سبك الشاعر حسن الزهراني " نائب رئيس النادي الأدبي بالباحة " قبل أيام قلائل قصيدة رثائية في والده الشيخ محمد بن حسن الزهراني الذي توفى في غرة شهر محرم من هذا العام .. وبلغ عدد أبيات القصيدة واحدا وسبعين بيتاً يحمل كل بيت معاني ودلالات ثرية وفلسفة عميقة عن الحياة وزيفها.وتبين مدى العلاقة الروحية بين الابن والأب والحب المتجذر في الشرايين .وكذلك لواعج الحزن ولهيب الفراق. والقصيدة في مجملها تنم عن شاعرية فذة وموهبة وتجليات سامية , وما ترقه ريشة قلمي ليس قراءة نقدية بمفاهيمها وأسسها العلمية إنما قراءة انطباعية لبعض الصور والأخيلة الشعرية والمعاني البلاغية والألفاظ الجزيلة التي يتفرد بها الشاعر و قد شد أهداب عيني احد أبياتها يقول: أمسيت بعدك نصف قلبي جمرة والنصف ثلج والعروق هباء أي جمال يسوقنا الشاعر لرؤية هذه الصورة الشعرية النادرة والجديدة .. إذ أمسى الشاعر بعد رحيل والده بقلب مشطور نصفين احدهما جمرة متقدة والآخر قطعة ثلج . مادتان متناقضتان (جمر وثلج ) وهي قوة تعبيرية عن شدة الحزن والأسى. لو قال الشاعر إن قلبه تحول إلى جمرة لقلنا سبقه الآخرون من الشعراء .. إلا أنه يجمع بين أعتى وأشد حرارة نعرفها وهي الجمرة المحترقة وبين نقيضه الثلج البارد جداً .. فيثير التساؤل كيف ولماذا يمتزجان في قلب الشاعر؟ وكيف يؤول صاحبه لمن يحمل قلباً نصفه ثلجاً والأخر جمراً .. إن لحظة الفراق هي التي تفجر قرائح الشعراء وأعنفه فراق الموت الذي يغيّب الأحباء والأصدقاء والأعزاء .. ولو تذكرنا رثاء الخنساء أخاها صخر .. لأدركنا ما يسببه الموت من لواعج الحزن.. وقصيدة الخنساء واحدة من عيون الشعر العربي التي توقف عند أبياتها النقاد إعجابا بملكتها الشعرية والتشبيهات التي وردت بها . وما قاله ابن الرومي الذي عاش في القرن الثالث الهجري حين فقد واسطة العقد من أبنائه .. لتتحرق من معانيها القلوب وتبتل العيون . فالقصائد الرثائية في نظر النقاد هي الأبلغ والأصدق والأجمل لأن العاطفة الصادقة هي القادح لموهبة الشاعر.. المفجر لإبداعاته ..عندها يسكب فيض أحاسيسه.. وصادق مشاعره في جدول قصيدته لتتحول إلى نهر جمالي يجري في ذاكرة الناس على مدى الأيام والسنين. وأعود لشاعر السحاب الشاعر المتألق "حسن الزهراني" الذي أصدر ثمانية دواوين شعرية منها : قبلة في جبين القبلة , تماثل , صدى الأشجان, أوصاب السحاب , ريشة من جناح الذل, قطاف الشغاف. لما تحويه دواوينه الشعرية من فلسفة عميقة ورؤى واعية وتجارب حياتية ثرة وصور بلاغية بديعة تؤهله لأن يحجز مقعدا في الصف الأول من بين شعراء الوطن العربي .. ولا شك أن اختيار بعض قصائده لتُدرس في مناهج الأدب لطلاب الصف الثالث المتوسط .. دليل على جمال شاعريته والتي تستحق التوقف من النقاد .. وكان للدكتورة كامليا عبد الفتاح أستاذ الأدب والنقد في جامعة الباحة حق عندما أصدرت كتاباً نقدياً تحليليا خاصاً تحت عنوان ( الأصولية والحداثة في شعر حسن الزهراني ) والكتاب يعتبر أحد المراجع الأدبية والنقدية لمن أراد أن يتغلغل في وجدان الشاعر ويبحر في قلائده الذهبية ويتعمق في اكتشاف الصور البلاغية الجميلة، والأستاذ حسن الزهراني أعرفه ليس شاعراً فقط بل يحمل حساً شفيفاً أبيض لجميع من يعرفه أو من لا يعرفه .. هادئ الطباع بليغ الكلام , طيب القلب غزير الثقافة حسن الخلق ويُعد مدرسة متميزة في الإلقاء الشعري. غفر الله لأبيك ياحسن الذي هو والد الجميع وأسكنه فسيح جناته وألهمكم وأفراد أسرتكم الصبر الجميل ، وإنا لله وإنا إليه راجعون . ومضة: الصدق يكسبك محبة الآخرين.