** كان الحوار بيننا شجيًّا ونحن نقتعد ذلك المكان المرتفع وأمامنا تلك «المدينة الطيبة» بعد ان تمددت الى كل الجهات من الافق الى الافق فاقدة من خلال ذلك التمدد لكل «ذكرياتها» وحكاويها التي كانت تردد خلف شبابيكها الخشبية.. وعلى اعتاب منازلها الحجرية والطينية.. وعلى مقاعد مقاهيها المنتشرة في ازقتها وشوارعها واحيائها.. واطرافها البعيدة والقريبة. تمددت فذهب ذلك العبق الجميل الذي كان يزين لياليها الشاتية.. ويطبع نهارها الدافئ وبنسمات ليالي الصيف فيها.. بتلك السكينة التي كانت تظلل طرقاتها.. فلا تكاد تسمع لوقع خطوات اهلها وهم ذاهبون الى مسجدها العظيم اي صدى.. غير صوت تساقط حبات «مسابحهم» بين اصابعهم. ** اخذنا الحوار على تلك الربوة امامنا «آثار» من بساتين العوالي وقربان.. وقباء.. بعد ان اقتحمتها تلك البنايات الاسمنتية اخذنا الحوار الى زمن مضى.. وعمر طويل.. عاشته هذه البساتين بصوت «بكرات السواني» الحزين وذلك النغم الحالم الذي يطلقه ذلك «الفلاح» وهو يتحرك مع «غرب الماء» صعوداً وهبوطاً في تلك البئر الحجرية العميقة. وتمايل رؤوس النخيل.. مع «هبوب» النسيم فتشعر انك تميل معه.. حيث مال وكان «خوصه» وجريدة «جدائل» فاتنة حتى قال شاعرنا «حسن صيرفي» رحمه الله: شوف النخل كيف مايس في «الجزع» كأنه عرايس غطى بشعره الجنينة خلا الجنينة خميلة ** اخذتنا الذكرى الى البعيد.. البعيد.. الى ان قال احدنا وي كيف نسيتم او تناسيتم تلك الصورة البهية التي تكون فيها المدينة في مثل هذا اليوم من اشهر الصيف القايض وتلك الاسر التي تلوذ بهذه البساتين ولياليها الحميمة بحثاً عن نسمة عليلة. نظرنا جميعا الى الافق الممتد امامنا.. واخذت الصورة تتشكل من جديد.. ها هي أحياء المدينة بتعرجات ازقتها وباسواقها التي تعج بالحركة.. تشبه الى حد كبير تلك المدن ذات التاريخ الطويل. وتلك البساتين تتحول الى فرح ممتد من الشرق للغرب ومن الجنوب للشمال. «فهذه الصفية» يتردد صدى صوت عبدالعزيز شحاته من ديوانها وذلك «الدوار» يأتيك صوت «الشولاق» منهنها من بين نخيله ومن خلف اشجار الورد يأتي صوت السيد الرفاعي من الاخوين فخيماً وهو يردد تلك الالحان لعبدالوهاب وسيد درويش، أو يأتيك صوت الصهبة من «سواله» أو الهرمية: أو أهازيج ليلة صيف من بستان الخريجية انه زمن مضى واندثر كأنه لم يكن ابداً. لملمنا اشياءنا انا وصديقي وشيء كأنه الملح على طرفي لسانينا نتذوقه او هو يتذوقنا لا فرق!