إذا وجد الرقيب تلاشت الحريات هكذا يقول كل فنان يريد أن يطلق لنفسه العنان لإيصال فكرته سواء عبر لوحة مرسومة، نصٍ أدبي تلفزيوني سينمائي أو عدسة كاميرا. كان الرقيب فيما سبق هو الفيصل في عرض أي عمل تلفزيوني فهو الذي يحدد حجم المحظورات الموجودة فيه وهل ستضر بالعمل عند ما يجهز عليه بمقصه أم لا ولهذا كانت معظم الأعمال تخضع لمنطق الرقيب والكثير منها رفضت من أحدهم وأجيزت من الآخر وأذكر أن أحد الأعمال المصرية لكاتب مشهور تحول بعد مقص الرقيب من 45 حلقة إلى 24 حلقة وبالطبع لم تسلم القناة العارضة من اتهام دولتها بمحاربة الحريات والحجر على أفكار الآخرين. ومع انتشار القنوات الفضائية أصبح مقص الرقيب كسولاً فلم يعد يجتاح الأعمال وأصبح يتغاضى عن الكثير من التشديدات وربما يعود هذا إلى أن القناة العارضة لم تعد موضع التدقيق والتمحيص من قبل مشاهديها بل إن معظم القنوات ألغت هذا المقص نهائياً وهذا للأسف جاء على حساب الكثير من القيم والأخلاقيات واختلط الحابل بالنابل. نحن لا نريد مقص الرقيب ولكننا مع مقص التهذيب الذي يجب أن يراعي أن الجهاز التلفزيوني هو فرد من أفراد العائلة يعيش معنا ولا نذهب إليه كالسينما ولهذا فهو مشاهد من قبل الصغير والكبير وعلينا أن نراعي الكثير من القيم والأخلاقيات التي تحافظ على أبناء مجتمعنا. المؤسف له أن الكثير من القنوات العربية تناست أنها تخاطب مشاهداً عربياً مسلماً ويفترض فيها أن تكون أكثر دقة فيما تعرض ولكن للأسف الشديد أصبح التنافس فيما بينها قوياً في عرض الممنوعات وتتفاخر بأن تسميه الجرأة ومنطقها يقول إن المشاهد يتابع القناة الجريئة. نعم هنالك الكثير من الشباب يرغبون في معرفة كل شيء ولكن هل المنطق السليم أن نخاطبهم عبر غرائزهم؟. إحدى المسلسلات التركية يعرض ما لا يقل عن 10 دقائق في كل حلقة هي مشاهد بين بطل العمل وهو يضع رأسه على رأس محبوبته يشم رائحتها!.. الخ. وهي إيحاءات أسوأ في التأثير من التصريحات. خاصة وأن هذه الحبيبة ليست زوجته فهي هاربة من زوجها الذي تزوجته على كتاب الله وسنة رسوله كمسلمين وهي لعيون حبيبها تنشد من زوجها الطلاق. ترى ما الذي يمكن أن يحدث إذا أصبحا زوجين؟. المسلسلات التركية أو لنقل العربية بوجوه تركية فمن كثرتها ولغتها تناسينا من أين أتت، تركز في إعلاناتها على أننا بمشاهدتها سنستعيد الحب المفقود والحب الضائع وستعيد لنا الثقة بالحب الذي فقدناه أو الذي لا نعرفه. هل نحن مجتمعات تقر هروب الفتاة مع صديقها؟ وهل نحن مجتمعات تقر هروب الزوجة من زوجها إلى أحضان صديقها؟ وهل نحن مجتمعات تقر الإنجاب قبل الزواج؟ وهل نحن مجتمعات تقر الإجهاض؟. إننا نرى كل ما هو ضد منطقنا وعاداتنا وتقاليدنا وشريعتنا قبل كل أمر ولهذا قد تكون هذه المحظورات جاذبة للبعض من أفراد مجتمعاتنا ولكن الحذر من أن نعتبر هؤلاء النشاز قدوة لنا ونقر بكثير من التكرار سلوكايتهم وعلينا ألا ننسى أن أطفالنا يقلدون الكثير من العنف في مسلسلات الكرتون عندما كانوا يشاهدونها وقبل أن يستبدلوها بالمسلسلات التركية التي ستغرس فيهم كل ما هو ضد القيم والأخلاق. أناشد أصحاب القنوات التي ألغت مقص الرقيب أن لا تستغني عن مقص التهذيب فهو جزء من حياة من يريد أن يكون في منظر لائق. ألا يمر هذا المقص على رؤوسنا ولحانا وشنباتنا؟. فليمر إذن على شاشاتنا.