كثيراً ما استوقفني المثل الصيني الممعن في صدقيته كلما جاء ذكر للتنمية البشرية، إذ يقول ذلك المثل: إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع نخلاً، وإذا أردت أن تزرع لمائة سنة فازرع رجالاً. فالسعودة وما أدراك ما السعودة؟ ذلك الهم الكبير الذي يؤرق الجميع، ننظر إليها اليوم من واقع ما تعيشه البلاد من عمالة أجنية كانت إحدى نتائج وآثار الطفرة الاقتصادية التي عاشتها البلاد قبيل ثلاثة عقود من الزمان لتواجه البلاد اليوم تحديات جمة وعميقة "اجتماعية واقتصادية". فالعمالة الأجنبية أصبحت اليوم واقعاً، ومشكلة تحتاج إلى حلول متأنية تأتي بعد دراسات لجميع أبعادها. ولابد من وقفة هنا لتأكيد التطور الذي شهدته المملكة العربية السعودية سياسياً واقتصادياً والمتمثل في الوحدة السياسية التي بعثت مفهوماً وطنياً جاء بديلاً للتوجهات الاقليمية ذات النظرة والأفق الضيق، ليتحقق الاندماج الكامل بين مختلف المناطق في وحدة وطنية متميزة، وكان الفضل بعد الله للمؤسس الأول (طيب الله ثراه) جلالة المغفور له بإذنه تعالى الملك عبدالعزيز آل سعود، حيث اعتمد على الأساليب الحديثة لبناء الدولة وتحولها الاقتصادي الذي استثمره ولاة الأمر من بعده استثماراً صائباً لتشهد البلاد استكمال البنية التحتية، والانتهاء من جميع الأسس التي نقلت البلاد الى مصاف الدول المتقدمة، وقد كان المواطن هو محور كل تلك التوجهات والمشروعات. إن الثلاثين عاماً أو أكثر التي جعلت المواطن السعودي يلهث خلف الحياة الحديثة المتمثلة في رفاهية السكن والسفر، والحياة عامة لم تمكنه من التمييز لتصحح مساره الحضاري ليتفهم كيفيات وآليات الوصول إلى متغيرات حياته، ومعرفة السبل التي توصله إلى ركب العالم المتسارع رقم أن مرحلة التحول هذه صاحبتها وفرة في المال، وللمال بريقه لجذب الخبرات وتسخير الأبدان والعقول من مختلف الجنسيات ومن شتى أنحاء العالم، وقد لا أجافي الحقيقة أن قلت إنه قد مرت على البلاد فترة كان فيها كل أجناس العالم قاطبة! ويثور هنا السؤال: هل كنا وما زلنا في حاجة الى كل تلك الأعداد من البشر؟ نعم جذبت البلاد بل واستقطبت خير الكفاءات والخبرات من جميع أنحاء العالم ولكي لا نغمطهم حقهم فقد تركوا بصماتهم ظاهرة في مسار نهضتنا الحديثة، إلا أنه قد صاحب تلك النخب جيوش جرارة من العمالة غير المؤهلة التي عانينا منها الكثير وليس المجال يسعفني لأحدد بعض آثارها السالبة في حياتنا ولكي لا أذهب بعيداً فإن ما أحدثه أشباه ميكانيكي السيارات من أضرار على اقتصادنا الوطني قد يفوق كل تصور! وهذا يقودنا إلى عمالة المنازل، ذلك الشر المستطير الذي أضحى يشكل أبعاداً اجتماعية خطيرة لكل منزل.. وما حوادث الخادمات والجرائم التي ارتكبت ببعيدة عن ذاكرة الكثيرين.. ناهيك عن الآثار المدمرة للنشء الذي تربى بين أحضان الخادمات.. فالواقع أن موضوع العمالة الأجنبية قبل أن نلج إلى موضوع السعودة موضوع معقد ومتشابك، وله أبعاده الكثيرة التي تحتاج إلى التعامل معها بكل جدية.. فهي الخطر الماثل في أية لحظة. إن القضاء على العمالة الأجنبية، والسعودة وجهان لعملة واحدة بل خطان متوازيان، فاضمحلال أحدهما يؤكد امتداد الآخر، فالدولة رعاها الله الآن تسخر كل امكاناتها وتولي اهتماماً كبيراً بهذا الموضوع المتعلق بمستقبل أجيال قادمة.. وفي محاولة متواضعة سوف أحاول أن أسلط بعض الضوء على جوانب هامة من مسألة السعودة... ولنا عودة.