلل يمثل تهديداً للعلاقات الأسرية"..نستطيع أن نقول أن النشوز يطلق على كل خروج على ما قررته الأديان السماوية كلها فتخلي الزوج عن واجباته تجاه زوجته وعدم إنفاقه على أسرته وإهماله تربية أبنائه، وعدم التعامل مع الزوجة والأولاد بما يقتضيه حسن العشرة، كل ذلك يعد نشوزاً من جانب الرجل بمعنى أن هناك حالات كثيرة من النشوز تنطبق على الرجال كما تنطبق على النساء. ونحن هنا في هذا المقام نركز على نشوز الرجل باعتبار الزوج هو صاحب القوامة والراعي الأول للزوجة والأولاد والبيت. لذا فإن نشوز الرجل أخطر وأشد على حياة الأسرة من نشوز المرأة ويعد بادرة خطيرة جداً، أقل ما يقال فيها إنها تدمر البيت وتؤثر على سعادته وأن النتائج السلبية التي تترتب عليها أكثر من تلك التي تترتب على نشوز الزوجة، لأن الرجل هو رأس الهرم وقمته، وهو القيّم على العائلة وبيده المسؤولية، وله دور كبير ومؤثر داخل الأسرة، فهو الموجه والمفكر والراعي بما يكتسب من خبرات مجتمعية زائدة عن خبرات المرأة بحكم احتكاكه الدائم والمتكرر بمختلف جوانب الحياة، كما أن الرجل في جميع الأديان السماوية وغير السماوية هو قائد الأسرة وراعيها وربان سفينتها، ومن هنا تبرز خطورة نشوز الرجل الذي يعني تخليه عن دوره في توجيه أسرته وحمايتها ورعايتها بمن فيها زوجته وأولاده، لذا فإن نشوزه معناه الخروج على الأعراف وما تفرضه الأديان كلها، بل نستطيع أن نقول ان نشوز الرجل شذوذ لأنه يخالف طبيعته الرجولية السوية. لا شك بأن نشوز الزوج يعكس نوعاً من الأمراض الاجتماعية التي قد تؤدي الى تفكك الأسرة وانهيارها بما يترتب على ذلك من ضياع الأبناء.وخطورة نشوز الزوج على الأسرة لا تتوقف عند حد معين، ذلك أنه يحدث فقدان لنبع القرارات المدروسة التي يقود إليها الأب من خلال قوامته على أسرته، فيفقد الأبناء القدوة التي يحاكونها.ولعلي لا أجاوز الحقيقة حين أقول: إنه لا يمكن أن تنجح الأسرة بالشكل المطلوب بدون دور الرجل وقيامه بواجباته تجاه زوجته وأبنائه، لأنه إذا نشز الزوج فإن البناء الأسري لن يكون سليماً، سيكون بناء غير مكتمل أو غير قائم على أساس صحيح لأن سلطة المرأة أضعف من سلطة الرجل، وإن عاطفتها لا تكفي وحدها لإقامة الأسرة الصالحة، وإنما تحتاج دائماً إلى عقل الرجل وسلطته وفكره ومروءته لتوجيه الأسرة وصيانتها وإن غياب دوره قد يشجع الأبناء على استدرار عاطفة الأمومة واستغلالها في تحقيق مآرب في ظاهرها بعض الرحمة وفي باطنها كل العذاب.