في كلمة الافتتاحية في الدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى المنعقد في مدينة الرياض بتاريخ 24 محرم 1433ه الموافق 19 ديسمبر 2011م، قال خادم الحرمين الشريفين " لقد علمنا التاريخ وعلمتنا التجارب أن لا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك فسيجد نفسه إلى آخر القافلة ويواجه الضياع وحقيقة الضعف، وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأوطاننا وأهلنا واستقرارنا، لذلك أطلب منكم اليوم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر إن شاء الله. رحب وبارك قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالاقتراح المقدم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية رئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى في خطابه الافتتاحي بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. وإيماناً من قادة دول المجلس بأهمية هذا المقترح وأثره الايجابي على شعوب المنطقة وتمشياً مع مانصت عليه المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون بشأن تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وبعد تبادل الآراء في المقترح، وجه القادة المجلس الوزاري بتشكيل هيئة متخصصة يتم اختيارهم من قبل الدول الأعضاء بواقع 3 أعضاء لكل دولة، يوكل إليها دراسة المقترحات من كل جوانبها في ضوء الآراء التي تم تبادلها بين القادة تكون اجتماعات الهيئة بمقر الأمانة العامة، ويتم توفير كل ما تتطلبه من امكانيات إدارية وفنية ومالية من قبل الأمانة العامة. عقدت الهيئة المتخصصة اجتماعاتها في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون، ووضعت تصوراً متقدماً عن شكل الاتحاد المقترح، ومؤسساته وهيئاته المتخصصة، سيتم رفعه إلى اللقاء التشاوري، ويهدف هذا التصور، وفقاً لتوجيهات القمة إلى الانتقال بالعمل الخليجي المشترك إلى مرحلة جديدة تحقق أعلى درجات التكامل بين دوله وتلامس تطلعات المواطنين في تعزيز الرفاه الاقتصادي والترابط والتواصل بين المواطنين، في إطار حديث يستفيد مما وصلت إليه التجارب العالمية في التكامل الإقليمي. التحول إلى مرحلة الاتحاد، يحرص على الاستفادة من تجارب الاتحاد في الأمم الأخرى، مع عدم الإخلال بالأسس والثوابت التي قام عليها مجلس التعاون، أو المساس بالخصوصية الوطنية لكل دولة ومظاهر سيادتها واستقلالها. وسيتمتع الاتحاد بميزة فريدة من خلال مشاركة دوله لخصائص الدين الإسلامي والعروبة بما فيها من مكونات اللغة والتاريخ والمصير المشترك. يهدف الاتحاد إلى حماية وصيانة أمن واستقرار الدول الأعضاء وتأمين سلامتها وبما يحافظ على كيانها وسلامة مواطنيها، علاوة على الحفاظ على سيادة الدول الاعضاء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتحقيق أعلى درجات التكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها وذلك من خلال عمل مؤسسي يرتقي بمسيرة العمل المشترك بما يكفل تحقيق أهداف الاتحاد في مختلف المجالات. نقل مسيرة العمل الخليجي المشترك لمرحلة الاتحاد، يدعم أهدف مجلس التعاون لدول الخليج العربية ويعزز قدراته، ويستجيب للتطورات التي تشهدها دول المجلس، والمتغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية، ويحقق في الوقت ذاته تطلعات قادة وشعوب دول المجلس بالدفع الخليجي إلى آفاق أرحب في كافة المجالات. بالنظر لما تحظى به منطقة الخليج العربي من أهمية بالغة، وما تواجهه من تحديات ومخاطر جمة، فإن التعاون والتنسيق بين دول المجلس بصيغته الحالية قد لا تكفي لمواجهة التحديات القائمة والقادمة، مما يستوجب تطوير التعاون الخليجي المشترك لصيغة اتحادية مقبولة باعتباره السبيل الوحيد لمواجهة الأزمات بصورة فعالة ومؤثرة. التحول لوضعية الاتحاد من شأنه أن يمنح مسيرة العمل الخليجي زخماً أكبر، ويعطي دوله ثقلاً أكبر من مكانة تتوازى مع مالديها من مقومات القوة الناعمة والإمكانيات المادية الجيوستراتيجية الهامة. في مجال السياسية الخارجية، ومع وجود هيئة متفرغة خليجية تنسق قرارات السياسية الخارجية في إطار الاتحاد وتنفذ مايتم الاتفاق عليه، فإن ذلك من شأنه تعزيز الإرادة الجماعية لدوله، والسرعة في التحرك لمواجهة المستجدات، وتحقيق مصالحها الجماعية، ومن خلال التفاوض الجماعي مع الدول والمجموعات الأخرى فإن دول الاتحاد تستطيع أن تحقق تلك المصالح على نحو لايمكن أن يوفره التحرك الفردي المجرد من أدوات التفاوض الجماعي. في مجال الدفاع، فإن أهم المكاسب التي ستحققها حالة الاتحاد هي تحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس عبر فرض احترام مصالحها عند صياغة أي ترتيبات أمنية جديدة في منطقة الخليج العربي على الأطراف الإقليمية والدولية كما أنه يشكل الضمانة الرئيسية لأمن دول الخليج العربية كبديل عن السياسات الدفاعية المرتكزة على التحالفات الثنائية أو الوقتية المبنية على مصالح عابرة إذ تظل تلك التحالفات مرتبطة بهذه المصالح التي بطبيعتها متغيرة. في ظل مواجهة دول الاتحاد أخطاراً غير مسبوقة ليس أقلها ظاهرة الإرهاب، فإن التكامل الأمني من خلال تطوير المؤسسات الأمنية المشتركة والعمل الجماعي من خلالها قد أصبح ضرورة لمواجهة تلك الأخطار بفعالية وسرعة. في المجال الاقتصادي، فإن الاتحاد سيجعل من دول الخليج العربية كتلة اقتصادية قوية بناتج محلي إجمالي بلغ عام 2011 أكثر 1.4 تريليون دولار، مما يعني أن الاقتصادي الخليجي يمثل أكثر من نصف الاقتصادي العربي ككل، وتمتلك دول مجلس التعاون نحو 630 بليون دولار من الاحتياطي النقدي الرسمي، ونحو تريليوني دولار من الاستثمارات الخارجية تشمل موجودات الصناديق السيادية، وهذا الاقتصاد مرشح للتضاعف كل 8 سنوات تقريباً، مما يتطلب تطوير آليات العمل المشترك ليواكب هذا النمو. من شأن الاتحاد أيضاً على الصعيد الاقتصادي، تنويع قواعد الإنتاج في دوله، بما يحقق رفاه شعوبها ويقوي مكانتها الاقتصادية الدولية، وتأكيد دور دول الخليج كمصدر رئيسي موثوق عالمياً ليس للنفط الخام والغاز فقط، بل كمركز صناعي متقدم ومصّدر للصناعات البتروكيماوية بشكل يدعم مكانة دول الخليجي على المشهدين السياسي والاقتصادي، وأن يفضي إلى زيادة فرص العمل للشباب الخليجي وسهولة تنقل المواطنين ورؤوس الأموال ضمن أقطار الاتحاد الخليجي. تمثل دول الاتحاد سوقاً موحدة قوامها 42 مليون نسمة، وجميع تلك المقومات ذات مردود لايستهان به ومزايا سيكون مردودها عالياً اقتصادياً وسياسياً لدى الانتقال إلى صيغة اتحادية. في دول مجلس التعاون الخليجي، أكثر من نسبة 65% من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، وهذا الأمر سيسهل من مهمة التطوير والإنتاج وبناء الأوطان بما يخدم شعوبنا ومجتمعاتنا في نقلة من مرحلة التعاون إلى مرحلة التكامل والاتحاد بإذن الله تعالى، حيث أثبت الشباب الخليجي قدرته على الإبداع والمبادرة وأنه متسلح بالحب والولاء لوطنه وأمته، وسيعزز الاتحاد مجالات المواطنة ويجعلها أكثر فاعلية. فكرة الاتحاد ليست وليدة اللحظة بل خرجت أساساً من رحم ميثاق مجلس التعاون الخليجي ونظامه الأساسي كهدف رئيس للمجلس، كما أنها تشكل تطور طبيعياً لمسيرة 31 عاماً من العمل المشترك للمجلس، ونتاج دراسات وأوراق مستفيضة قامت بها الدول الأعضاء والأمانة العامة والهيئة الاستشارية وتم طرحها على المجلس بشكل متوال منذ عام 2000م على الأقل.