في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2011م، شرع مروجو الكراهية في تنفيذ مخططهم لغرس مشاعر الكره والعداء للإسلام والمسلمين، عندها حرص الملك عبدالله بن عبدالعزيز - وكان ولياً للعهد - بتعزيز مفهوم الوسطية وألاَّ غلو في الدين وكان يجتمع بالعلماء والمشايخ ويذكرهم بالآية الكريمة "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً"، ثم وجه بعد ذلك بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي ضم في فترات انعقاده مختلف أطياف المجتمع من أكاديميين ووجهاء وعلماء من المذاهب في بلادنا العزيزة. وفي قمة التضامن الإسلامي بمكةالمكرمة عام 2005م، خرج الزعماء المجتمعون باعتراف متبادل شمل ثمانية مذاهب إسلامية وهي المذاهب السنية الأربعة، والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري، وأجمعوا على رفض تكفير أصحاب هذه المذاهب. وامتداداً لهذه القرارات المتسلسلة، جاء توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يكون مقره بالرياض، إيماناً منه بأهمية الحوار والتفاهم بين الإخوة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وهي المبادرة التي أطلقها حفظه الله في مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي الذي انعقد في مكةالمكرمة يومي السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر رمضان الماضي، وتمثل قراءة واقعية لحال الأمة الإسلامية السحيق، وتشخيص دقيق للداء الذي أصاب أمتنا الإسلامية بسبب الفرقة والاختلاف ورفض الحوار. الأمم العظيمة هي التي تؤمن بالحوار والتسامح وبناء جسور التواصل مع الشعوب والمجتمعات الإنسانية، ويبقى الحوار مهماً في تأسيس كيان أي مجتمع متلاحم متضامن، وقد أكد ذلك القرآن الكريم في أكثر من موقع في آياته. وهذا المركز سيفتح صفحة مضيئة للحوار بين المذاهب الإسلامية، وسيهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والانتماء والتقريب بين وجهات النظر العديدة، حتى تزول الصراعات التي حالت بين الناس أن يتعايشوا مع بعضهم. وحيث أن الرياض هي مقر المركز، وكون هذه الفكرة نشأت من هذه الدولة المباركة وفي أطهر بقاع الأرض مكةالمكرمة، فإن مركز الحوار بين المذاهب سيجعل مملكتنا الحبيبة في واجهة الحوار بين المذاهب الإسلامية، ولهذا نرجو أن تظهر التجليات الأولى للاقتراح الميمون في مجالنا الوطني. وعلى رغم نبل المبادرة لإنشاء المركز، وحرص القيادة على جمع الكلمة وإشاعة المحبة وتعزيز الحوار، يبقى الأمر في يد العلماء والمشايخ الذين هم بيت الحكمة وموئل التسامح، وقد كان موقفهم مؤزراً بعد إعلان المبادرة الكريمة كما سجلته خطب الجمعة في المملكة، بالتأكيد على أهمية الوحدة الوطنية والتآخي، والالتفاف حول منهج الملك عبدالله الداعي إلى رفض التقسيمات المذهبية وفتح آفاق الحوار الوطني بين أطياف المجتمع. ويبقى الأمل كبيراً في ترجمة ذلك إلى واقع ملموس يعيشه أبناء المجتمع، يتوحدون في حب الوطن ويبتعدون عن التصنيفات المذهبية والفكرية والمناطقية. كاتب وباحث أكاديمي