حادثة التحرش لم تكن في يومٍ من الأيام مدبرة أو حتى منظمة حيث بدأها عدد قليل من الشباب إلا أن عددهم قد تزايد بسرعة البرق. ولم يرحم هؤلاء الشباب الفتيات من التحرش ولم يسلم أيضاً من هذه المعاكسات المرأة المتزوجة أو حتى كبيرات السن!. وللمعاكسات في الأسواق والشاليهات مواسم مثل عيد الفطر وغيره من الاحتفالات التي أصبحت موعداً للتحرش الجماعي. سؤال أطرحه على نفسي. ما الذي دفع هؤلاء الشباب إلى هذه الفِعلة الممقوتة والمحيّرة؟ أين شهامة الشباب.. أين عامل التربية المفقود؟ لماذا لا نُهذِّب في أبنائنا الغريزة الجنسية!. أصبح التحرش الجماعي مظهراً ، ولعل ما يحدث هو دليل على حالة عشوائية يعيشها مجتمعنا وبالذات أسرنا فليس هناك مساكن عشوائية فقط ولكن يصاحب ذلك سلوك عشوائي ناتج عن عشوائية التفكير وسطحية الثقافة وفقدان الرقيب وضياع السلطة الوالدية. كل هذه جعلت من هؤلاء الشباب يتخذون من الزحام والأسواق موعداً لتحرشاتهم الجنسية التي تكثر معها الاعتداءات والمضايقات وأحياناً تصل إلى القتل. كثيراً من التربويين والنفسيين يرجعون أسباب هذه الظواهر إلى الكبت وآخرون يقولون إن التحرش الجنسي بصفةٍ عامة هو سُلوك منحرف وسيء ولكنني بكل صراحة أرجع ذلك إلى أننا قد فرّطنا كثيراً في تربية وتهذيب أبنائنا؟ فلم تعد هناك خطوط حمراء أو بيضاء أو حدود للاحترام أو تقدير الكبير. فالتسيب والإهمال وضياع القدوة جعل من أبنائنا يظهرون بمظهر التسيب والانحلال. فلا زلنا نرى للأسف الشديد من يلبس (التي شيرت) الملون ذي العبارات الفاضحة والمخجلة في الأسواق وهناك من يرتدي الجينز المحزّق والشعر الطويل وسلسلة الرقبة وسلسلة في المعصم وآخرون للأسف خرجوا علينا بالخرص في الأذن حتى أصبحنا لا نعرف الذكر من الأنثى؟!. فقدنا فيهم الفخر والاعتزاز.. فقدنا فيهم الرجولة والشهامة.. وحتى النخوة؟ فالفراغ في الإجازات وعدم توفر الرقيب أهم هذه الأسباب وخاصةً الشباب الذين ينتمون إلى بيئةٍ فقيرة فهؤلاء بالطبع فاقدون للرقيب والقدوة معاً ويعيشون في فراغٍ ذهني وعاطفي فهؤلاء أيضاً لا يحبون المدارس ويرفضون التعليم والتثقيف. وليس لديهم الإمكانية للالتحاق بالأندية الرياضية فالطموح مفقود والسلطة الأسرية مفقودة. ويصبح لأصدقاء السوء القول الفصل في تحركات هؤلاء الشباب وتحديد أهدافهم. فهم أشبه ما يكون بوسيلة انتقام وتسلية وتضييع أوقات فراغ ولا أستطيع أن أضع اللوم كل اللوم على الشباب فقط؟ بل أضع اللوم على الوالدين والأسرة بصفةٍ عامة والتربية وعدم استيعاب الأبناء والانفتاح على نفسياتهم والتعرّف عن قرب على مشاكلهم. فيذهبون إلى غيرنا من أصدقاء السوء ليشكلون سلوكهم ويُحرّكون دوافعهم ويوجهون طاقاتهم ويبددون أوقاتهم فيما لا فائدة منه. فضياع الهدف وفقدان الطموح يحدد لدى أبنائنا التسيب الأسري والوصول إلى هذه العواقب. ولا أعفي من هذه الفئة الشباب المُرفه من أصحاب رؤوس الأموال فالحال كذلك إن لم تكن الطامة أكبر في توفر المال لديهم وتسخير الشباب الفقير لخدمتهم ومن هنا يُصبح هؤلاء المرفهون مسيطرون على أندادهم من أبناء الفقراء ومعززين سلوكهم ومؤكدين أهدافهم. فكثير من الأسر الفقيرة ما ينجبون أعداداً كبيرة من المواليد يصعب حصرها والسيطرة عليها وتوجيهها وتربيتها التربية الصالحة فالعبرة ليست بالإنجاب والأعداد ولكن العبرة بالتهذيب والتربية والقدوة الصالحة. ومهما بذلنا من جهود من قبل رجال الأمن والحسبة للسيطرة على هذه التحرشات الشبابية لن نستطيع أن نوقفها إن لم يكن هناك تربية صالحة تضمن وتكفل لأبنائنا البعد عن هذه الظواهر المقيتة.. وأناشد هنا الأسرة فالأسرة هي البوتقة التي تنصهر فيها جميع العادات والتقاليد والقيم وتشكل سلوك الفرد منّا وتؤصله وتؤكده في سلوكه كما أناشد رجال الدين والإعلام والتربية والتعليم وخطباء المساجد في تناول هذه الظاهرة والتأكيد عليها لأنها تعتبر ظاهرة اجتماعية مقيتة في أسواقنا وأعيادنا واحتفالاتنا.