يكثر في هذه الأيام الحديث عن الحرية والمطالبة بها بالتزامن مع فترة مهمة من التاريخ العربي، كما يقول صانعوا هذه الثورات. وللمرء أن يسأل في هذا الموضع: ما هو مفهوم الحرية ؟ كيف يفهم العربي الثائر هذا المفهوم؟ كيف يفهمه من استمرأ أن يكون عبداً للمستبد وأن يدافع عنه اليوم بكل طاقاته؟ ثم هل ستنتج الثورة فعلاً حريةً حقيقةً للإنسان العربي ؟ هذه أسئلة تدخلنا في عمق مفهوم الحرية وهي مجال بحوث فلسفية واجتماعية وسياسية تطول ولا مجال لذكرها هنا، ولكن ومما لا شك فيه وجوب التمييز بين الحريات بالمعنى الليبرالي، التي ربما بدأت بالتحسن إلى حد ما في بلدان الربيع العربي كحرية التعبير والاقتراع والمشاركة ، وبين الحرية كنظرية تنظر في حرية الإنسان بعمقها الفلسفي. والحرية غير الحريات وهي غير أسباب الدعوة لها، وليس بالضرورة أن تتحقق بزوال تلك الأسباب . بمعنى آخر إن الخلاص من الاستبداد، وإن كان شرطاً لازماً لتحقيق الحرية وتحرراً من وضع غير طبيعي، فإنه لا يكفي لنقول إن الإنسان أو المجتمع أصبح حراً بل الأجدى أن نقول أنهما أزالا إحدى أهم العقبات أمام حريتيهما. وإذا انطلقنا من الحرية بمفهومها الأولي، وهذا أضعف الإيمان، فلنا أن نقول إن الفرد يكون حراً للقيام بفعل ما إذا اجتاز عقبتين أساسيتين وهما أولاً: القدرة والاستطاعة على القيام بهذا الفعل أو عقبة الإمكان المادي وثانياً: السماح له بفعل ذلك بحيث لا يتعرض لعقاب من جراء القيام به أو عقبة الإمكان القانوني. ومن هنا فإننا نستنتج أنه بعد التحرر من الاستبداد ولاستكمال تحقيق شعار الحرية الذي رفعته ثورات على أرض الواقع وجبَ،على أقل تقدير، تنمية إمكانات الفرد للقدرة على القيام بما يرغب به من أعمال وكذلك وضع القانون المدني والعصري المتناسب مع المجتمع المنشود مما يمكِّن الفرد مادياً وقانونياً من ممارسة الحرية بمعناها الإنساني والمسؤول .