هكذا نلتقي في شارع الحياة .. صدفة ، كل منا يحمل همومه ، نلوح لبعضنا وعلى وجوهنا ترتسم ابتسامة شاحبة وداخل القلب حرقة تراكمت والسنوات تركض بنا . شارع مكتظ بأنفاس متسارعة نبحث فيه عن شيء ما لا نعلم ما هو ، قد تكون السعادة التي يقولون عنها ، أو ربما نبحث عن طفولتنا التي تسربت مع الأيام ، وقد يكون ركضنا ما هو إلا هروب من مجهول نخشى أن يفتك ببقايا الطهر الغافي بين حنايا الروح . في آخر ذلك الشارع العتيق يوجد هيكل شجرة مازالت متشبثة بثوب الحياة والريح تعصف بها ، تفتت أغصانها اليابسة ، على جذعها أسماء منقوشة وتواريخ تلتحف برائحة الزمن البعيد وآثار أقدام عبرت من هنا . نقشتُ اسمي معهم ومضيت ، كان الشارع يضيق ويضيق والوجوه تختفي ، لم يعد سواي ووجه جاء من خلف غيمة للتو سقت وجه الأرض ، جاء لكي يُقبل جبين ذكرياته التي تركها ذات شتاء والبرد ينهش جسد البراءة فيها . واصلت سيري بين أزقة الحارات وفي أذني قرع أقدام تركض ، وأصوات تلهو خلف نوافذ مشرعة ، وقهوة أمي تعطر المكان ونسمة جبلية تحرك لهب موقدها الخافت . في شارع الحياة ليس مسموحا لك أن تنحني حتى تتقاذفك أقدام الراكضين خلف الوهم كدمية سقطت من يد طفلة بضفائر مجدولة فخافت أن تلتقطها ومضت وهي تنظر لها بعد أن أهدتها دمعة لامست شعرها الأصفر . ليس مسموحا لك أن تلتفت للخلف فكل من هم هناك مجرد بقايا أشياء يخبئها الزمن حتى تعود لها بعد أن يذبل جسدك وترحل عنك الوجوه في موسم هجرة لكل الاتجاهات إلا إليك .هكذا هو شارع الحياة لن نعبره سوى مرة واحدة .. فهل سيذكرنا يا ترى ؟ هل ستبقى ذكرانا منقوشة على تلك الشجرة العتيقة ؟ .. ربما. وقفة : أستطيع القول صدقا إنني افتقدت لجاري في الصفحة الأستاذ والمربي القدير خالد الحسيني المنقطع عنا لظروفه التي أرجو الله أن تزول ليعود بقلمه الجميل والخبير .. من هنا أقول له : عُد إلينا سريعا .