كازاخستان: 38 قتيلاً إثر تحطّم الطائرة الأذربيجانية    اللهيبي: النظام يوحّد ويجوّد منظومة الدعم الفني    تركي آل الشيخ يتصدر أكثر الشخصيات تأثيراً في عالم الملاكمة لعام 2024    أمير الشرقية : الدكتور عبداللّه الربيش قدم جهوداً مميزة ومقدره    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    «تقييم الحوادث»: قوات التحالف لم تستهدف «مستشفى باقم» ولا «اليتمة» ولا مدنيين    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    وزير الطاقة يزور عدة مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة في المدينة الصناعة بالرياض    تنفيذ حكم القتل قصاصاً بإحدى الجانيات في منطقة الرياض    حرس الحدود بعسير ينقذ طفلاً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    نقل تراخيص المسارح من الترفيه إلى هيئة المسرح    "السويلم" يدعم مستشفى البكيرية العام لتأمين عددًا من الأجهزة الطبية    صحيفة الرأي الالكترونية توقّع شراكة مع جمعية يُسر بمكة لدعم العمل التنموي    بأكثر من 12.6 مليار ريال.. أمير جازان يُدشِّن ويضع حجر الأساس ل 552 مشروعًا    وزير التعليم يُدشِّن أول مدرسة حكومية متخصصة في التقنية للموهوبين    الإسعاف الجوي بنجران ينقل مصابا في حادث انقلاب    وزير الموارد البشرية يشارك في تعزيز العمل العربي المشترك خلال اجتماعات التنمية الاجتماعية في البحرين    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل في المنطقة    وزير الداخلية يعزز التعاوزن الأمني مع نائب رئيس وزراء قطر    الأمير عبد العزيز بن سعود يكرم مجموعة stc الممكن الرقمي لمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي ومهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    المسعودي رئيسا للاتحاد السعودي للشطرنج حتى 2028    استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته في قصف إسرائيلي شمال الضفة الغربية    لمطالبتها ب 300 مليار دولار.. سورية تعتزم رفع دعوى ضد إيران    ميدان الفروسية بحائل يقيم حفل سباقه الخامس للموسم الحالي    "التخصصي" يتوج بجائزة التميز العالمي في إدارة المشاريع في مجال التقنية    "سعود الطبية" تعقد ورشة عمل تدريبية عن التدريب الواعي    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد اتفاقية تاريخية لمكافحة الجرائم الإلكترونية    الإحصاء: ارتفاع مساحة المحميات البرية والبحرية في المملكة لعام 2023    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    رغم ارتفاع الاحتياطي.. الجنيه المصري يتراجع لمستويات غير مسبوقة    إيداع مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر ديسمبر    تهديد بالقنابل لتأجيل الامتحانات في الهند    إطلاق ChatGPT في تطبيق واتساب    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    وافق على الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة.. مجلس الوزراء: تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    السعودية واليمن.. «الفوز ولا غيره»    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    تزامناً مع دخول فصل الشتاء.. «عكاظ» ترصد صناعة الخيام    أخضر رفع الأثقال يواصل تألقه في البطولة الآسيوية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    أهلا بالعالم في السعودية (3-2)    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    أخطاء ألمانيا في مواجهة الإرهاب اليميني    الدوري قاهرهم    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    سيكلوجية السماح    استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيّام قضيتها بين الإخوان .
نشر في عاجل يوم 22 - 07 - 2013

في حقبةٍ مَاضية من الزمن ، كنتُ أذهبُ في مَطلع كل فجر مع بَعض الأصحاب والخلان، إلى مَسجدٍ في جنوب بُريدة، يَحتضنُ العديَد من كِبار السِن والشيوخ، الذين يُعَدّونَ من الإخوان، وكانت لي معهم بعض المواقف والطرائف، أحببتُ أن أطلعكم على شيء منها .
شيخ هَرِمٌ يتربعُ في مِحرابِ المَسجد، ويتحلقُ حَولهُ جُملة من كِبار السِن ، يقرؤون عليهِ مَا تيسّرَ لهُم مِن كُتبِ السلف الصالح، في جَوّ ربانيٍّ مَهيب .
كانتْ القهوة تدارُ على الجالسين، وكانَ لها مَذاقٌ آخر، خصوصاً مع تمر السكري اللذيذ، وبين هذه الوُجوه الطاهرة، والتي تقرأ فيها خبرة سنين طويلة، فاللّحى البيضاء، والجلود الشاحبة، والظهور المُحدودبة، والثياب القديمة العتيقة، والتي قد أكل عليها الدهر وشرب ونامَ، وسَط خشوعٍ وخضوعٍ وتذلل للرحمن .
كانَ الزهدُ والتقشف؛ هوُ المظهرُ السَائد على الجميع، فلا مكان للحضارة والدنيا بينهم، فقد باعوها بثمنٍ بخسٍ غير آبهين بها ولا سائلين عنها ! يخافون عذاب الله وعقابه، ويأملون جزاء الله وثوابه!
رجلٌ كبيرٌ في السن، أسمر البشرة، متسع العينين، يشعُ من جبينه نور الطاعة والإيمان، لم أرَ ولن أرى أكثر منه ذِكراً لله، فلا أكاد ألحظ شفتيه تتوقفان عن ذكر الله أبداً، وأصابعه تتحركُ دائماً، لتعد التسبيح والتحميد ، وليتَ شعري لمَ يَعد وجل وقتهِ في ذكر الله؟ ولا أظن حركة أصابعهِ إلا من كثرة اعتياده على الذكر، لا من أجل حساب عددها !
ذاتَ مرّة، كنتُ جالساً بجانبه، فسُكبَ لي كوبٌ من الشاي، ولم يكن مذاقه كما أحب، فشربتُ نصفهُ، وتركتُ النصف الثاني، فنهرني هذا الرجل الأسمر بشدة، وعنفني بقوّة، وقالَ كيفَ تترك نعمة الله هكذا ؟! أينَ شكر النعمة ! فخجلتُ من نفسي ، وشربت النصف الثاني، خشية أن يلطمني بكف لا أنساهُ طيلة حياتي !
نصف كوب شاهي، جعل مُحيّا هذا الرجل الصالح يتمعّر ويغضب؟ فأينَ منهُ تلك الموائد والمفاطيح والأطعمة التي تملأ الدنيا، ثم ترمى بعيداً ، غير مَبالين ولا شاكرين لنعمة الله ؟ اللهم لا تعاقبنا بما يفعلهُ السفهاء منّا .
حينما ينتصفُ الصباح، يُقبل شيخٌ آخر، عليه ثيابٌ رثة ، من الزهد والتقشف، في وجهه عينان حادتان، يَبعثان في قلبك الخوف والوجل، فيجلسُ في مؤخرة المَسجد، بعد أن تحلق حولهُ جملة من طلبة العلم وكبار السن ، يقرؤون عليه من تلك الكتب القديمة ، والتي قد لُفّ بعضها بأقمشة حِفاظاً على صحتها، فأجلسُ معهم، ولكني لا أفهم شيئاً مما يقول، فهو يتمتم بصوتٍ منخفض للغاية، ولا تكادُ تميّز سوى كلمةٍ أو كلمتين .
كان يقوم في بعض الأحيان بحركات غريبة لا نفهم كنهها، فعلى سبيل المثال، في أحد المرّات كان يصلي النافلة في مؤخرة المسجد ، ثم أخذ يتحرك وهو يُصلي، ويمشي بضع خطوات، وهو في أثناء صلاته !!
وذاتَ مرّة، كنتُ جالساً في حلقته، فوجدتهُ يُبصرني بعينيه الحادتين، وكأني فهمتُ من تعابير وجهه أنهُ يُعنفني، فخفضت رأسي وقرّبتهُ منه، رجاءَ أن أسمع شيئاً مما يقول، فلعلي فهمتُ أنهُ يَسألني لماذا لا أحضرُ مَعي كتاباً وأقرؤه عليه ؟ ويقول لي : اقرأ حتى تُصبح مثل سليمان العلوان، شيخ وهو شاب ! هه الله المستعان .. أصبح كالشيخ سليمان ؟! أبشر بطول سلامةٍ يا مربعُ !
في أحد المرّات؛ كانَ أحدُ كبار السن جالساً معنا، فطلب منهُ ذاتُ الشيخ أن يقرأ عليه شيئا، فلعلّ كبير السن هذا لم يَجد في جعبته شيئاً، فما كانَ منهُ إلا أن قرأ الفاتحة عليه، فسلمَ من اللوم !
ما يُؤلمني حقاً، هو أن الذي يَسكبُ لنا القهوة والزنجبيل، هو شيخ عَجوز هرَم، مُحدودبُ الظهر بشكل كبير، فلا يكادُ يسيرُ إلا بصعوبةٍ وتثاقل، أبى إلا أن يخدم طلبة العلم ومحبي الخير .
كنتُ أرفضُ أحياناً احتساء الزنجبيل، فيُلزمني بابتسامة جميلة، تساوي الدنيا كلها ! فآخذ الكوبُ لأجل عينيه وابتسامته فقط، أجزلَ الله ثوابه وأعظم جزاءه ، وأطال بعمره إن كانَ حياً ، ورحمه ولطفَ بهِ إن كان في جوف الثرى .
ذاتَ مرّة خرجنا، أنا وأصحابي إلى السيّارة، لتقلنا عائدين إلى منازلنا، فإذ بأحد كبار السن اللطيفين، يأتي ليُسلّم علينا، ولعله وحينما فتحنا لهُ نافذة السيّارة أبصرَ المسجل، فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ، هل تصدقون أن هناكَ من يذهبُ إلى مكة، ومعهُ طاغوتان ! هل تصدقون ؟ قلنا وكيفَ ذاك يا شيخ ؟ قال يذهبُ ومعه المسجل والراديو والعياذ بالله، فهذان هما الطاغوتان ! فكلامُ الله منزّه عن هذا الحديد !!
لم نكنْ نجيبُ إلا ب جزآك الله خير، الله ينفع بك، ذلكَ أنه لا مجالَ لنقاش رجل كبير في السن، ومن الإخوان أيضاً !
وذات مرّة وقفنا معهُ نتحدث عند باب المسجد ، نمازحه ونداعبه ونقبل رأسهُ، فقلتُ لهُ : نحبُ الصالحينَ ولسنا منهم، فصرخ بوجهي : تخسأ ! .. بل نحبُ الصالحين ونحنُ منهم ! فابتسمت .. وقلت سم ، مالك إلا يرضيك طال عمرك ! ولعله نسي قول الله تعالى [ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ] . سُبحانه !
وبهذه المناسبة تذكرت الطرفة المصريّة التي قال فيها أحدهم لآخر: إنتا بتحِب الصالحين ؟ قال : أيوه ، قال : أحبّك الله الزي أحببتنا فيه !
كانَ النومُ في ذلكَ المسجدِ أمراً مُباحاً، فلا تستغرب حينما تجدُ المضطجعين هنا وهناك في أطراف المسجد، وكنتُ حينما يُداهمني النعاس أفعل مثلهم، فأهربُ إلى أحد زوايا المسجد، وأضطجع على جنبي، وليذهب كوي الثوب والشماغ في ستين دهية، لا شيء يَعدل النوم حلاوة، حينما يكونُ النعاس شديداً، إنه تماماً كالسُكْر، في شدة بأسه على العقل، وليسَ في حَلاوة مذاقه، ما تفهموش غلط !
كنا نقرأ في بعض الأحيان بعض آياتٍ من القرآن الكريم، على أحد المشايخ هناك، وكان أحدُ الأصحاب ركيك التلاوة، ضعيف التجويد، كثير اللحن والخطأ، فكانَ الشيخ يقولُ له : اقرأ مثل فُلان، يقصدني ، فيشتعلُ صاحبي غيضاً وحقداً وحسداً وبَغضاً ، فكأني أرى انقداح الشرر من عينيه، ولهيب الحرقة بين جنبيه، فقد كان ضمن اللؤماء الذين يُظهرون حسدهم، على مقولة ابن تيمية رحمه الله : لا يخلو جسد من حسد، فالكريم يخفيه ، و اللئيم يبديه !
من هنا عرفت لماذا يُحذر التربويون وعلماء النفس من المقارنة بين الأطفال والغلمان، ذلك أن المقارنة تشعل بينهم الحسد والبغض ، والآباء يكثرون من هذا الأمر، ظناً منهم أن المقارنة تُشجع، وهي تُحرق وتفسد !
يبدو أني أطلتُ عليكم، ولذا أختم بهذه الحادثة الطريفة، وذلك حينما خرجنا من المسجد ذات مرّة، فإذ بأحد كبار السن يخرج ويجلس قرب صنابير المياه الخاصة بالوضوء، فظننا أن الرجل يريدُ أن يتوضأ، وإذ به يرفع ثوبه ولم يكن يلبسُ سروالاً كعادة بعض كبارالسن، فأخذ يتبوّل، وكأن الشارعَ خالٍ من القوم !
أسأل الله أن يغفر لهم ويرحمهم، ويجمعنا بهم في جنته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إبراهيم الدبيان
www.dobyan.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.